عشية الاستعدادات الجادة للانتخابات البرلمانية في مصر، بدأ "المحترفون" استعداداتهم لابتزاز الحكومة والمرشحين. ويعمد هؤلاء الذين يطلق عليهم لقب "المتربحين" إلى مساومة المرشحين للحصول على مبالغ من المال، في مقابل التنازل عن ترشيح أنفسهم، أو الاستعانة بنفوذهم في تحقيق نفع شخصي، أو الاستفادة من ثغرات القانون لإقامة الدعاوى القضائية والاستفادة من التعويضات المالية. وربما تفسر هذه الظاهرة، كثرة أعداد المترشحين للانتخابات. إذ يزيد العدد أحياناً عن 8 آلاف، في حين يبلغ عدد مقاعد البرلمان 444 مقعداً. وتسجل أرقام الانتخابات السابقة أن أعداد مرشحي الأحزاب 15 حزباً والمستقلين الجادين لم تتجاوز 1500 مرشح. ومن أبرز ما شهدته الانتخابات الماضية أن مسؤولاً كبيراً عيّن شاباً في مؤسسة صحافية ليتنازل عن ترشيح نفسه في مواجهته. وفاز المسؤول، وهو من الحزب الوطني الحاكم بمقعده بالتزكية في دائرته الوحيدة في كل مصر التي لم تشهد تنافساً. ويتسبب "المتربحون" أحياناً، في الاساءة إلى سمعة الانتخابات، إذ يلجأون إلى الثغرات القانونية، وهي كثيرة، للطعن في النتائج. وغالباً ما يحصلون على أحكام قضائية بإبطالها. ولا يلتزم البرلمان تنفيذها لأسباب دستورية وقانونية، فيحصل "الطاعنون"، في المقابل، على تعويضات مالية ضخمة من الحكومة، تحت بند ما يسميه القانون "استعواض الحق الضائع". وتتعدى إساءات "المتربحين" الى الاضرار بأكثر القضايا جدية في مصر، وهي ضمانات نزاهة الانتخابات. إذ يستغل هؤلاء ثغرات في إلزام الناخب بالتوقيع في كشوف الناخبين بعد الإدلاء بصوته. وربما كان هذا السلوك وراء العدد الكبير من الطعون التي تجاوز عددها في الانتخابات الأخيرة الألف دعوى. وأسفرت التحقيقات فيها، عن إبطال نتائج نحو ثلث الدوائر، وحصل "الطاعنون" على تعويضات مالية كبيرة من الحكومة، بعدما رفض البرلمان الذي يمنحه الدستور حق تثبيت عضوية النواب تنفيذ الأحكام الصادرة ضد النواب المنتخبين. وتأمل الحكومة المصرية بأن تؤدي التعديلات القانونية التي تمت أخيراً، بإشراف القضاء على كل مراكز الاقتراع الفرعية بدل الموظفين العموميين، ورفع رسم الاشتراك في الانتخابات إلى ألفي جنيه، في وضع حد لظاهرة الطعون المتفاقمة على النتائج، وتقليلها، بما لا يؤدي إلى تحميل الإدارات الرسمية غرامات مالية باهظة، وفي الوقت ذاته يقلص من الدعايات السياسية المضادة لنزاهة الانتخابات، والتي تسبب حرجاً بالغاً للحكومة.