قبل حوالى أسبوعين كنت في القاهرة للمشاركة في برنامج على قناة أوربت الفضائية أعده الزميل عماد الدين أديب، وأداره بدماثة وحكمة وموضوعية. واشترك في الحوار خمسة "دكاترة" وأنا، وجرى على يومين، بمعدل ثلاث ساعات كل مرة، وفتح باب الاتصال مع المشاهدين في الساعة الأخيرة من اليوم الثاني. جميع الذين اتصلوا أيدوا أسامة بن لادن، وان لم يؤيدوه فهم هاجموا الولاياتالمتحدة. وفي حين ان بضعة عشر اتصالاً فقط وجدت طريقها الى البرنامج، فإن عشرات غيرها لم تبث لضيق الوقت، وكانت كلها من النوع نفسه. ولا يعني هذا الكلام ان العرب والمسلمين كلهم يؤيدون أسامة بن لادن ويعارضون الولاياتالمتحدة، ولكن يعني ان الذين يؤيدون هذا ويعارضون تلك، هم الأنشط والأكثر حماسة لقضيتهم، في مقابل الغالبية الصامتة التقليدية التي بت أشك في أن سبب صمتها انها ماتت سياسياً. منذ ذلك البرنامج، وكل بريد القراء عن الموضوع الذي أتلقاه في لندن يؤيد أسامة بن لادن، وكله يعكس جهلاً أو عناداً يزيد من أسباب قلقي على حالة الشارع العربي. وربما كان القاسم المشترك الآخر بين الرسائل، إضافة الى الجهل والعناد، هو خوف أصحابها من تسجيل اسمائهم بصراحة، فهم يهددون بتدمير العالم، أو قلبه على رأسي، ثم يوقعون بأسماء حركية أو فنية. ومثل أو اثنان عن الموضوع، فطالب جامعي تونسي، حملت رسالته طابع بريد يونانياً، يستنكر ان اتهم بن لادن بالارهاب "رغم غياب الأدلة"، ثم يثير نقطة أثيرة عند المدافعين عنه فهو رجل ثري كان يستطيع ان يعيش حياة بذخ وترف إلا انه "اختار حياة الزهاد وأعطى امواله للفقراء من المسلمين". أولاً، الأدلة على أسامة بن لادن والقاعدة ثابتة، مع انه لم يعترف صراحة، والناطق باسمه هدد بمزيد من العمليات، ما يعني ان العمليات السابقة صدرت عن هذه الجماعة. وثانياً، فكنت أتمنى لو أن أسامة بن لادن عاش حياة بذخ وترف، فهو أهون من قتل الناس الأبرياء، ووضع المسلمين كلهم والإسلام موضع الاتهام بالارهاب. وأقول للقارئ الطالب ان تهديده ان يشعل فيّ النار لا يخيف، وهو لا يجرؤ على تسجيل اسمه. وتلقيت بعد انقطاع رسالة من قارئ عراقي أو قارئة، فهو اعتاد ان يوقع بإمضاء أسماء صدام حسين، أيضاً من دون عنوان صريح، وقد تحدث عن مقالة في "نيوزويك" تحداني أن أشير اليها، مع أنني كتبت عن المقالة المذكورة في حينه، ثم كتبت عنها مرة ثانية في ردي على رسالة قارئ. وأعترض بشدة على قول القارئ ان "جذور الارهاب مصدرها الوهابية" فهو يلتقي هنا مع اسرائيل وأنصارها، وجذور الارهاب مصدرها اسرائيل وحدها، فارهابها أطلق كل ارهاب آخر. أما الوهابية فحركة اصلاحية دينية ضمن المذهب الحنبلي، ولا أفهم كيف يبلغ الغضب، أو الجهل، بقارئ عربي مسلم أن يردد أكاذيب صهيونية. أفضل مما سبق رسالة من الأخ أمين يسري، من القاهرة، وهو سفير سابق، أوافقه على أكثرها، ولكن أسجل هنا نقطة أو اثنتين للمناقشة، فالقارئ يقول انه عندما ترشح آرييل شارون لم يلق رفضاً من الأنظمة العربية، وعندما فاز بغالبية كبيرة وجدت الأنظمة العربية ان من الحصافة السياسية ان "نعطيه فرصة". أقول انه ليس من صلاحية الدول العربية ان تقبل أو ترفض ترشيح شارون، كما ان الوضع سواء أعطي فرصة أو لم يعطها، لأن شارون ترشح في اسرائيل وفاز، وهو من وجدت الدول العربية أمامها رئيساً لوزراء اسرائيل. بعد هذا اتفق تماماً مع الأخ أمين يسري انه اذا ذهب شارون فسيخلفه مجرم حرب آخر مثل بنيامين نتانياهو، أو رئيس الأركان شاؤول موفاز. وتلقيت رسالتين طويلتين بالانكليزية، سأرد عليهما في شكل مباشر، وباختصار شديد هنا. القارئ كامل، وهو سوري يعيش في كندا منذ 14 سنة، يقول ان ما أكتب عن الإعلام الغربي مفيد في تثقيف القارئ العربي، ولكن الجهد الأهم يجب ان يكون في مخاطبة الغرب لمواجهة آلة الإعلام الإسرائيلي التي توقع أكبر الضرر. وهو كلام صحيح مئة في المئة، إلا ان تنفيذه صعب، و"الحياة" تحاول ونحن الآن نقوم بتجارب لبث أقسام أساسية من الجريدة على الانترنت بالانكليزية. اما القارئ صالح علي شير، فقد بعث اليّ برسالة بالانكليزية من هولندا، تحدث فيها عن حاجة العالم العربي الى التحديث والحرية والديموقراطية ودور المثقفين في طلب ذلك. ومرة أخرى، فالكلام صحيح مئة في المئة، الا ان تحقيقه صعب الى مستحيل في عالمنا العربي الذي بدأ نامياً وانتهى نائماً. واختتم بنقطة مهمة ترددت في رسائل عدة، بما فيها رسالة القارئ السوري في كندا، والأخ عبدالوارث مصطفى الاسم الأخير غير واضح من الرياض وآخرين. كنت قلت ان القرآن الكريم جاء "في ضوء التاريخ"، وهي عبارة تعلمتها في الجامعة الأميركية في بيروت، في حين ان العهد القديم من التوراة سجل بعد 500 سنة وأحياناً ألف سنة من وقوع أحداثه، والعهد الجديد بعد 50 سنة الى مئة سنة من أحداثه. وأريد أن أكرر ان هذا الكلام تاريخ لا دين، واتفق مع القراء جميعاً على ضرورة احترام جميع الأديان، وعدم الوقوع في فخ اذكاء النعرات، خصوصاً مع وجود ارهابيين لا يعرفون الفرق بين أهل الكتاب والكفار. وبالنسبة الى الأخ عبدالوارث فالقرآن الكريم يقول "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم"، وهذا ما يؤمن به المسلمون. غير انني كنت زدت بعد الحملة الصهيونية على الرئيس بشار الأسد ان الطوائف المسيحية بقيت قروناً تلعن اليهود لقتل المسيح، ثم توقفت الطوائف الغربية قبل سنوات فقط عن لعنهم، تحت الضغط بحجة ان اليهود على مدى الأجيال لا يمكن ان يحملوا مسؤولية جيل واحد. غير ان الكنائس الشرقية لا تزال تحمل اليهود مسؤولية قتل المسيح. وهذا كله جزء من تاريخ الكنائس المسيحية، وهو تاريخ خاص بها، ولا خلاف على تفاصيله التاريخية، ولا علاقة له بالدين الحنيف.