أصبح المستثمرون في أرجاء العالم يفضلون شراء اسهم شركات التكنولوجيا والانترنت والاتصالات والمعلومات وغيرها من الشركات ذات معدلات النمو الواعدة التي أصبحت تشكل اليوم منظومة "الاقتصاد الجديد". ولا يوجد في أسواق الاسهم العربية حتى الآن سوى عدد قليل جداً من شركات التكنولوجيا والاتصالات في حين ان الشركات المالية وشركات الخدمات العامة والشركات العقارية وغيرها من شركات "الاقتصاد القديم" تستحوذ على معظم القيمة السوقية لهذه الاسواق. ويُلاحظ ان أفضل أداء سُجل في أسواق الاسهم العربية عام 1999 يعود الى شركات الاتصالات مثل شركة "الهاتف المتنقل" المصرية وشركة "الاتصالات الفلسطينية" التي زادت اسعار اسهمها بنسبة 679 في المئة و66 في المئة على التوالي العام الماضي. لا يوجد في المنطقة العربية هياكل متخصصة في تمويل الشركات حديثة التأسيس وليس هناك صناديق استثمار متخصصة في توفير رأس المال المجازف للمشاريع المبتدئة. وتشير دراسات جامعة هارفرد الى ان كل دولار يتم استثماره في رأس المال المجازف تنتج عنه براءات اختراع اكثر بكثير مما لو تم صرف هذا الدولار على مجالات البحث والتطوير. وعلى سبيل المثال، ارتفع عدد الشركات حديثة التأسيس بنحو الضعف في كوريا السنة الماضية ليصل الى 4700 شركة في حين ان القيمة الرأسمالية لسوق الاسهم الموازي التي تدرج عليه اسم هذه الشركات ويُعرف بالكوزداك Kosdaq ارتفع 13 مرة ليصل الى 100 بليون دولار العام الماضي. ولا يزال من الصعب جداً على الشركات المبتدئة في المنطقة العربية ان تحصل على رأس المال المطلوب عن طريق اللجوء الى البنوك التجارية، كما انه ليس هناك سوق اسهم متخصص للشركات حديثة التأسيس لكي تدرج فيها اسهمها كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، كذلك فإنه من الصعب جذب الاموال للاستثمار في صناديق رأس المال المجازف التي تقوم بتمويل الشركات المبتدئة لأنه لا يوجد ميكانيكية واضحة في المنطقة العربية لكيفية الخروج من هذه الاستثمارات. ان الشركات حديثة التأسيس في الغرب والتي تعمل في مجال تقنية المعلومات والانترنت وما شابه، ليس لديها فاتورة اجور مرتفعة اذ ان الشباب من الخريجين الجدد يفضلون العمل مع الشركات المبتدئة الواعدة حتى بأجور أقل مما قد يحصلون عليه من الشركات العريقة بهدف تحقيق مكاسب رأسمالية مستقبلاً عن طريق الحصول على اسهم مجانية وخيارات شراء الأسهم في الشركات التي يعملون فيها. ومع غياب مثل هذه الحوافز التشجيعية في المنطقة العربية، حيث انه في معظم هذه الدول لا يسمح للشركات المساهمة اعطاء خيارات شراء الأسهم للموظفين كجزء من التعويضات المتفق عليها، فإن هذا يقلل من حماس أصحاب الأفكار الجديدة من أخذ المبادرة في انشاء شركات يافعة تعمل في مجال تقنية المعلومات. وشجع التداول الالكتروني المتوافر من خلال شبكة الانترنت عدداً من المستثمرين لتداول اسهم شركات التكنولوجيا في الكثير من الدول، في حين ان اسواق الاسهم العربية لم تجذب حتى الآن الا جزءاً بسيطاً من هذه التدفقات بسبب عدم وجود امكانات للتداول عبر الانترنت في هذه الاسواق، الى جانب ان بعض الاسواق العربية لا يزال مغلقاً أمام الاستثمار الاجنبي. كما ان ضعف أداء هذه الاسواق وشح السيولة فيها، وعدم وجود شفافية كافية وإفصاح مالي دقيق وغياب الشركات الكبيرة ذات القيمة الرأسمالية والسيولة المرتفعة وقصور بعض نواحي الإشراف والرقابة لم يشجع المستثمر الاجنبي الدخول الى هذه الاسواق. قطعت اسواق الاسهم العربية شوطاً كبيراً في الاعوام القليلة الماضية، وتم ادخال عدد من التغيرات الايجابية التي تهدف الى زيادة الشفافية، وتحديث وتطوير عمليات التداول، وتحسين معايير الإفصاح وهذه كلها عززت من مكانة اسواق الاسهم العربية لدى المستثمر المحلي والاجنبي. واذا ما حدث تقدم في عملية السلام لدول الشرق الأوسط فإن ذلك سيرفع من ثقة المستثمرين في هذه الاسواق. ان غالبية الاسهم العربية لا يزال يتم تداوله بأسعار جذابة، كما ان أداء هذه الاسواق لا يتأثر بما يحدث في اسواق الاسهم المتقدمة وأسواق الاسهم الناشئة الاخرى. ومع انضمام البحرينولبنان وعُمان الى قائمة الدول المكونة لمؤشر مؤسسة التمويل الدولية العام الماضي وتوقع انضمام مصر الى مؤشر الاسواق الناشئة السنة الجارية فإن هذا سيؤدي الى زيادة التدفقات الرأسمالية الى اسواق الاسهم العربية. كذلك فإنه اذا ما حدث من تراجع في أداء سوق ناسداك واسواق الاسهم الاميركية الاخرى سيشجع المحافظ الاستثمارية الدولية الى التوجه الى اسواق اخرى خصوصاً اسواق الاسهم العربية بسبب عدم ارتباطها مع اسواق الاسهم الرئيسية في العالم. تشكل أسواق الاسهم العربية 6.5 في المئة فقط من اجمالي القيمة السوقية ل 38 سوق اسهم ناشئة في آسيا واميركيا اللاتينية وافريقيا وأوروبا الشرقية، كما انها لا تشكل أكثر من 0.6 في المئة من اجمالي القيمة السوقية لأسواق الاسهم في العالم البالغة 32 ألف بليون دولار عام 1999. وبلغ اجمالي القيمة السوقية لإثني عشر سوقاً عربياً 185 بليون دولار عام 1999، استحوذت سوق الاسهم السعودية اكبر سوق عربية على ثلثها. وفي المقارنة فإن القيمة السوقية ل "بنك سيتي غروب" بلغت 187 بليون دولار عام 1999 ولشركة "أميركا أون لاين" 168 بليون دولار ولشركة "مايكروسوفت" 600 بليون دولار. كذلك بلغت القيمة السوقية لسوق الاسهم الاسرائيلية العام الماضي 75 بليون دولار وهناك 670 شركة مدرجة في السوق، اضافة الى 78 شركة اسرائيلية اخرى مدرجة في سوق ناسداك الاميركي بلغت اجمالي قيمتها السوقية 70 بليون دولار. استحوذت اسهم المصارف وشركات الاستثمار وشركات التأمين والشركات العقارية على 60 في المئة من القيمة السوقية لأسواق الاسهم العربية مقارنة بنسبة 24 في المئة لدى الاسواق الناشئة الأخرى، في حين استحوذت اسهم الشركات الصناعية على 15 في المئة من اجمالي القيمة الرأسمالية لأسواق الاسهم العربية مقارنة مع نسبة 36 في المئة لدى الاسواق الناشئة الأخرى. ولا تزال الحكومات من أكبر المساهمين في اسواق الاسهم العربية وقدرت هذه الحصة في المعدل بنحو 40 في المئة من اجمالي القيمة السوقية، والأسهم التي تملكها الحكومات لا يتم تداولها، لذلك اذا تم استثناءها تكون عندها قيمة السوق للأسهم الباقية في حدود 110 بلايين دولار، منها ما يزيد على 30 في المئة يملكها اشخاص أو عائلات لا يرغبون بتداولها وهم مستثمرون استراتيجيون يسعون للسيطرة أو الحصول على عضوية في مجلس الإدارة، كذلك اذا استثنينا الاسواق العربية التي لا تسمح بالملكية الاجنبية فإنه سيتبقى فقط جزء بسيط من الاسهم العربية المتاحة أمام المستثمرين الدوليين. ومع ان حجم سيولة التداول في اسواق اسهم دول المنطقة هو في ارتفاع متواصل إلا ان حجم التداول كنسبة من اجمالي القيمة السوقية لا يزال منخفضاً ما يشير الى وجود امكانات نمو جيدة لهذه الاسواق، اضافة الى ان معدل دوران السهم، أي قيمة الاسهم المتداولة كنسبة من اجمالي القيمة الرأسمالية لأسواق الاسهم العربية، لم يتجاوز 20 في المئة في المتوسط في العام الماضي مقارنة مع 88 في المئة للاسواق الناشئة. وباستثناء سوق الاسهم البحرينية حيث تدرج فيه بعض الشركات الكويتية وبنوك الأفشور الاقليمية مثل المؤسسة العربية المصرفية، وبنك الخليج الدولي، وانفستكورب، وأريج... الخ فإن نسبة القيمة السوقية الى اجمالي الناتج المحلي متدنية وبلغت في المتوسط 46 في المئة للعام الماضي مقارنة مع 60 في المئة للأسواق الناشئة ككل. في حين بلغت هذه النسبة 166 في المئة في اليونان و96 في المئة في كوريا و95 في المئة في تشيلي. لا يزال التقويم في اسعار الاسهم لمعظم الاسواق العربية عند معدلات مقبولة اذ بلغ متوسط سعر السهم الى عائده لهذه الاسواق 17.4 عام 1999، وبلغ متوسط سعر السهم الى قيمته الدفترية 2.4 ومتوسط الأرباح الموزعة 3 في المئة. وتعتبر هذه المؤشرات كلها أفضل مما هي عليه الحال في اسواق الاسهم الناشئة. وفي اسواق اسهم لبنان والسعودية تعدى متوسط سعر السهم الى عائده مستوى 20 في المئة وبلغ 29 في لبنان بسبب المبالغة في سعر سهم شركة "سوليدير" وهي شركة عقارية كبيرة يتعرض دخلها لكثير من التذبذبات بين سنة واخرى في حين ان نسبة السعر الى العائد لبقية الاسهم اللبنانية هو أقل من 10، وبلغ متوسط السعر الى عائده في السعودية 21 باستثناء قطاع الكهرباء والسبب في ذلك يعود الى المبالغة في اسعار اسهم بعض الشركات الصناعية مثل سابك وسافكو... الخ. وخلافاً لما هو عليه الحال في الدول الأخرى، يرتكز اصدار الاسهم في الاسواق الأولية لدول المنطقة العربية على الشركات العريقة التي تعمل في القطاعات الرئيسية للاقتصاد مثل المصارف والعقارات والمرافق العامة وغيرها، بدلاً من الشركات حديثة التأسيس ذات مجالات النمو الواعدة التي غالباً ما تكون مخاطر الاستثمار فيها مرتفعة، مثل الشركات العاملة في مجال تقنية المعلومات وشركات الانترنت وغيرها. ويعود ذلك الى غياب الهياكل المتخصصة في تمويل الشركات المبتدئة التي تفتقر الى السجل التاريخي واللوائح المالية الموثوق بها التي تتطلبها المصارف التجارية لتوفير القروض لها. اما بالنسبة للشركات المعروفة فغالباً ما يرفض مؤسسو هذه الشركات بما فيهم الحكومات طرح حصة كبيرة من أسهمها للاكتتاب العام، لهذا نجد انه في الغالب يكون هناك مغالات في سعر الاكتتاب مما يؤدي الى ان تراجع الطلب على الاسهم وانخفاض اسعارها بعد أن يبدأ تداولها في السوق. وأفضل مثال على ذلك ما حدث لاسهم شركة "قطر للاتصالات" واسهم "المجموعة العربية لإعادة التأمين" أريج اذ ان اسعار هذه الاسهم تراجعت بعد ادراجها في السوق للمرة الاولى. وتم طرح اسهم شركة "الاتصالات القطرية" للاكتتاب العام في كانون الأول 1998 عندما باعت الحكومة 45 في المئة من الشركة بسعر 10 ريالات للسهم وعلاوة خصم بلغت 60 ريال للسهم، ومنذ ذلك الحين تم تداول اسهم الشركة بسعر اقل بكثير من سعر الاكتتاب. كذلك فإن اسهم شركة "أريج" لا تزال تتداول بسعر أقل من سعر الاكتتاب الذي طرح عام 1998. وأدى تدهور اسعار اسهم هذه الشركات الى تأخر تخصيص عدد من شركات القطاع العام وعدم تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الشركات الحديثة. * كبير الاقتصاديين وعضو منتدب في مجموعة الشرق الأوسط للاستثمار.