تحدثت صحيفتان باكستانيتان هما "ذا نايشن" و"باكستان توداي" عن العلاقات الافغانية - الباكستانية والاميركية - الباكستانية والاميركية - الهندية، وما آلت اليه بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي في الولاياتالمتحدة. واعتبرت الاولى ان مصلحة باكستان تقتضي باقامة حكومة موالية لها في افغانستان، وتساءلت عن قدرة الملك السابق محمد ظاهر شاه على اعادة اللحمة الى البلاد. اما الثانية فتحدثت عن تحول اهتمام الولاياتالمتحدة من باكستان الى الهند، مشيرة الى جهود الطرفين لحل المشكلات العالقة في العلاقة الاميركية - الهندية. ومن الواضح ان السلطات الباكستانية لم تعد ترفض عودة الملك الافغاني السابق إلى الحكم في مرحلة ما بعد "طالبان"، على رغم ان العلاقات بينهما لم تكن يوما جيدة. ولا يصعب فهم الاسباب التي تجعل اسلام آباد تقبل هذا الوضع، فمع بروز تحالف الشمال واحتمال استئثاره بالسلطة بعد "طالبان"، يبقى ظاهر شاه الامل الوحيد لباكستان. والواقع ان الحكومات الباكستانية المتعاقبة تعاطفت مع حركة "طالبان" ولم تعر النصائح المتكررة بالتوقف عن دعم هذه الحركة آذانا صاغية، كما انها لم تقم بأي مبادرة لايجاد بديل من داخل "طالبان" او من الباشتون أو حتى من تحالف الشمال المعارض، لذلك لم تعد وزارة الخارجية الباكستانية في موقع اتخاذ القرارات بل في موقع تلقي ما تفرضه الظروف عليها. وقد يكون الرئيس برويز مشرّف على حق عندما يعتبر ان الحل يجب ان يأتي من الداخل وهو يتمثل في تشكيل حكومة موسّعة. ولكن "طالبان" رفضت هذا الاقتراح، على رغم اعتمادها الكبير على اسلام اباد. والسؤال المطروح هو: هل في امكان ظاهر شاه تشكيل حكومة وإدارة بلاد مزّقتها الحرب الاهلية مدة 22 عاماً، خصوصا أنه بلغ السادسة والثمانين من عمره وغاب عن واقع البلاد أكثر من 30 عاماً، اضافة الى ان "طالبان" أنكرته وهدّدت باعتبار من يتعامل معه خائناً؟ وتختم "ذا نايشن": "يجب ان تسعى باكستان إلى احلال نظام متعاون معها في افغانستان، فكما اعتدنا رؤية القادة الافغان ينقلبون ضد باكستان بعد الإفادة من دعمها يبقى ان ننتظر لنرى مدى نجاح او فشل السياسة الافغانية الجديدة". وتعتبر "باكستان توداي" ان مركز اهتمام الولاياتالمتحدة بمنطقة جنوب آسيا تحول من باكستان إلى الهند. فالزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون للهند واستمرت اياماً ومروره السريع باسلام آباد وضعا النقاط على الحروف بالنسبة الى السياسة الاميركية في هذه المنطقة. وقال كلينتون، عبرالتلفزيون الباكستاني، ان "الولاياتالمتحدة لم ولن تتدخل في حل مشكلة كشمير". وحث على فتح حوار بين الدولتين. اما العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالهند فتسير قدماً. واقترحت الولاياتالمتحدة اقامة تعاون بين البحرية الاميركية والبحرية الهندية. وخصصت ادارة الرئيس جورج بوش مبلغ 500 الف دولار لتدريب الجيش الهندي في الولاياتالمتحدة. وينظر البيت الابيض الى الهند على انها قوة آسوية كبيرة. وفي هذا الاطار استقبل بوش وزير الخارجية والدفاع الهندي مدة 45 دقيقة من دون اعلان جدول الزيارة، وتنزه معه في الحديقة الوردية قبل ان يناقشا أمر الصواريخ في المكتب البيضاوي. واضيفت الهند الى لائحة الدول التي تعتبرها الولاياتالمتحدة حليفة وصديقة لها. وفي هذا السياق، قال نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد آرميتاج: "لا يعقل ألا تتحالف الولاياتالمتحدةوالهند وكل منهما اتحاد فيديرالي ديموقراطي متعدد الأعراق والديانات". وأثنى آرميتاج على جهود الاميركيين من اصل هندي الذين "اوصلوا التجمع الحزبي الهندي الى مجلس الشيوخ، ولا عجب اذاً ان كان الكونغرس يؤيد اكثر فأكثر تطوير العلاقات مع الهند". لكن بعض المحللين السياسيين يرى ان القصة غير متعلقة بالديموقراطية فقط، بل هي استراتيجية اعتمدها الاميركيون من اصل هندي لبلوغ مآربهم. فاستغلوا بذكاء العملية السياسية الاميركية ودفعوا المبالغ الطائلة للجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء في الحملات الانتخابية. والواقع ان هذا القول ينطوي على بعض الصحة. لكن الصحيفة نفسها تتحدث عن شوائب في العلاقات الاميركية - الهندية، لا بد من ازالتها لإقامة تعاون. ومما جاء في المقال بهذا الشأن: تبدو العلاقات الاميركية - الهندية متوترة في الآونة الاخيرة فهل من شيء يمكن فعله لتحسينها؟ نعم شرط ان تتحرك الولاياتالمتحدة بالسرعة الكافية. فقد حاولت واشنطن وديبلوماسيوها في نيودلهي عبثاً ان يبددوا الفكرة السائدة بأن التعامل مع باكستان يتم على اساس انها دولة من دول "خط المواجهة". فلم تعترف الادارة الاميركية بأن واشنطن وافقت على الشروط كافة التي وضعتها اسلام آباد لتتعاون معها بعد أزمة 11 أيلول. ويمكن فهم اسباب السعي الاميركي الدؤوب لادخال باكستان في حلف مع الدول "المعتدلة" اسلامياً، اما مصالحها من ادخال الهند فغير واضحة تماماً. إذ ان المشكلات التي تواجهها الهند تمنعها من القيام بدور عسكري. اما على الصعيدين السياسي والديبلوماسي فهي تشكل عائقاً أمام جمع الدول المعتدلة اسلامياً ومن ضمنها باكستان، في حلف واحد. ولكن، هناك اعتبار على المدى البعيد لا بد من التنبه إليه وهو ان الهند هي الدولة الديموقراطية الوحيدة التي تعاملت مع الارهابيين بمختلف جماعاتهم حتى اصبحت مثالاً يحتذى به. وهي الدولة النامية الاولى التي عرضت الانضمام الى التحالف الدولي. وهي في نزاع مع باكستان على كشمير وتهمّها السياسات الاميركية في المنطقة. لذلك فإن وجودها مهم في حلف يواجه مشكلات الارهاب وعلى الولاياتالمتحدة ان تمنح نفسها بعض الوقت للتفكير بهذه النقطة، وإزالة مخاوف الهنود. وينبغي على واشنطن ان تقوم بالخطوات الآتية عاجلاً ام آجلاً: اولاً، ان تعيد مراراً وتكراراً ان الولاياتالمتحدة لن تعقد اي اتفاق مع باكستان قد يضر بالمصالح الهندية. ثانياً، ايجاد موضوع مشترك للتعاون مع الهند لكي يترسخ هذا التعاون في أذهان الشعب الهندي. وقد تكون زيارة احد المسؤولين الهنديين إلى الولاياتالمتحدة ذات نتائج مفيدة. ثالثاً، التشديد على ان مكافحة الارهاب ستتخطى افغانستان وهو ما سبق للرئيس الاميركي ان قاله. ولكن الموضوع يرتكز الى التلميح الى ان القضاء على الارهاب في افغانستان يؤدي الى القضاء عليه في كشمير. من جهة أخرى، فإن محاربة الارهاب الأفغاني ستؤدي الى لجوء الكثيرين الى باكستانوالهند ومن ضمنها كشمير. وذلك يعني ان اسلام اباد قد تجعل هؤلاء اللاجئين ينقلبون ضد الهند لانها لم تساندهم في مرحلة من المراحل. وان قاموا بأي عمل يشبه اعتداءات 11 أيلول فلا مفر من مواجهة باكستان وقيام حرب نووية. لذا على الولاياتالمتحدة ان تتحرك على مستويين: أولاً الضغط على باكستان لوقف الدعم الذي تقدمه للإرهابيين، أي استئصالهم نهائياً، وهذا يعني ايضاً اسكات المحاربين في كشمير وانتزاع السلاح منهم. اما المستوى الثاني فهو جعل الفصائل الكشميرية تشارك في الانتخابات وهو امر تعترض عليه باكستان. هنا بالذات يمكن الولاياتالمتحدة ان تثبت انها فعلاً متعاونة خارج نطاق افغانستان. ولا يخفى على أحد ان ما فعلته الولاياتالمتحدة حتى الآن من تحريات عن الاعتداءات وتبادل المعلومات مع المجتمع الدولي وقولها ان الحرب على الارهاب ليست حرباً على المسلمين، كفيل بجعل الهند تتعاون بطيبة خاطر.