ما زال الاقتصاد الجديد قضية غير واضحة المعالم في معظم الدول العربية، فالأمية في قطاع الكومبيوتر تبقى واسعة الانتشار على رغم النمو الحاصل في استخدام الانترنت، الا ان نسبة ضئيلة فقط لا تتعدى 0.7 في المئة من اجمالي سكان المنطقة العربية 1.9 مليون من أصل 275 مليون نسمة تستخدم حالياً الانترنت. وأغلبية هؤلاء يستخدمون الانترنت إما لإرسال البريد الالكتروني 59 في المئة. أو لتصفح واستخراج المعلومات 22 في المئة أو للاستخدام الداخلي في الشركات التي يعملون فيها 13 في المئة، بينما لا تزيد نسبة الذين يستخدمون الانترنت لأغراض التجارة الالكترونية عن ستة في المئة. الرسم 1 ولا يوجد الآن سوى عدد قليل جداً من شركات التكنولوجيا والانترنت والاتصالات مدرجة في أسواق الأسهم العربية، في حين أن الشركات المالية والعقارية وشركات الاسمنت والخدمات العامة وغيرها من شركات الاقتصاد القديم تستحوذ على معظم القيمة السوقية لهذه الأسواق. كما أن الدول العربية لاتخصص للبحث العلمي والتطور التكنولوجي أكثر من نسبة 0.4 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لديها مقارنة بنسبة قدرها ثلاثة في المئة مثلا لاسرائيل. وقد أظهر مسح أجرته اخيراً وحدة الأبحاث التابعة لمطبوعة "انترنت العالم العربي" على عينة مكونة من 1000 مستخدم للشبكة العالمية، ان تسعة في المئة من المستخدمين قد أجروا عملية شراء واحدة أو أكثر خلال فترة الاثني عشر شهراً الماضية، مقارنة مع اربعة في المئة عام 1998. كما أن ثلث هؤلاء قد أجروا عملية شراء واحدة، في حين ان الأفراد الذين أجروا عمليتين أو ثلاث عمليات شراء منفصلة شكلوا ما نسبته 26 في المئة و23 في المئة على التوالي. أما نسبة الذين أجروا أكثر من ثلاث عمليات شراء عن طريق الانترنت فلقد كانت عند حدود 18 في المئة. ويعتبر معدل نمو عمليات التسوق عبر الانترنت في العالم العربي مرتفعاً نسبياً على رغم أن السوق الالكترونية في المنطقة لا تزال تشكل نسبة صغيرة من اجمالي سوق التجزئة التقليدية. وينفق المتسوقون ما يتراوح بين دولار واحد للاشتراك في صفحة التسلية على الانترنت و20 ألف دولار على حزمة من الكومبيوترات الشخصية والأجهزة الالكترونية. ولقد بلغ مجموع الانفاق من قبل المتسوقين في العينة قيد البحث على مدار الاثني عشر شهراً الماضية 95 ألف دولار، أي بمعدل 1056 دولاراً للمتسوق الواحد. وتعتبر البرمجيات البند الأكثر طلباً في قائمة التسوق عبر الانترنت في المنطقة العربية، إذ أن نحو 48 في المئة من المتسوقين اشتروا برامج الكومبيوتر خلال الفترة التي تم بها البحث، وتلتها الكتب في المركز الثاني بحصة قدرها 28 في المئة، ثم اجهزة الكومبيوتر 26 في المئة، والاقراص الموسيقية والمسموعة والأقراص الممغنطة 11 في المئة، أما باقي البنود المشتراة فتتضمن الهدايا سبعة في المئة، والألبسة الجاهزة وتذاكر السفر 5 في المئة، ورسوم استخدام الانترنت ومنتجات الاستهلاك الالكترونية 4 في المئة، والمنتجات الغذائية 1 في المئة. وتشكل المشتريات من شركات الانترنت العالمية نحو 82 في المئة من الاجمالي، فيما تتم المشتريات الباقية من عدد قليل من شركات الانترنت الحديثة العهد والمنتشرة في الدول العربية. لذلك لا بد للشركات العربية من التحرك بسرعة لتوفير خدمة الشراء عبر الانترنت لعملائها. وعلى الحكومات العربية بناء البنية الأساسية التي تدعم التجارة الالكترونية وايجاد التشريعات المناسبة التي تعزز هذه التجارة. ويظهر المسح المذكور ان المستهلكين يتحركون بسرعة أكبر من البائعين في المنطقة في تحقيق التحول نحو التسوق عبر الانترنت. وكانت شركة "أمازون" البائع العالمي الأكثر شعبية بين المتسوقين من الدول العربية، بينما أتت شركة "صخر" التي توفر برمجيات الكومبيوتر باللغة العربية في رأس قائمة شركات الانترنت العربية من حيث عدد المبيعات المتحققة. ومع أن معدلات الأمية بالنسبة للغة الانكليزية والتي هي لغة الانترنت الرئيسية تعتبر مرتفعة في المنطقة العربية، اضافة الى البطالة والتقييدات الثقافية ومقاومة التغير وغيرها من عوائق نمو قطاعات الاقتصاد الجديد، إلا أن هناك أمثلة من دول أخرى، حيث قطاع تكنولوجيا المعلومات استطاع أن يتطور بسرعة على رغم وجود عوائق مماثلة. فالهند أصبحت منتجاً كبيراً للبرمجيات، مع أن مظاهر الفقر والأمية والتخلف منتشرة في شرائح كبيرة من مجتمعها. ولقد أصبحت صناعة تكنولوجيا المعلومات والتي يبلغ ناتجها المحلي 8.6 بليون دولار في الهند من مقومات الاقتصاد المهمة وهي تنمو بمعدلات سنوية تفوق بكثير معدلات النمو الاجمالي للاقتصاد. وبينما تتضمن صناعة تكنولوجيا المعلومات قطاعي البرمجيات والأجهزة، فإن تركيز المنطقة العربية يجب أن ينصب على صناعة البرمجيات، أي تطوير الوسائل وتوفير المضمون والخدمات التي تتطلبها الحاجات المحلية والاقليمية. وعلى خلاف معظم قطاعات الانتاج، فإن أي دولة يمكنها استخدام تكنولوجيا المعلومات المتوافرة عالمياً والاستفادة منها. وقد بدأت سوق تطبيق التكنولوجيا على الحاجات المحلية والاقليمية بالانطلاق. فعلى سبيل المثال، فلقد تم تطوير أول نظام بريد الكتروني عربي من قبل شركة "مكتوب" الأردنية، ولقد حاز هذا النظام على شعبية كبيرة، اذ يستخدمه نحو 350 ألف شخص وبمعدل ستة ملايين مستخدم للموقع شهرياً. ومن المواقع العربية الأخرى المعروفة على الانترنت "أرابيا أون لاين" والتي يزورها حوالى 28 مليون شهرياً، و"بلانيت أرابيا" و"أينا كوم" و"نسيج" وغيرها. وتحتاج المنطقة العربية الى أن يكون لها مواقع خاصة بها على الانترنت مثل ما هو موجود في الولاياتالمتحدة وأوروبا ودول العالم الأخرى. ولكي يتحقق النجاح في هذا الميدان، فإن شركات الانترنت العربية مدعوة للاستفادة من معرفتها للمنطقة وللمستهلك العربي وللغة والثقافة العربية وقنوات التوزيع الداخلية بهدف تطوير أفكار ابداعية تتلاءم مع الحاجات المحلية والاقليمية. وقد أظهر المستهلكون العرب اقبالاً متزايداً على الخدمات المتاحة عبر الانترنت، كما أن معظم الحكومات اقتنعت بأن اقتصاد المعرفة وجد ليبقى. فالمملكة العربية السعودية التي تعتبر أكبر سوق لأجهزة الكومبيوتر الشخصية في المنطقة، بحجم مبيعات وصل الى 330 ألف جهاز عام 1999 من أصل اجمالي السوق العربية البالغة مليون جهاز، قد أطلقت خدمات الانترنت في بداية السنة الماضية. وليبيا والعراق فقط لا تتوافر لديهما خدمات مباشرة للانترنت في حين أن مصر التي تعتبر ثاني أكبر سوق لأجهزة الكومبيوتر الشخصية في المنطقة، بحجم مبيعات بلغ 275 ألف جهاز في العام الماضي، لديها أكبر عدد من المستخدمين للانترنت والبالغ 350 ألف مستخدم أو ما يشكل نحو 0.5 في المئة من اجمالي عدد سكانها، وتليها الامارات العربية المتحدة 300 ألف مستخدم، ولبنان 228 ألف مستخدم، والمملكة العربية السعودية 175 ألف مستخدم، والكويت 125 ألف مستخدم والأردن 100 ألف مستخدم. ولقد سجلت أكبر زيادة بين مستخدمي شبكة الانترنت في الفترة ما بين نيسان ابريل عام 1999 وآذار مارس سنة 2000 في المملكة العربية السعودية حيث جاءت عند حدود 167 في المئة تولتها مصر بنسبة زيادة وصلت الى 112 في المئة، ثم الامارات 96 في المئة، فاليمن 90 في المئة، والأردن 73 في المئة، ولبنان 72 في المئة. والواقع ان شبكة الانترنت تجعل من الصعب حماية الأسواق المحلية من المنافسة الخارجية. لذا فإن على الشركات العربية التي تهتم بالتصدير وإعادة التصدير الى الأسواق العالمية ان تسارع الى اطلاق مواقعها الخاصة على شبكة الانترنت. اذ ان مثل هذه المواقع، خصوصاً إذا تم تطويرها حسب المستويات العالمية، ستعزز من قدرة المنطقة على المنافسة في عمليات التجارة الالكترونية وتساعدها على زيادة صادراتها سواء بالجملة أو المفرق عن طريق السوق العالمية المتداولة على الانترنت. وفي البداية، فإن موقع الشركة على الانترنت يمكن أن يكون عبارة عن صفحات تروج لأعمال الشركة وتوفر المعلومات عنها على أن يتطور هذا الموقع بعد ذلك لكي يصبح أكثر فاعلية في التجارة الالكترونية. وقد أدركت معظم البنوك العربية اليوم ضرورة أن توفر لعملائها الخدمات المصرفية عبر الانترنت وأن عليها البدء بالاستثمار في البنى التحتية المتطورة لأنظمة المعلومات والاتصالات واستخدام التقنيات الحديثة التي تؤهلها لتوفير الخدمات المصرفية على الشبكة العالمية. وإذا أصرّت المصارف العالمية على أن العمل بين المصارف يجب أن يتم عبر الانترنت، فإن البنوك العربية سيفرض عليها القيام بمعظم أعمال المراسلة والتحويلات الخارجية بواسطة الشبكة العالمية. ما هو المطلوب عمله من الدول العربية؟ لا بد للعالم العربي من دخول منظومة الاقتصاد الجديد، غير أنه ما زال هناك العديد من العوائق التي تحد من هذا التوجه. وتشتمل هذه العوائق سهولة الوصول الى الانترنت من قبل نسبة أكبر من السكان، اعادة النظر في برامج التعليم، مساعدة أصحاب الأفكار الجديدة من أخذ المبادرة في انشاء شركات يانعة تعمل في مجال تقنية المعلومات، تحديث القوانين والتشريعات الملائمة للأعمال الالكترونية وادخال الانترنت الى الأعمال الحكومية. لا بد إذاً للدول العربية من أن تبدأ بتطوير البنية الأساسية للاقتصاد الجديد، أي ايجاد شبكة اتصالات تتسم بالسرعة والفعالية الكبيرة، وتوفير خدمات الانترنت وجعلها في متناول غالبية السكان وبأسعار مناسبة. وهذا يتضمن تخفيض تكاليف خدمة الهاتف، ومحو أمية الانترنت، وتقديم الدعم لخفض أسعار أجهزة الكومبيوتر الشخصية من أجل تشجيع انتشارها بشكل أوسع. ان المنطقة بحاجة الى اعادة النظر في برامج التعليم لديها للتماشي مع متطلبات الاقتصاد الجديد حيث يتم التركيز أكثر على دراسة الكومبيوتر واللغة الانكليزية وذلك خلال المراحل الأولى للتعليم الابتدائي، اذ أن معدلات الأمية ستقاس مستقبلاً بنسبة السكان الذين ليس لهم القدرة على استعمال الكومبيوتر والانترنت. وحتى يمكن بناء جيل من المتخرجين المبتكرين والمبدعين، فإن مناهج التعليم يجب أن تشجع الحوار والنقاش والتفكير الحر والتحليل بدلاً من التركيز على الحفظ والتلقين، اضافة الى تأهيل الطلاب في كيفية البحث عن المعلومات والوصول اليها. ومن الطبيعي ان يكون هناك تعاض بين ظهور مفكرين مبدعين ووجود نظام أوتقراطي يحد من حرية ابداء الرأي ولا يشجع على النقاش والتفكير المستقل، وبغياب الديموقراطية والحرية السياسية تبقى القدرة على الابتكار والابداع مقيدة. وبخلاف بعض الاستثناءات، فإن معظم الأنظمة التعليمية في المنطقة قد تم تصميمها لتخريج موظفين قادرين على العمل في القطاع العام أو الشركات بحيث يؤدون في الغالب وظائف روتينية محددة ليس لتأهيل عمال لهم القدرة على الابتكار والابداع وبإمكانهم العمل في ميادين قد لا تكون متاحة اليوم. ان هذا الواقع يجب تغييره من أجل ضمان توافر العنصر البشري المطلوب للاقتصاد الجديد. فالتعلم والتأقلم مع التغيرات التكنولوجية قد أصبحا عملية متواصلة ترافق الفرد مدى العمر. كما أن المنطقة العربية بحاجة الى تطوير ثقافة تشجع روح المبادرة بين الأفراد والتي تناسب عصر المعلوماتية الذي نعيش فيه. لا بد إذاً من تغيير دور الدولة من كونها لاعباً مباشراً في الاقتصاد يمتلك ويدير مؤسسات مالية وانتاجية، ليقوم بدور الحكم المراقب الذي يوفر البيئة الاقتصادية المستقرة والأرضية القانونية والاشرافية المطلوبة التي تحمي المستثمر وتشجع القطاع الخاص على أخذ المبادرة. ليس هناك حوافز تشجيعية تساعد أصحاب الأفكار الجديدة من أخذ المبادرة في تأسيس شركات يانعة تعمل في مجال تقنية المعلومات. فالقوانين لا تسمح للشركات المدرجة اعطاء خيارات شراء الأسهم للموظفين كجزء من التعويضات المتفق عليها. فالشباب اليوم أصبحوا يفضلون العمل مع شركات مبتدأة حتى بأجور أقل مما قد يحصلون عليه من الشركات العريقة بهدف تحقيق مكاسب رأسمالية مستقبلاً عن طريق الحصول على أسهم مجانية وخيارات شراء السهم. فوجود مثل هذه البرامج سيساعد بشكل كبير في تشجيع أصحاب الأفكار الجديدة على أخذ المخاطر وانشاء أعمال خاصة بهم. إن المنطقة بحاجة الى تطوير أسواق الاصدارات الأولية وتشجيع قيام صناديق رأس المال المجازف والتي تستثمر في شركات حديثة التأسيس تعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات. فمثل هذه الشركات غالباً ما يكون لها مخاطر مرتفعة ولكن أيضاً عوائد كبيرة على الاستثمار اذا ما نجحت. وان أحد أهم العوائق التي تعترض الشركات الناشئة حديثاً في المنطقة هو عدم وجود مثل هذه الصناديق. ففي الولاياتالمتحدة على سبيل المثال، تضاعف الانفاق على رأس المال المجازف ليصل الى نحو 40 بليون دولار عام 1999. وحسب كلية ادارة الأعمال لجامعة هارفارد، فإن كل دولار يستثمر في رأس مال مجازف ينتج عنه ثلاث الى خمس مرات أكثر براءات اختراع بالقياس الى كل دولار ينفق على أعمال البحث والتطوير. وقد تضاعف عدد الشركات الحديثة التأسيس في كوريا الجنوبية في العام الماضي بحيث وصل الى 4700 شركة، في حين قفزت القيمة الرأسمالية لسوق "كوسداك" الكورية للشركات الناشئة 13 مرة في العام الماضي لتبلغ 100 بليون دولار. ومن الصعب جداً على الشركات حديثة التأسيس في منطقتنا ان تتجاوز المصارف التجارية الحذرة تقليدياً والذهاب مباشرة الى المستثمرين عن طريق اصدار أسهمها في السوق الأولية. فالقوانين الموجودة حالياً تتطلب من الشركات الراغبة في ادراج أسهمها في البورصات المحلية أن يكون لديها سجل أرباح عن السنوات الثلاث الماضية، في حين أن معظم الشركات حديثة التأسيس والعاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات ليس لديها أرباح وأحياناً ليس لديها ايرادات عندما تبحث عن مستثمرين خلال السنوات الأولى لانشائها. ولا بد للحكومات العربية من تخصيص ما تبقى لديها من أسهم شركات الاتصالات والهاتف النقال والمعلوماتية وغيرها من الشركات المرتبطة بالتكنولوجيا وذلك لاضافة اسهم شركات الاقتصاد الجديد والتي هي محط اهتمام المستثمر المحلي على البورصات العربية. ولا بد أيضاً من تأسيس سوق مالية توفر امكانية الخروج أو تسييل الاستثمارات في صناديق رأس المال المجازف والتي تقدم التمويل للشركات حديثة التأسيس. وهذا يتم عن طريق انشاء سوق اقليمية شبيهة بسوق "ناسداك" في الولاياتالمتحدة لادراج اسهم الشركات حديثة التأسيس في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث ان متطلبات الادراج في مثل هذه الأسواق تكون أقل مما هو مطلوب في اسواق الاسهم الرسمية، غير ان درجة الافصاح والأطر الاشرافية على هذه الشركات تكون أكثر تشدداً. ولا بد أيضاً من ايجاد البنية التشريعية والقانونية التي تحمي حقوق الملكية الفكرية وتساعد على قيام شركات تكنولوجيا المعلومات وغيرها من شركات الاقتصاد الجديد. فالمستندات الورقية قد لا تكون الوسيلة المطلوبة لاثبات الخصوصيات القانونية عند القيام بعمليات التجارة الالكترونية. فالقوانين يجب أن تتطور بحيث تصبح المراسلات الالكترونية لها قوة الاثبات في المحاكم عند نشوء النزاعات التجارية. وبعدما تم ادخال قوانين حقوق النشر والملكية الجديدة أخيراً في الأردن والكويت ولبنان، فإن معظم الدول العربية أصبح لديها الآن التشريعات المناسبة لمكافحة القرصنة. وهذا يعتبر ضرورياً لكن ليس كافياً لتشجيع الدول الغربية على نقل التكنولوجيا الى المنطقة، اذ ان المطلوب التأكد من تطبيق هذه التشريعات وفرض العقاب على المخالفين. ان الدول العربية بدأت إدخال الانترنت الى المعاملات الحكومية، فالمبادرات الرائدة التي قامت بها حكومة دبي والتركيز على تكنولوجيا المعلومات في كل من مصر ولبنان والأردن تشير الى ان دول المنطقة تسير في الاتجاه الصحيح بالنسبة لجعل حكومات هذه الدول تعتمد على الانترنت في تعاملاتها مع الجمهور. ولكن هذا التوجه لا يعني فقط مكننة الاجراءات اليدوية وجعلها متوافرة على الانترنت لكافة المتعاملين مع الحكومة، بل حض الحكومات على اعتماد الابتكار المتجدد عند التعامل مع المواطن. ان قيام الحكومة بتوفير خدماتها عن طريق الانترنت يعطي مؤسسات القطاع العام قنوات اتصال أفضل مع الجمهور وبشكل تفاعلي أنسب. ومثل هذا المسار يحدث تغيراً جذرياً في العلاقة بين الدولة والمواطن في العالم العربي. الخلاصة ان العالم العربي لا يزال متأخراً قياساً بغيره من الدول النامية والدول المتقدمة بالنسبة للتأقلم مع مقومات الاقتصاد الجديد والذي يرتكز على تكنولوجيا المعلومات. رغم ذلك، فإن عدداً من الدول العربية اخذ يعمل بجهد كبير في سبيل اللحاق بقطار العولمة والتكنولوجيا المتقدمة والذي يسير بسرعة مرتفعة. ويتوقف نجاح هذه الدول في تحقيق هدفها الى حد كبير على مدى قدرتها في ايجاد العمالة المؤهلة التي تستطيع ان تتعامل مع التطورات التكنولوجية المستجدة. وحسب المجموعة الاستشارية "آ. دي. سي" العاملة في الولاياتالمتحدة، فإن الطلب على العمالة ذات المهارات العالية في مجال تكنولوجيا المعلومات في السوق الاميركية سيفوق العرض بما لا يقل عن 350 ألف شخص سنوياً خلال الاعوام القليلة المقبلة، وسيؤدي هذا الى زيادة الطلب على العمالة من الخارج، بما فيها تلك المتوافرة في الدول العربية، مما يضع المزيد من الضغوط على دول المنطقة للاستقطاب والحفاظ على ما لديها من عمالة مؤهلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات. وهناك ضرورة لشركات الاقتصاد الجديد الناشئة في المنطقة العربية ان تسعى لتكوين علاقات قوية مع شركات مماثلة لها في الخارج. كما ان المنطقة بحاجة الى وجود الاطار القانوني والرقابي المناسب لتسهيل عملية نمو صناعات تكنولوجيا المعلومات. ويجب على صانعي القرار في دول المنطقة ان يركزوا على تحقيق النمو في هذا القطاع أكثر من تركيزهم على السياسات المالية التقليدية مثل تلك التي تهدف الى اعادة توزيع الدخل والانفاق الحكومي على المشاريع الاستهلاكية. كذلك هناك ضرورة لتخصيص موارد اضافية لأعمال البحث والتطوير، كما ان المنح المدرسية والجامعية يجب ان تزداد خصوصاً في مجالات الهندسة وعلم الكومبيوتر وغيرها من القطاعات ذات التقنية العالية والتي لم تستقطب بعد اعداداً مناسبة من الطلاب العرب. ويلاحظ عدم وجود تعاون يذكر بين الدول العربية في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، اذ ان هناك مشاريع مشابهة في كل من دبيوالأردن ومصر ولبنان والبحرين. لذلك لا بد للدول العربية من تبني رؤية اقليمية قائمة على التعاون فيما بينها حتى تستطيع المنافسة في السوق العالمية. واحدى المزايا الرئيسية للمنطقة هي توافر لغة وثقافة عربية واحدة والتي اذا ما تم استخدامها بشكل حكيم، فإن ذلك سيتيح الفرصة أمام شركات الاقتصاد الجديد للحصول على سوق اقليمية واسعة. * كبير الاقتصاديين وعضو منتدب مجموعة الشرق الأوسط للاستثمار.