} أخفقت رئيسة هيئة الإدعاء العام لمحكمة جرائم الحرب في مناطق يوغوسلافيا السابقة كارلا ديل بونتي في تغيير موقف الرئيس اليوغوسلافي الرافض لتسليم سلفه المخلوع سلوبودان ميلوشيفيتش ومتهمين آخرين الى المحكمة، وانسحبت من الاجتماع معه مساء أول من أمس وغادرت القصر الرئاسي على عجل غاضبة ومن دون التحدث مع الصحافيين، فيما توقع المراقبون حصول أزمة بين الطرفين قد تتطلب لجوء المحكمة الى مجلس الأمن. أصدر مكتب الرئيس اليوغوسلافي فويسلاف كوشتونيتسا أمس بياناً ذكر فيه ان اجتماع الرئيس مع كارلا ديل بونتي، تخلله طرح وجهتي نظرهما المتعارضتين حول اطار التعاون الذي ينبغي اعتماده بين بلغراد ومحكمة جرائم الحرب. وأوضح البيان ان المدعية العامة "لا ترى حاجة الى ابرام اتفاق رسمي خاص بين الجانبين في شأن شكل التعاون، في حين أكد الرئيس على وجوب أن يكون ذلك منسجماً مع قوانين البلاد التي تمنع تسليم المواطنين اليوغوسلاف الى جهات أجنبية لمحاكمتهم". وأضاف البيان، ان كوشتونيتسا أبدى اعتراضات على طريقة عمل المحكمة واعدادها لوائح اتهامات سرية، واعتبر انها "ذات طابع سياسي منحاز ضد الصرب". وأشار المكتب الى ان كوشتونيتسا عرض على ديل بونتي، لائحة شكاوى في شأن محكمة لاهاي "تهدف إلى بدء عصر جديد من التعاون بين الجانبين، بعيداً عن تسييس عمل المحكمة، حتى يتم التعامل مع كل الأطراف بعدالة متساوية". وانتقد الرئيس المحكمة التي تعمدت ان يكون معظم المتهمين من الصرب، وحذر من ان ذلك "قد يعطي انطباعاً بارتكابهم ذنباً جماعياً". وأضاف البيان ان كوشتونيتسا "أعرب عن رفض غالبية الصرب للتصور الخطير الراسخ لدى الغرب بأن الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش يتحمل والقوات الصربية الجزء الأكبر من اللوم في شأن المجزرة التي شهدها البلقان على مدى عقد كامل". وازاء رفض كارلا ديل بونتي التحدث مع الصحافيين الذين ظلوا يلاحقونها وعددهم حوالى 190 أجنبياً ومحلياً، رضخت الناطقة باسمها فلورنس هارتمان لإلحاحهم في فندق "حياة" ببلغراد الذي ينزل فيه وفد المحكمة. وقالت هارتمان باللغتين الانكليزية والصربية التي تجيدها ان أجواء المحادثات بين المدعية العامة والرئيس اليوغوسلافي "كانت ساخنة". وأضافت ان كارلا ديل بونتي لم تسلم إلى كوشتونيتسا لوائح الاتهامات "لأن الرئيس اليوغوسلافي أبلغها أنه ليس الشخص المختص باستلام مثل هذه الأمور، وينبغي ان تقدمها الى المسؤولين الحكوميين المعنيين بها". وقالت هارتمان: "جئنا لنرى ما اذا كانت يوغوسلافيا ستبدأ التعاون مع المحكمة الدولية". ودعت الصحافيين الى عدم ملاحقة ديل بونتي "لأنها لن تدلي بأية تصريحات، حتى تنتهي الزيارة الخميس اليوم وتعقد مؤتمراً صحافياً تتحدث فيه بصراحة ووضوح عن نتائج اتصالاتها" وذلك مع استعدادها للمغادرة. واعتبر المراقبون في بلغراد ان الانتقادات الحادة التي ابداها كوشتونيتسا للمحكمة، أعطت انطباعاً ان من المستحيل توقع اقدامه على تسليم ميلوشيفيتش، وأن محادثاتهما كانت شبيهة ب"حوار الطرشان". ويسود الاعتقاد ان ديل بونتي ستلجأ الى مجلس الأمن لمساعدتها في مشاكلها مع الرئاسة اليوغوسلافية، لكنه لا يتوقعه ان توافق روسيا والصين على أي قرار يتجاوز الطلبات السابقة من بلغراد التي تدعو الى التعاون مع المحكمة، كما جاء في اتفاق "دايتون"، وهو ما لا ترفضه بلغراد أصلاً ولكنها تفسر ان التعاون لا يعني تنفيذ مطالب المحكمة التي تتعارض مع قوانين البلاد، ما سيجعل الجدل مستمراً من دون حل حاسم. الى ذلك، نقلت صحيفة "بوليتيكا" شبه الرسمية الصادرة في بلغراد أمس عن مصادرها الخاصة في واشنطن، ان الرئيس الأميركي جورج بوش، ليس مهتماً كما كانت حال سلفه بيل كلينتون، بطلبات محكمة لاهاي "سواء في شأن مثول المتهمين أو توفير نفقاتها التي تتجاوز المئة مليون دولار سنوياً". وتشمل لائحة الذين اتهمتهم المحكمة بارتكاب جرائم حرب وتطلب من بلغراد اعتقالهم وتسليمهم كلاً من الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش ورئيس جمهورية صربيا الحالي ميلان ميلوتينوفيتش ونائب رئيس الوزراء اليوغوسلافي السابق نيكولا شائينوفيتش، اضافة الى عدد آخر من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في عهد ميلوشيفيتش. كما تطالب ديل بونتي بتسليمها القائد السابق لجيش صرب البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش الموجود في بلغراد ورئيس صرب البوسنة السابق رادوفان كاراجيتش الذي يرجح اختباؤه في صربيا، وكلاهما يحمل الجنسية اليوغوسلافية ويحمل ملاديتش جنسية صربية علماً أنه مولود في البوسنة وانتقل الى بلغراد منذ عهد يوغوسلافيا السابقة، فيما يحمل كاراجيتش جنسية الجبل الأسود حيث مسقط رأسه، علماً انه أقام في البوسنة منذ دراسته في كلية الطب في ساراييفو. وكانت محكمة لاهاي اسقطت مطالبتها بتسليم جيليكو راجناتوفيتش اركان الذي كان مدرجاً اسمه على لوائحها السرية، بسبب تأكد وفاته لكن مصادر المحكمة لمحت إلى ان اللوائح تضم عدداً من المقربين الى "اركان" الذين يتزعمون حالياً حزبه "الوحدة الصربية" الذي فاز ب14 مقعداً في البرلمان الصربي الجديد. وساد الوسط السياسي في بلغراد انقسام حاد، بين موافق على تنفيذ طلبات محكمة لاهاي وبين رافض له بشدة. وأصدر الحزب الاشتراكي الصربي الذي يرأسه ميلوشيفيتش بياناً احتج فيه على زيارة ديل بونتي ودعا الصرب الى رفع أصواتهم ضد المحكمة ومؤيديها داخل يوغوسلافيا. ووصف البيان تسليم أي مواطن الى المحكمة الدولية بأنه يتعارض مع المصالح الصربية. كما دان "الحزب الراديكالي الصربي" زيارة كارلا ديل بونتي التي "تنفذ حقد الأميركيين وغيرهم من المعتدين الغربيين على الصرب".