الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    قوة المملكة الاقتصادية ورفع التصنيف    موسم الرياض.. رؤية لسياحة مستدامة    مطار الملك فهد: 15 مليون مسافر سنوياً    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    بوتين: الحرب في أوكرانيا اتخذت "طابعًا عالميًا"    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    مد الخليج يغرق الهلال    الاتحاد في صدارة ممتاز الطائرة    موديز ترفع التصنيف الائتماني للمملكة إلى Aa3    المدى السعودي بلا مدى    غادة عبود: أمثل حتى أثري تجربتي الأدبية    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «الرياض» تفصلهم وتجمعهم    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    ضبط شخص في عسير لترويجه الحشيش عبر مواقع التواصل    تعليق الدراسة الحضورية غداً بمدارس محايل عسير ورجال ألمع    اختتام المؤتمر العربي لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات    بمبادرة سعودية.. الاحتفاء باليوم العالمي للتوائم الملتصقة    هل تعاقب دول غربية إسرائيل بحظر السلاح ؟    الطقس يهدد الولايات المتحدة    عبدالله آل سالم يتوهج في دوري روشن    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    تأثير الذكاء الصناعي .. دفعت العائلة فدية لكنهم اكتشفوا أن ابنتهم لم تختطف    عن الدراما المسرحية والتجاهل الأكاديمي أتحدث    «حلاه يشدف» أحدث أغاني إبراهيم فضل بالتعاون مع محمد الخولاني    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    فنانو المدينة يستعرضون أعمالهم في جولتهم بجدة    وزير السياحة يدشن شركة رملة للرحلات السياحية والمنتجعات البرية في حائل    الحارثي في ذمة الله    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    الانسانية تحتضر    الطاقم الطبي يحدد موقف محترف الأهلي من مواجهة العين    سيارة جايكو 8 تبدأ رحلة جديدة في السوق الإقليمي بمظهرها الفاخر للطرق الوعرة    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    «الغذاء والدواء»: حظر الإتلاف ومنع السفر لحالات التسمم الغذائي    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    «الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روايات تحفل بالمتعة والمتناقضات . المصري رؤوف مسعد يقترف "المعاصي" إذعاناً لهوى الكتابة
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 2001

تشكل روايات الكاتب المصري رؤوف مسعد حالاً خاصة في الحركة الروائية المصرية والعربية، سواء في ما تفترض الخصوصية من معان إيجابية أو سلبية. وليس من المستغرب ان ينقسم النقّاد حول ظاهرة هذا الكاتب المصري "المغترب" والجريء الذي خاض موضوعات تتطلب مقداراً من الجسارة.
تحسّر الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير مرة لانه لم يعد في وسعه كتابة قصص مشوقة وممتعة على غرار سرفانتس ورابيليه. ولعل الحسرة نفسها تراودنا كلما أقبلنا على نصّ ادبيّ حديث حيث الرغبة في قراءة قصة مشوّقة لا تظهر الاّ مصحوبة بخشية ان تكون ذائقتنا انحدرت الى درك طلب المتعة "الرخيصة" التي لا توفّرها إلا سبل الثقافة "الجماهيرية" الترفيهية.
طبعاً حسرة فلوبير لم تكن في محلها، وكذلك حسرتنا. فبعد فلوبير، وطوال القرن العشرين، كان ادب الهوامش المجتمعية مزدهراً، ولم يلبث ان ازداد ازدهاراً بفضل ظهور ادب "الهوامش الجغرافية"، على ما يحلو للبعض تصنيف اعمال كتّاب من امثال بورخيس وماركيز وسلمان رشدي. وبمحاذاة الرواية الحديثة التي بشّر بها فلوبير، وحتماً، مهدّ لها، شاعت اعمال ادبية لم تنجُ من لعنة السأم الملازمة للأدب الحديث فحسب، وإنما افلحت ايضاً في ان تكون اعمالاً اذا ما شرع المرء في قراءة عمل منها فإنه لا يسعه التخلي عنه إلاّ بعد الفراغ منه. وكتب مثل "الجندي الطيب شفيك" ليارسلاف هاتشيك، او اي من اعمال مواطنه اللاحق بوميل هرابال وروايات هذا، بالمناسبة، اهم بكثير من روايات ذلك الكاتب المبالغ في الاحتفاء به، أعني، ميلان كونديرا او اعمال غارسيا ماركيز او سلمان رشدي او غيرها وخلافها احتفظت بتلك الصفات من التشويق والامتاع التي تجعلها مقروءة جداً، من دون ان تكون أقل حداثة من اعمال فوكنر وويندهام لويس او اي من اعمال ما يُسمى ب"الرواية المضادة".
لعل التشويق الذي تتمتع به هذه الاعمال يسبغ شرعيّة على الكثير منها، ولكن الاعمال التي لم تظفر بالاعتراف الذي تستحق نظراً الى انها لا تحفل كثيراً بالحدود القائمة بين الاشكال الادبية او حتى لم تراع شروط التعبير الادبية الصارمة، او لان اصحابها لم يتكلفوا الظهور بمظهر الادباء "المحترفين".
الى مثل هذا اللون من الادب تنتمي كتب رؤوف مسعد الثلاثة "بيضة النعامة" و"صانعة المطر" و"مزاج التماسيح" التي كان ظهورها المتتالي أشبه بقفزة من الهامش الى الوسط. وهي من حيث تشديدها على كونها حصيلة خبرة حياتية و"تخييلية" طويلة لم تنمُ في كنف الوسط الادبي، ولم تتدرج في صفوفه المتعارف عليها، فإنها تستمد من ذلك رخصة في المزج بين السيرة الذاتية والمذكرات والرواية، اي مزج سرد حوادث فعليّة ومتخيّلة من دون علامة تمييز واضحة ما بين السرد الواحد والآخر. فحتى كتاب "صانعة المطر" الذي يقدم نفسه كمجموعة من القصص، فإن في اسلوبه ومضامينه ما يشير الى ما عايشه المؤلف وشهده خلال رحلة جاءت الكتابة بمثابة إعلان لخاتمتها، وكذلك الى حقيقة ان الحكاية الواردة في قصة "القديسة آن"، من الكتاب المذكور، عن انتقال الكاتب من بولندا الى سويسرا عام 1974، هي الحكاية نفسها الواردة في مذكراته "بيضة النعامة"، فإن الراوي في كل من القصص الثلاث الاخرى هو الرواي نفسه في كل من "مزاج التماسيح" و"بيضة النعامة" كونه ذاك الذي يروى بعدما اخذ استئذاناً من الفعل.
صحيح ان المزج بين الحقيقي والمتخيّل، ومن ثم المزج بين اشكال تعبير مختلفة، امسى احد سبل الكتابة الحديثة او ما بعد الحداثية، غير ان المزج عند مسعد لا يأتي استجابة لتقنية سردية محسوبة مسبقاً، وإنما اشبه بإذعان لهوى او لمزاج. والمزاج يلعب دوراً مهماً في الاسلوب الذي يتبعه الكاتب في هذه القصص. فهو غالباً ما يباغتنا في الانتقال من حال المتخيَل الى حال الفعلي والحقيقي، ومن شكل ادبيّ الى آخر. فنحن مرة امام حكاية قائمة بذاتها، وان لم تعدم صلة ضمنية وطيدة بالسياق السرديّ العام، ومرة ثانية امام صفحات مصوغة على شكل مذكرات، وثالثة امام ما يشبه الريبورتاج الصحافي. وفي غير مناسبة، ومن دون خطة يمكن تبيّن معالمها، ينقلب السرد من اللغة الفصحى الى لغة العامية المصرية. ناهيك عن القفز بين الماضي والحاضر او بين مكان وآخر تفصل بينهما آلاف الاميال، وكأني بالكاتب الذي قضى حياته متنقلاً بين بلدان مختلفة، لا يطيق المكوث في السرد على حال واحدة ايضاً.
وإذا كان الاحتكام الى المزاج في التعبير والإقبال على فعل الكتابة، على ما يشي النص في غير مناسبة، مما يدل الى شخصية الكتابة من حيث نشوؤها على الهامش، فإن ما يكرس الإعراض عن المقاييس الادبية والاعراف التقليدية منها والمحدثة، إحجام الكاتب، اولاً، عن تكلف لغة سردية تكون خاصة به، كما هو متوقع من الاديب "المحترف". وعوضاً عن ذلك، ثانياً، فإنه يُظهر "ليبرالية" مفرطة في التعبير الى حد انه لا يتوانى عن اقتراف جلّ المعاصي التي لا ينفك النقّاد ومدرسو الإنشاء الادبي النهي عنها: التنميط الادبي، تقريرية التعبير والمباشرة. ويبلغ الاسراف في امور كهذه، كما هو الامر في قصة "الغرباوية" مثلاً، الى درجة يحس المرء بأن الكاتب يتعمد فعل ذلك.
غير ان امراً كهذا، وهذا ما يعنينا هنا، لا يحول دون المتعة المستمدة من قصص مسعد. فالاصل الهامشي الذي تصدر عنه هذه القصص يجعل التشذيب أو التهذيب امراً غير ضروري، ومن ثم فإنه يحمي حرية التعبير، الفطرية والغريزية، في السرد وبما يكفل التشويق والمتعة.
كُتب مراراً عن المتعة في قصص مسعد. ولكن المتعة غالباً ما عُزيت الى "المغامرات النسائية" التي تحفل بها القصص. وكالعادة تفاوت الكلام بين الاحتفاء المعهود، الى حدّ الملل، بحكاية "كسر قيود التابو" وبين التمعّن في ما يُسمى بفلسفة "الجسد والاروسية". وما فات كلاً من المحتفين والمتمعنين، في غالب الاحيان، ان هذه "المغامرات" ما كانت لتبدو اشدّ إثارة للاهتمام من بلاهات الفانتازيا الذكورية التقليدية، لولا السياق العام الذي ترد فيه. فهي ليست سوى مظهر واحد، وإن كان بارزاً، في سرد مغامرة ارتحال وتشرد تمتد على مدى زمنيّ لا يقل عن اربعة عقود، وتتراوح ما بين مدن عامرة بالحياة وقرى ونواح نائية، وبما يزودنا على الدوام بصورة حياة لا يسع حتى اشدّ الناس بلادة من التحسر على عدم الظفر بها. هذه في النهاية قصص يحدث السفر فيها باليسر الذي يحدث في "الف ليلة وليلة". فالانتقال في السرد بين مدن متباعدة تباعد القاهرة ووارسو وبغداد وبيروت وجنيف والخرطوم يتم في شكل تلقائي تماماً كما لو انه الايقاع المعهود لحركة راوٍ يمتلك بساط ريح. وسواء كان صحافياً، او تلميذاً، او مخرجاً مسرحياً، او منظف "حمّامات"، فإنه لا يزعم دور الراوي الذي ينطلق من المركز الى الاطراف او من الاطراف الى المركز باعتباره الرحالة الذي يعود دائماً لكي يروي حصيلة مشاهداته. انه راوٍ لا يعود، وهذه هي حياته: "في غرفتي الصغيرة العارية اعيش يوماً بيوم، اتحرك بين اليوم واليوم الذي يليه خفيفاً بلا ماض او مستقبل، متحرراً من اسمي وهويتي وخطاياي...".
وبفضل راوٍ كهذا فإن قصص مسعد لا تظهر محليّة حتى حينما تدور في المحلة التي ينشأ فيها الراوي ويقيم. فثمة مسافة بيّنة تفصل الراوي عن البيئة المحيطة تصدر، من ضمن ما تصدر عنه، حقيقة ان الراوي يعي انه ابن اقلية دينية قبطية، ولكن على غير انسجام تام مع اصوله بل انه متمرد على هذه الاصول بما يجعل كل الاماكن التي يقيم فيها، او يدخلها، أجنبية الطابع. وبكلمات اخرى قليلة، فهذه قصص مشوقة لانها تدور في عوالم اخرى وترصد شخصيات تنتمي الى الطرف الآخر من المدينة، وفي كل الاحوال على مسافة بعيدة، ان ليس جغرافياً فثقافياً. هناك الكثير من الشخصيات الاوروبية في هذه القصص، او الاجنبية عموماً، وهذا كفيل بإثارة الفضول على الدوام. ولكن حتى الشخصيات ذات الاصول المحلية، ان لم نقل الدنيا والوضيعة، شأن شخصيتي رونسي ورونسيه، من رواية "مزاج التماسيح"، فإنها لا تعدم الرونق "الطبقي" بحسب تعبير اثير عند الراوي الذي تسكع طويلاً في صفوف اليسار الماركسي.
من هذا الكلام يتضح ان مقولتي: غني/فقير وشرق/غرب، منفصلتان طوراً، متصلتان تارة، وهما تشغلان موقعاً مهماً في السرد لدى مسعد. وهذا كما لا يُخفى ما يضمن قسطاً من المتعة لا يُنكر. وقصة "الغرباوية"، وعلى رغم ما يعتريها من نزعة تنميطية لا مفر منها اصلاً في تناول العلاقة ما بين الشرقي والغربية، هي من اشدّ القصص إمتاعاً في تصوير هذه العلاقة، ولكن ليس بفعل الجنس والأروسية، وانما لما يشوب هذه العلاقة من تواطؤ وتردد وتأرجح، اي من لعبة الخفاء والظهور، وأيضاً بفعل نزعة الفضول الانتروبولوجي الطريف الذي يخترق السرد. وبما ان راوي سيرة المغامرة المشوقة هذه لا ينطلق من موقع الاعجاب بنمط الحياة الذي عاشه، ولا يُعلي من شأنه، فإن احتفاله بنفسه لا يرتفع الى علو يحول دونه والاهتمام بسلوك أو حياة الغير. ولكن على رغم ان هذا الفضول يسعى جاداً الى تفسير سلوك العجيب للغير، كما هو الامر في سلوك شخصية الغرباوية في القصة المشار اليها سابقاً.
لكن هل هذا فحسب مصدر التشويق والمتعة في قصص مسعد؟ ونحن نعلم ان قصصاً تدور في الاماكن نفسها وتمتد على مدار زمنيّ كمدارها، لا تكفي لكي تلفت انتباه القارىء وتضمن ولاءه حتى النهاية.
والحق فإن ثمة ميلاً الى الطرافة في اسلوب مسعد السرديّ لا يفتر الاّ لماماً. لهذا فسواء كان السرد بمثابة وصف لعلاقة عاطفية بين زميلين في الجامعة، كما في قصة "حكاية بائعة السمك وابنتها المدهشة"، ام فضح ما يجري في كواليس اجهزة الامن والجاسوسية الدولية، كما في "مزاج التماسيح"، فإنه يبدو منذ البداية مشروطاً بأخبار نادرة او طرفة، او إفشاء سرّ وكشف مؤامرة ما. ومثل هذا الامر لا يحتم على السرد ان يمضي على شكل دائري ضيّق الافق بما يصون نكهة النادرة ولا يفرط بالاثر التام للسر المفضوح.
لا شك في ان سرداً ينحو نحو النادرة الطريفة لا يمكنه الاستغناء عن التهكم والسخرية. والجنوح الى ضرب من التعبير كهذا وحده ما يخفف من قتامة الصورة التي يتصورها لمصر عام 2010، حين تغرق البلاد في حمأة حرب اهلية وتنتهي السلطة السياسية في قبضة حكومة عسكرية. وليس هذا الامر من مظاهر انعدام الجديّة او اقتصار غرض السرد على الامتاع والتسلية، وانما مرده الى موقف الوعي المنبسط الذي يقفه الراوي - سواء ما يجرى في الواقع ام في الخيال - أي موقف من هو غير متهاون تماماً، ولكن حتماً لا يعرف معنى الجدّية الصارمة. هوذا المقصود بهذا الموقف: في "بيضة النعامة" مثلاً، يخبرنا الراوي بأنه لم يتخل عن إيمانه بالماركسية "كفلسفة مادية تعتمد على الرؤية العميقة والصحيحة - في معظم الاحوال - لتفسير التاريخ واكتشاف ميكانيزم الصراع الطبقي وبالتالي تفسير أو تحديد الظلم الاجتماعي".
والموقف المنبسط الذي نعنيه انما يتمثل في امور مثل تلك الجملة الاعتراضية الواردة في النص في معظم الاحوال. فمثل هذه العبارة لا تصدر عن تقويم منطقيّ او عمليّ للنظرية الماركسية ولا هي من مظاهر شكوكية صحيّة في زمن الاعلان عن موت الايديولوجيات الكبرى، وتحديداً الماركسية، وان هي المنفذ للتنصل من جدية لا تتوافق مع وعي الكاتب لنمط الحياة التي عاشها وطبيعة الخيال الذي سبحت مخيلته فيه.
وهذا الوعي نفسه هو الذي يحول دون الاسترسال والاستطراد، حتى حينما يكون أي منهما مقبولاً، بل مرغوباً. وهذه هي الميزة الذي تجعل السرد بريئاً من الاسباب التي تثير السأم والملل. فالكاتب لا يعي ما حدث، او ما تخيّل حدوثه، بذلك القسط المفرط من الجدّية الذي يدفعه الى إنشاء سرد يزعم تصويراً موازياً. فهو بدلاً من الاسترسال يميل الى التلخيص، الى العبارات القصيرة والموجزة، ولكن الواضحة. وعوضاً عن الاستطراد، فهو يفضل الجمل الاعتراضية والاستدراكية، لا سيما بما يتوافق مع شكل النادرة والطرفة التي يمضي السرد الى إنشائها، ودائماً، بقسط وافر من الإمتاع والتشويق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.