يبحث حلف شمال الأطلسي في مقره في بروكسيل اليوم، بناء على طلب الكثير من دوله، تداعيات استخدام اليورانيوم المستنفد في الغارات الجوية على البوسنة 1994 - 1995 ويوغوسلافيا 1999، وذلك في إطار الجدل المتصاعد حول علاقة الإشعاعات الناتجة عن تلك القذائف بأمراض سرطان الدم التي أصابت عدداً من الجنود الأوروبيين الذين شاركوا في الحربين. وجاءت إجراءات الحلف الأطلسي في متابعة المشكلة الأوروبية القائمة حول مخاطر اليورانيوم المستنفد في منطقة البلقان، إثر تسجيل ما لا يقل عن 18 حال وفاة بسبب سرطان الدم والإصابات المتزايدة بالمرض نفسه بين جنود عدد من دول الحلف، بينها ايطاليا وبلجيكا والبرتغال واليونان وألمانيا وفرنسا، واتساع المخاوف في شأن ذلك والتي قد تؤدي الى إقدام الدول على سحب أو تخفيف مشاركتها في قوات حفظ السلام في البلقان. ويتوقع أن تسيطر التساؤلات في شأن "عوارض مرض البلقان" على مدى الثقة بالولايات المتحدة التي تقود التحالف الغربي، بعدما أخفت واشنطن عن دول الحلف وجود اليورانيوم في قذائفها، ولم تكشف ذلك كي يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة من قبل الدول التي أرسلت جنودها الى منطقة البلقان. ويعتقد المراقبون ان ازمة الثقة داخل الحلف "الأطلسي" والتي اعتبرتها وسائل اعلام اوروبية ناجمة عن "الحماقة الأميركية"، ستؤدي الى التعجيل في الدعوة لخروج أوروبا من تحت المظلة الأميركية، والإسراع في تشكيل القوة العسكرية الأوروبية المستقلة للحفاظ على الأمن الأوروبي. كما يتوقع أن تهيمن مشكلة اليورانيوم المستنفد في البلقان، على الاجتماع الأول للاتحاد الأوروبي في العام الجديد، والذي يعقد في ستوكهولم خلال الرئاسة السويدية الحالية للاتحاد، ويتوقع أن تتخذ المفوضية الأوروبية مبادرات في شأن هذه القضية. وإثر تصاعد موجة الاستياء في أوروبا واشتداد حملة وسائل الإعلام على استخدام اليورانيوم في القذائف الأميركية في حروب البلقان، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بإلقاء 31 ألف قنبلة على يوغوسلافيا و10 آلاف قنبلة قبل ذلك على البوسنة، احتوت على اليورانيوم المستنفد. وسادت موجة رعب منطقة البلقان، ونقلت الصحف الصادرة في ساراييفو عن مصادر المستشفيات البوسنية، ارتفاع عدد الإصابات بسرطان الدم في مناطق شمال شرقي البوسنة التي ألقيت عليها غالبية القنابل الأميركية اثناء السنتين الأخيرتين من الحرب البوسنية. وأفاد اخصائيون بالأمراض السرطانية ان ازدياد الإصابات في البوسنة حالياً يعود الى ان اليورانيوم المخفف يحتاج الى فترة ما بين 3 و5 سنوات ليظهر مفعوله المرضي، وهي المدة التي مرت على إلقاء القنابل في البوسنة. وفي صربيا، اعلنت المعاهد المتخصصة بشؤون البيئة والأمراض السرطانية، القيام بمسح شامل للمناطق التي شهدت قصفاً كثيفاً خلال الغارات الجوية على يوغوسلافيا ما بين آذار مارس وحزيران يونيو 1999. وباشرت القوات الدولية ومنظمات صحية، إجراء اختبارات في كوسوفو لقياس مستوى التلوث الإشعاعي، خصوصاً في مناطق يعتقد انها اكثر تضرراً بسبب القذائف الكثيرة التي سقطت عليها خلال القصف الأطلسي. وتتسع المخاوف بين ألبان كوسوفو، من أن تؤدي المشكلة القائمة حول إصابات الجنود الدوليين بسرطان الدم، الى مراجعة الكثير من الدول الأوروبية لوجودها العسكري في كوسوفو. ولم تستبعد صحيفة "كوخا ديتوري" الصادرة في بريشتينا ان يكون لتعاطف عدد من الدول الأوروبية مع الوضع الجديد في بلغراد، خصوصاً اليونان وإيطاليا وفرنسا، "مخططات لإضعاف الوجود الدولي في كوسوفو، من أجل توفير المبررات لتحقيق المطلب الصربي بعودة وحدات من الجيش اليوغوسلافي والشرطة الصربية الى الإقليم". وفي مقدونيا، هرع العشرات من السكان الذين عملوا في المناطق القريبة من الحدود مع كوسوفو وصربيا اثناء الغارات الجوية، الى مراكز فحص الدم والرئة والكلية في العاصمة سكوبيا. وأفاد الكسندر ساشا، الذي راجع مركزاً للفحص من آثار اليورانيوم "الحياة" انه عمل في المنطقة الحدودية لمقدونيا مع كوسوفو، نحو أربعة أشهر اثناء القصف وبعده "وكان الهواء في المنطقة مشبعاً بمواد ذات روائح حامضية".