تناولت صحيفتان باكستانيتان "ذا نايشن" و"ذا دون"، وصحيفة هندية، "ذا كشمير تايمز"، موضوع العلاقات التي تربط باكستانبالهندوأفغانستان على ضوء زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول للمنطقة. وتحدثت الصحف المذكورة عن التعاون الباكستاني - الأميركي في الحرب على الارهاب، وتقلص الدور الهندي، وسبل معالجة أزمة كشمير، خصوصاً بعد تبادل اطلاق النار أخيراً على خط المراقبة. فتباينت الآراء حيناً وتلاقت حيناً آخر. فاعتبرت "ذا نايشن" ان القرار الذي اتخذه الرئيس الباكستاني برويز مشرَّف بدعم الولاياتالمتحدة يبرره الحرص على المصالح الوطنية. ولكن هذا العذر أقبح من الذنب لأن "طالبان" هي من صنع باكستان وهي التي سلّحتها ودعمتها للوصول الى السلطة. فوجود حكومة أفغانية موالية لباكستان يمنح الأخيرة "عمقاً استراتيجياً"، لا سيما ان مشرف كان ينوي استخدام "طالبان" في كشمير. ولكن إذا به يعكس اتجاهه فيتخلى عن "طالبان"، ويندد بالاعتداء على سرانانغار، ويقيل اثنين من القادة العسكريين لأنهما ينتميان الى المتشددين. وسبب هذا هو الخوف من غضب واشنطن، والطمع في اعادة جدولة ديونه الخارجية، وقولها انها لن تتخلى عن بلاده بعد الانتهاء من قضية أفغانستان. وهو الآن عاجز عن تحمل نتائج دعم "طالبان"، لأنه قد يجني على نفسه. أما الهند فوضعها يدعو الى الشفقة. فعلى عكس اسلام آباد، سارعت نيودلهي الى استنكار اعتداءات 11 أيلول سبتمبر. وأعلن جاسوانت سينغ، دعمه لأميركا قبل ان تطلبه. ولكن توني بلير أجاب بأنه سيعرف في المرحلة اللاحقة بعد الانتهاء من أسامة بن لادن. وهذه سياسة الكيل بمكيالين طبعاً. فالغرب في كفة والبقية في كفة. وتحدثت الصحيفة الثانية، "ذا دون"، عن زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول، فقالت انها تهدف الى الحد من الأضرار في المنطقة. ويقال ان الرئيس الأميركي جورج بوش أراد الانفراد بحربه على الارهاب، من دون استشارة دول المنطقة. ولكنه عدل عن رأيه وقرر انشاء "تحالف متعدد الأطراف" يضم الراغبين في التعاون معه. ولذلك حاولت الجماعات المتشددة في باكستان افساد زيارة باول الذي لم يلق ترحيباً حاراً في الهند. وتبدو الهوة بين باكستانوالهند غير قابلة للردم في الوقت الحالي. فرئيس الوزراء، فاجباييه، لا ينوي البدء بمحادثات سلام مع باكستان، ولم تغير المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس مشرّف في موقفه إلا قليلاً. ومع الأسبوع الثاني للضربات الأميركية على أفغانستان، لا شيء يهم الهند أكثر من قضية كشمير. ومن المؤسف ان تكون الهند بهذه اللامبالاة تجاه آلاف اللاجئين الأفغان المتوجهين الى باكستان. وتبقى نيودلهي مصرة على اعلان باكستان "دولة شريرة" في المجتمع الدولي، لأنها تحتضن الارهاب. وفي ظروف أفضل كانت الهند لتعتمد استراتيجية مشتركة مع جارتها في التعامل مع قضة أفغانستان. ولكنها تشعر انها مغبونة ومنبوذة، بعد ان قدمت مساعدتها لواشنطن. فإذا بها تراها تتحالف مع باكستان وتتجاهلها. ومن الواضح ان السياسة البراغماتية التي تطبقها باكستان في أزمة أفغانستان لا تخلو من المشكلات. فبغض النظر عن الضغوط التي مارستها واشنطن لتعدل باكستان عن مساندة بن لادن و"طالبان"، هناك الذين يدعمون هذه الحركة، داخل باكستان نفسها. هم لا يكترثون للمشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. ومن المؤسف أيضاً أن يرفض الرئيس الأميركي العرض بتسليم بن لادن لدولة حيادية ثالثة، شرط تقديم الدلائل التي تدينه، فواشنطن، برفضها هذا اغلقت الباب أمام امكان التوصل الى حل معقول يريح الأطراف كافة. أما الصحيفة الهندية "ذا كشمير تايمز" فاعتبرت ان الوقت الحالي أفضل الأوقات وأسوأها. وعلى نيودلهي واسلام آباد ان يقتنصا الفرص المتاحة لتقريب وجهات النظر بينهما، وحتى موضوع كشمير الجوهري يجب ألا يعترض طريقهما لأن الرئيس برويز مشرف قال ان البحث في كشمير سيتم "بعد ان يخمد دخان" أفغانستان. ولكن لما كانت الحملة الأميركية قد تستغرق مدة طويلة، والموضوع الارهاب متفرع ومتشعب، ويلامس قضية "طالبان"، فالأفضل تأجيله الى وقت آخر. ويمكن الآن فهم قول رئيسة الوزراء السابقة، بناظير بوتو أن هذه المعضلة لا حل لها، لأن باكستان لن تأخذ كشمير بالقوة، والهند لن تتنازل راضية عنها. ولكن في امكان الدولتين التحاور في نقاط خلاف أخرى، كالتسلح وتقليص عديد القوات المسلحة. وربما استطاع وزير الخارجية الأميركي كولن باول احراز بعض التقدم في هذا المجال في زيارته البلدين. فهو يريد ان يمهد الطريق لحلول آتية، ولكن هل تخشى أميركا رد فعل هندياً غير منتظر؟ لقد أوضح فاجباييه في رسالته الى الرئيس بوش ان صبر بلاده قد نفد. وما زاد الوضع سوءاً هو الاعتداء على سرانانغار. ولكن الرئيس مشرف ندد بالحادث، وأوحى ان الولاياتالمتحدة هي التي دفعته الى هذا الموقف. فهو، في السابق، اعتبر الاعتداءات نوعاً من المقاومة. ولكن أكثر ما تخشى عقباه هو اندلاع حرب داخل الحرب، إذا تجاوزت الاعتداءات خط المراقبة. واستفادت الهند من الوضع لتذكر واشنطن بأنها لم تصغ اليها حين نبهتها الى خطر باكستان على المنطقة. وبات المجتمع الدولي يعرف الآن ان باكستان لعبت دوراً انتهازياً بإنشاء "طالبان"، ثم التخلي عنها. لقد سعّرت وحش "فرانكنشتاين"، وهي الآن تعاني منه.