طالعتنا صحيفة "الحياة" الغراء في عددها 13647 ليوم 23 تموز يوليو بحوار مع الضابط العراقي العميد نجيب الصالحي في خصوص مجموعة قضايا تخص العراق ونظامه الحاكم، وارتأينا أن نضع قرّاء الصحيفة أمام بعض الحقائق التي أسدل عليها الضابط ستاراً غليظاً، مختفياً تحت تصريحاته "النارية" لمواجهة النظام الحاكم في بغداد، ومضيفاً نفسه الى خانة المعارضة العراقية بكل سهولة. إن هذا الرجل خدم صداماً في قواته المسلحة أكثر من عشرين سنة، مشاركاً بحماس في الحرب العراقية - الإيرانية، وبنفس الدرجة من الحماس في غزو دولة الكويت الشقيقة بمدرعاته العسكرية. والأنكى من ذلك إنه وجه فوهة مدرعته الى أبناء العراق أيام الانتفاضة الشعبية عام 1991، يوم كان يقمع العراقيين في مدينة البصرة كما اعترف بذلك في إحدى مداخلاته لقناة "الجزيرة" في برنامج "الاتجاه المعاكس" قبل خمسة أشهر. وكل هذه السنين التي قضاها في الجيش لم يرف له جفن وهو يرى بأم عينيه جرائم ذلك النظام، ليس في الحربين المدمرتين فحسب بل منذ تسلقه السلطة عام 1968. فالصالحي بعثي كبير لم يرتق الى هذه الرتبة في الجيش والحزب إلا ب"بطولته" في القادسية وأم المعارك اللتين جلبتا الويل والثبور على العراق والمنطقة معاً. وإن عبارته في الحوار: "أصبح من يدافع عن صدام وهذه الجرائم كأنه يدافع عن الرذيلة" لعجيبة جداً، وهو الذي دافع عن "الرذيلة" قولاً وفعلاً حتى عام خروجه المشبوه من العراق عام 1995. وحين يؤكد "كقائد معارض" على أن جريمة الابتزاز الأخلاقي "سمعنا بها للمرة الأولى في السبعينات"، وأنّ هذه الجريمة "حصلت مع ضابط بعثي كبير"، أليس من حق الشعب العراقي أن يسأله: أين كانت نخوته العربية في السبعينات؟ وأين كانت شيمته العسكرية؟ ومن القباحة والوقاحة أن ينتبه ضمير الإنسان حين يحترق بيته، وقد كان في غفوة هادئة حالمة يوم كانت النيران تلتهم بيوت جيرانه وأبناء وطنه. فالصالحي يتمنى "لو أن هذه العمليات التي حصلت قبل 20 عاماً مثلاً كشف عنها حينها لما استمرت ولما تجرّأ النظام على تكرارها"، بعد أن سقط بنفسه ضحية ذلك النظام الذي لم يأل جهداً في إطاعته وخدمته. لقد انتهك النظام بواسطة الصالحي وأضرابه، أعراض العراقيين منذ ثلاثين عاماً، والإيرانيين خلال ثمانية أعوام من الحرب المدمرة، والكويتيين في الغزو الغاشم، وأذاقهم ألوان العذاب وانتهاك الكرامات والحرمات متطاولاً على كل القيم والمبادئ الإنسانية. ولا بد أن الصالحي كان شريكاً في جزء من تلك الجرائم، ورتبته العسكرية والحزبية فرضت عليه ذلك .... وجرت عمليات الإعدام الجماعية والعشوائية في البصرة أمام عينيه، ولا يستبعد أن يكون مشاركاً في قراراتها أو تنفيذها. لقد أراد الصالحي أن يخفي عن الشعب العراقي جرائمه التي ارتكبها بحقه والتي أوصلته الى رتبة رئيس اركان الفرقة المدرعة السادسة. وهذا المنصب ليس بالسهولة ارتقاء سلمه إلا بالولاء غير المحدود لصدام، ودعم ذلك الولاء باقتراف الجرائم، وتنفيذ كل ما يصدر من النظام بالسمع والطاعة في سبيل إثبات حسن السلوك. بل إن خروجه من العراق مورد شك وريب. فهو خرج مع عائلته الى عمان بجواز رسمي. ومعروف أن لا أحد بوسعه الخروج من العراق إلا بموافقة وتزكية مديريات الأمن والمخابرات ... فإن من هوان الدنيا على المعارضة العراقية أن ينطق باسمها من كان خادماً مطيعاً لصدام حتى عام 1995، داعياً القادة العسكريين والشعب العراقي الى إحداث التغيير، وإسقاط النظام الذي ارسى الصالحي دعائمه بفضل جهوده في الجيش .... إن الحوار الذي أجرته صحيفة "الحياة" مع الصالحي يذكرنا بالمؤتمر الصحافي الذي عقده حسين كامل، صهر صدام في العاصمة الأردنية، وأعلن نفسه فيه معارضاً للنظام الذي كان أحد أبرز أركانه الإجرامية، منّى الشعب العراقي بإسقاط صدام... دمشق - منذر الياسر