سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يشغل الرأي العام في يوغسلافيا السابقة... و"ليبراسيون" تؤكد أن أميركا استخدمته في العراق بينما تكشف لندن فصلاً غامضاً . "اليورانيوم المنضب": اتهامات فلسطينية ودولية لاسرائيل واحتمالات فتح تحقيق
عندما اتهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في تصريحات مقتضبة للصحافيين، اسرائيل باستخدام مادة اليوارنيوم المنضّب في حربها على الانتفاضة، خرجت الصحف الاسرائيلية في اليوم التالي تسخر منه وتتهمه ب"الهذيان". وشنت حملة تحريض واسعة ضد النائب العربي في الكنيست عصام مخول لأنه نقل ما حصل عليه من معلومات بهذا الشأن من مؤسسة اميركية بيئية. واليوم، وبعد مرور ثلاثة اسابيع على هذه التصريحات، وفي ظل فضيحة قوات الحلف الاطلسي الناتو في كوسوفو، اعترف الجيش الاسرائيلي وللمرة الأولى بأنه يستخدم قذائف مغلفة بهذه المادة التي تسبب الاصابة بالسرطان منذ سنوات. ولم تكن المخاطر التي يمكن ان يلحقها اليوارنيوم المنضّب بالضحية سبب الاعتراف، بل تصاعد المخاوف في صفوف الجنود الذين علموا انهم يستخدمون هذه المادة لكنهم جهلوا تأثيرها عليهم شخصيا. وكشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية بناءً على افادات ضباط كبار وجنود في سلاح البحرية الاسرائيلية، ان الجيش استخدم هذه القذائف في اطار شبكة الاسلحة الاميركية "فولكن فالانكس" المركبة على متن السفن الصاروخية ومدافع "فولكن" بقطر 20 ملم. واشار المصدر ذاته الى ان المرة الاولى التي استخدم فيها سلاح البحرية هذا السلاح كانت إبان نشاطات تنفيذية تعود الى نيسان ابريل 1985. وكان الهدف يومها سفينة حملت فلسطينيين على بعد نحو 160 كم من شاطئ تل ابيب واستُخدمت صواريخ اليوارنيون لاغراقها. وأكد النائب مخول من "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" أنه تقدم باستجواب لوزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك يطالبه بالرد على سؤال عن حقيقة استخدام الجيش الاسرائيلي اليورانيوم المنضب وما اذا كانت اسرائيل تصنع مثل هذه الاسلحة وما اذا كانت استخدمتها منذ الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان. واضاف في تصريح خاص ل"الحياة" انه سيطالب، فيما لو امتنع باراك عن الرد، باجراء تحقيق رسمي في القضية من خلال عرضها على لجنة الداخلية والبيئة التابعة للكنيست التي يشارك في عضويتها. وفي تقرير حصلت "الحياة" على نسخة منه، اتهم "مشروع اليوانيوم المنضب" التابع للمركز العالمي اسرائيلَ باستخدام هذه المادة المحرمة دوليا في الرصاص المعروف ب"دمدم" وفي قنابل الغاز التي كثيراً ما تستعمله قواتها ضد الفلسطينيين. واشار التقرير الذي اعده جون كاتالينوتو وساره فلوندرز، الى اعتقاد راسخ بأن الدبابات الاميركية من نوع م1 أبرامس التي يستخدمها جيش الاحتلال، تطلق قذائف مغلفة بمادة اليورانيوم المنضب دي يو. وكذلك الامر مع المروحيات من نوع كوبرا وأباشي التي استخدمتها اسرائيل في قصف المؤسسات الفلسطينية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. واوضح ان طاقم التحقيق التابع للمركز خلال زيارته الاراضي الفلسطينية، رصد عمليات القصف التي استهدفت مدينة رام الله في الاول من تشرين الثاني، وكذلك مقارّ حركة فتح في المدينة. وشاهد افراد الطاقم الاسلحة الرشاشة الاسرائيلية وهي تقصف مجموعات الشبان الفلسطينيين في المدينة ذاتها ردا على رشقهم الجنود بالحجارة. وجمع افراد الطاقم اجزاء من القذائف لفحصها في المختبرات المناسبة، الا ان سلطات المطار الاسرائيلي صادرت المواد كما تم استجوابهم مطولا قبل السماح لهم بالمغادرة. وبدوره اوضح مخول الذي نقل فحوى التقرير الى الرئىس عرفات، ان المعلومات الواردة من الجانب الفلسطيني تفيد ان الرصاص الذي يستخدمه الجيش الاسرائيلي في قصفه المواقع الفلسطينية من عياري 500 و 800 المستخدمين في الاسلحة الرشاشة يحتوي على مادة اليورانيوم المنضب، وان تقارير لمؤسسات اميركية تعنى بحقوق الانسان والبيئة اتهمت الدولة العبرية باستخدام هذا السلاح في قمعها للانتفاضة، بما في ذلك القذائف التي اطلقتها المدفعية والدبابات والمروحيات العسكرية ضد مناطق سكنية ومواطنين فلسطينيين. كذلك كشف النقاب عن محاولات يقوم بها شخصياً مع مؤسسات تعنى بالبيئة في العالم، لضمان فحص عيّنات من هذا الرصاص في الخارج وذلك للاحاطة بجميع التفاصيل المتعلقة به. كما طالب لجنة التحقيق الدولية التي تم تشكيلها بعد اندلاع الانتفاضة بالتحقيق في الشبهات الخاصة بهذا الموضوع. واعتبر مخول الكشف الاسرائيلي عن استخدام اليورانيوم "خطوة مهمة جدا يجب استغلالها الى ابعد حد". وأنها "تفتح الباب للمطالبة باجراء تحقيق دولي وتحميل اسرائيل المسؤولية عن جريمة حرب ترتكبها بما في ذلك ملامح الابادة للشعب الفلسطيني". من ناحية أخرى، لا تزال قضية "مرض البلقان" تشغل الرأي العام في بلدان يوغوسلافيا السابقة وجوارها. وهو ما تصرّ بلغراد على انه ناتج عن قذائف أميركية مغلفة باليورانيوم ألقيت على البوسنة في 1994 - 1995 وعلى يوغوسلافيا نفسها في 1999. وقد ركزت وسائل الإعلام على آراء الخبراء المحليين والأزمة الدولية المتصاعدة، خصوصاً ان جنوداً أوروبيين انضموا الى المصابين بالمرض. وحسب المعلومات التي أصدرها الجيش اليوغوسلافي فإن 51 ألف قذيفة متنوعة مغلفة بمادة اليورانيوم المنضّب، ألقيت على يوغوسلافيا خلال 77 يوماً من الغارات الجوية. وأن عددها تباين بين منطقة وأخرى. لكنْ في تسع مناطق متفرقة في صربيا والجبل الأسود ألقيت 30 ألف قذيفة سقط بعضها على مواقع حول بلغراد ووسط صربيا وجنوبها، بينما كان نصيب غرب اقليم كوسوفو وجنوبه حوالي 14 ألف قذيفة. وأكد الجيش اليوغوسلافي حصول وفيات واصابات بأمراض سرطانية وغيرها بين العسكريين من جنود وشرطة، وهي وفيات واصابات يمكن أن تحدثها اشعاعات القنابل التي ألقيت في الغارات الأطلسية. لكن الجيش لم يحدد العدو "لأسباب أمنية في الوقت الحاضر وسيتم الاعلان عن التفاصيل مستقبلا". والى ذلك، أفاد الدكتور سلوبودان جيكاريتش من معهد أبحاث السرطان في بلغراد، انه تم تسجيل 300 اصابة بسرطان الدم لوكيميا في صربيا من دون كوسوفو خلال السنتين الأخيرتين، غالبيتها في المناطق التي تعرضت لقصف مكثف. وتوقع ان يصل عدد الاصابات الى 100 ألف خلال السنوات العشر المقبلة "لأن تأثير هذا النوع من اليورانيوم يحتاج الى خمس سنوات ليظهر مفعوله المرضي بوضوح". وأشار جيكاريتش الى حدوث اصابات بالمرض نفسه بين سكان كوسوفو "لكن لا تتوفر معلومات دقيقة عن عددها بسبب انقطاع صلة معهد السرطان في بلغراد بالاقليم". وأكد أن على الجهات الدولية المختصة اجراء مسح عام في البلقان لتحديد الوضع الناجم والتثبت من حجم الكارثة "خصوصاً ان دول المنطقة لا تملك الخبرة والامكانات اللازمة لذلك". ونقلت صحيفة "بوليتيكا" شبه الرسمية الصادرة في بلغراد امس عن الخبير اليوغوسلافي الدكتور سيمون جيرمات، انه أجرى تحاليل لمساحة 150 كيلومتراً من نهر الدانوب، في مناطق متفرقة، فوجد فيها تلوثاً باليورانيوم ومواد أخرى، أبرزها في منطقة "بانتشيفو" شمال بلغراد التي شهدت قصفاً مركزاً على مصنع البيتروكيماويات. وأضاف انه رصد وجود حموضة في الأمطار التي تلحق ضرراً بالانسان والحيوان. وفي كوسوفو، كان خبراء دوليون أشاروا الصيف الماضي الى وجود تلوث بيئي يزيد ثلاثة آلاف ضعف عن المعدل العادي. لكنهم قالوا انه ناتج عن المنشآت الصناعية شمال مدينة ميتروفيتسا شمال غربي الاقليم ومناطق أخرى "بسبب انعدام الصيانة اللازمة لها". وقد قرر المسؤولون الدوليون في حينه وقف مصانع ميتروفيتسا عن العمل. وذكرت تقارير حصول اصابات في أماكن متفرقة من كوسوفو بمرض سرطان الدم، خصوصاً في منطقتي بريزرين واوروشيفاتس الجنوبيتين. وفي مقدونيا، عقد وزير الداخلية السابق وقت الغارات الجوية الأطلسية بافلي ترايانوف مؤتمراً صحافياً في سكوبيا، دعا فيه الى اجراء فحص وتحليل عام للبيئة والسكان في انحاء مقدونيا لمعرفة ضرر الاشعاعات الناتجة عن القنابل التي ألقيت على المناطق القريبة من الحدود المقدونية في كوسوفو وصربيا. وأكد ترايانوف ان لديه معلومات عن عربات للحلف الأطلسي نقلت كميات كبيرة من المواد العسكرية الى بلاده وعبرها "مما قد يكون مضراً بالصحة والبيئة". وفي البوسنة، تحدثت مصادر المستشفيات في ساراييفو عن حصول ارتفاع في نسبة الاصابات بسرطان الدم في السنتين الأخيرتين، خصوصاً في مناطق شمال شرقي البوسنة التي ألقي عليها حوالي 10 آلاف قذيفة أميركية. وفي كرواتيا، دعا رئيس الحكومة ايفيتسا راتشان الى فحص مياه البحر الادرياتيكي التي ألقت الطائرات الأطلسية مئات القنابل فيها، للتخلص منها خلال عودتها الى قواعدها في ايطاليا. وبدورها اتهمت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية كبار المسؤولين العسكريين الاميركيين ومعهم وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، بالكذب. وقصدت الصحيفة باتهامها ان تردّ على توكيدهم ان الذخائر المصنوعة من اليورانيوم والمستخدمة من قبل القوات الاميركية لا تنطوي على اي خطر صحي. وان لا علاقة لهذه الذخائر بالاصابات السرطانية التي المّت بحوالي 50 جندياً اميركيا خدموا في البوسنة وكوسوفو، وقبل ذلك في حرب الخليج. واشارت الصحيفة الى ان خطورة هذه الذخائر لم تُحمل على محمل الجدّ الا بعدما غدت موضع ادانة من قبل مستخدميها، اي العسكريين انفسهم الذين خبروها في الخليج ثم في البلقان. واضافت "ليبراسيون" ان تحذيرات عدة اطلقت قبل سنوات عدة في ما يخص المدنيين العراقيين وخلال القصف الذي استهدف صربيا وكوسوفو. لكن التحذيرات خفتت بسبب التكذيب المتكرر الذي صدر عن وزارة الدفاع الاميركية، كما بسبب حملات الاستغلال الدعائية المبالغ فيها لأنصار الرئيسين العراقي صدام حسين واليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش. وفي حملتها اشارت الصحيفة الفرنسية الى ان الجيش الاميركي عمل على استخدام هذا المعدن في نهاية الستينات، تحسبا لمواجهة مع الدبابات الروسية على القارة الاوروبية. لكن الذخائر، بحسب "لبيبراسيون"، استخدمت فعلياً للمرة الأولى ضد العراق عام 1991، حيث القي منها 940 الف قذيفة بواسطة الطائرات و14 بواسطة الدبابات، ما يعني ان المادة الملقاة من ذاك اليورانيوم على العراق والكويت في حدود 300 طن. وما يضيف بعض الحرارة الى النقاش ما أُعلن في بريطانيا. فرغم انكار المسؤولين البريطانيين كل ما تردد، تبين ان تحذيراً ورد الى الحكومة بهذا المعنى يعود الى 1991. وقد صدر التحذير عن شركة AEA للتكنولوجيا، وهو الاسم التجاري لهيئة الطاقة النووية البريطانية. وجاء هذا في وثيقة أُرسلت الى "المعدات الحربية الملكية"، وهي الشركة التي تصنع ذخائر اليورانيوم لوزارة الدفاع. وتفترض الوثيقة ان نصف مليون قتيل كان يمكن ان يسقطوا في ما لو استخدمت الدبابات هذه الذخائر كلها في حرب الخليج.