دخلت جورجيا دوامة ازمات سياسية خطيرة وقرر الرئيس ادوارد شيفاردنادزه إقالة "كل الوزراء" من دون الإعلان عن اقالة الحكومة، وهدد بالاستقالة من منصبه بعدما اجتاحت شوارع العاصمة تبليسي تظاهرات صاخبة مناوئة للسلطة. وتمثل الصاعق الذي فجر الأزمة في دهم مجموعة من رجال الأمن مقر محطة "روستافي2" التلفزيونية المعارضة ومطالبتهم بتسليم وثائقها المالية بحجة انها لم تدفع مستحقات ضريبية قدرت ببضعة ملايين من الدولارات. وجرى بث عملية الاقتحام على الهواء مباشرة فهرع آلاف من المواطنين ونواب البرلمان ووجهاء البلد للدفاع عما وصفوه ب"العدوان" على الحريات والديموقراطية. وعقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً طارئاً قدم خلاله وزير الأمن فاخنانغ كوتاتيلادزه استقالته وقبلها رئيس الدولة على رغم ان الوزير صديقه الشخصي منذ 30 عاماً. إلا ان المتظاهرين طالبوا باستقالة وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة ثم رفعوا "السقف" وطالبوا باستقالة الحكومة ورئيس الدولة. وانضم عدد كبير من نواب البرلمان الى مطالب المتظاهرين. وعقدت امس جلسة طارئة للهيئة الاشتراعية عرض خلالها مشروع قرار يقضي بحجب الثقة عن وزير الداخلية الذي كان هدّد وسائل الاعلام باتخاذ "اجراءات ضدها" كما طالب القرار باستقالة رئيس النيابة العامة. وفي خطاب الى الشعب، حذر شيفاردنادزه من ان اقالة الوزير والنائب العام ستدفعه الى تقديم استقالته. وأضاف ان ما يحصل هو "جزء من مخطط سياسي لإزاحة رئيس الدولة والحكومة". وأضاف انه لا يتشبث بالسلطة ولن يضع مصالحه الشخصية فوق المصلحة العامة. ويجمع المراقبون على ان حوادث جورجيا الحالية تكرر ما جرى في هذه الجمهورية مطلع التسعينات عندما نظمت تظاهرات اطاحت الرئيس الشرعي زئياد عمناخورديا، وذكر ان المحرك الاساسي كان شيفاردنادزه الذي يسمى في جورجيا "الثعلب الأبيض". وهذا السياسي المحنك الذي قاد وزارة الداخلية الجورجية وأصبح اميناً عاماً للحزب الشيوعي في الجمهورية في السبعينات، انتقل الى موسكو اواسط الثمانينات ليصبح عضواً في المكتب السياسي ووزيراً للخارجية في الاتحاد السوفياتي في عهد الرئيس ميخائيل غورباتشوف. وكان شيفاردنادزه استقال من منصبه محذراً من "انقلاب" في موسكو. ثم أعاده غورباتشوف الى الوزارة بعدما حصلت فعلاً محاولة انقلابية صيف عام 1991. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي ترأس شيفاردنادزه "رابطة السياسة الخارجية" لكنه ظل يتحيّن الفرص للعودة الى تبليسي. ويعتقد المحللون ان مواقع شيفاردنادزه اهتزت خلال السنوات الماضية فهو أخفق في الحفاظ على وحدة بلاده وتوفير الرخاء الاقتصادي. ووصل بالعلاقات بين تبليسي وموسكو الى درجة المجابهة شبه السافرة، وهدد بالانسحاب من رابطة الدول المستقلة. وأعلن رئيس الدولة وهو رئيس للحكومة في الوقت ذاته في جلسة البرلمان، انه قرر إقالة جميع الوزراء وكلف وكلاء الوزارات بإدارة الأعمال لحين تشكيل وزارة جديدة، فيما أعلن رئيس البرلمان جفانيا استقالته.