ملتقى «اليونسكو» يختتم أعماله في الأحساء بمشاركة 42 مدينة مبدعة    بدء الاختبارات الشفوية والعملية.. اليوم    «الجمارك»: 1,350 حالة ضبط ممنوعات في أسبوع    ضمك يعثر الهلال.. الخلود يقلبها على الرياض.. الاتفاق يعبر الأخدود    وزير الرياضة يجتمع برئيس الأولمبية الدولية    الاتحاد يتحضر للوحدة.. وينتظر ميتاي    سكة الحديد في القرن التاسع عشر    الشفافية والنرجسية    اختلافهم مطلوب    ثقافة "السواقة"    استدامة بيئية    مستقبل الإعلام في 2030    في ذكرى التأسيس    أكثر من «800» عمل تشكيلي في أتيليه جدة    حسن الشهومي و«بلاي باك» يُرسيان معايير جديدة في صناعة الأفلام    التراث الثقافي والهوية    وصفة إلكترونية للأدوية المخدرة والمؤثرات العقلية    الذهب يواصل مكاسبه للأسبوع السادس وسط تصاعد التوترات التجارية    74.670 مركبة تدخل وتغادر المملكة يوميا    1% زيادة بتداولات الأسهم السعودية    سبب اخفاق النصر في ضم لياو    حزب مودي يحقق فوزا ساحقا في انتخابات نيودلهي ويستعيد السلطة بعد 27 عاماً    تركي الفيصل.. رسالة تؤكد أن فلسطين في قلب الأمة    سوريا.. إلى أين ؟!    أزمة القطاع الصحي في غزة تتسبب في وفاة 100 طفل    الحرس الملكي يحتفل بتخريج دورات الأمن والحماية واختتام الدوري الرياضي    ماذا في جعبة وزارة التعليم ؟    عربات النقل الترددي وخطورتها على المشاة    في قطار الرياض !    موعد مباراة الهلال القادمة بعد التعادل مع ضمك    الأسطورة والمتعصبون    كريستيانو ابن الأربعين...!!    التسليم على الرغبات المتوحشة    الحكمة.. عقل يفهم العواطف    كبير المدرجات السعودية    أمانة المدينة تدشن تقاطع الأمير عبدالمجيد مع سعد بن خيثمة    المملكة تسلم مصر وفلسطين حصتيهما من الهدي والأضاحي    مليار ريال سنويا حجم سوق الحرف السعودية    مفتي المملكة ونائبه يتسلمان تقرير نشاط العلاقات العامة والإعلام    محمية تركي بن عبدالله تعقد لقاءً تعريفيًا مع المجتمع    تعزيز التطوع المجتمعي    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    لبنان أمام فجر جديد: حكومة مكتملة بعد جمود طويل    هل تتأثر هدنة غزة بتناقضات المعايير الإسرائيلية    بعد لقائه بالشرع.. أرياس: نضع الأساس لإغلاق ملف الأسلحة الكيميائية في سورية    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    إنطلاق مؤتمر السمنة السنوي الدولي الثامن بالخبر    1383 حالة ضبط للمنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    تخصصي تبوك يكرّم الموظفين والأقسام المميزة    الدكتوراه ل«السهلي»    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب من وراء القضبان يخرجون بعلوم ومهن و ... ثروات
نشر في الحياة يوم 04 - 07 - 2000

حين يخرج بعض الشباب من السجون "أرض التوبة" يجد أن السنوات التي قضاها فيها لم تكن عقاباً وحجز حرية وإذلالاً، بكل ما تعنيه هذه الكلمات من قسوة وإهانة جسديتين ومعنويتين على غرار ما هو سائد في بعض بلدان العالم الثالث، بمقدار ما كانت تلك السنوات صحوة واصلاحاً وتأهيلاً. هذا هو انطباع معظم الشباب الكنديين ممن تتراوح اعمارهم بين 18 و27 عاماً والذين ادخلوا الى السجن نتيجة انحرافات خلقية واجتماعية تتمحور بغالبيتها حول اعمال السطو على بعض المحال التجارية الصغيرة المعزولة في بعض الأحياء السكنية أو على بيوت المسنين والعجزة وحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه، او حول قيامهم باعتداءات جنسية او بتعاطيهم انواع المخدرات والاتجار بها، وفقاً لتقرير نشرته أخيراً دوائر السجون في مونتريال.
ويرى الباحثون الاجتماعيون ان البواعث المحركة لارتكاب مثل تلك الأعمال الاجرامية تكمن اساساً في تصدع وحدة العائلة الكندية من جهة واساءة استعمال الآباء والأبناء لمعنى سن البلوغ المحددة قانوناً ب18 سنة من جهة أخرى. فالخلافات التي تعصف بين الزوجين، وغالباً ما تكون مزاجية أو مادية أو خيانة احدهما للآخر، تنتهي عادة بانفصالهما وهجرهما الأبناء البالغين والتخلي عنهم والتخلص مما يرتبونه على أي منهما من أعباء مالية، ما يدفع الأبناء الى ترك المدرسة والبقاء تحت مشيئة الأقدار دونما حسيب أو رقيب، الى أن ينتهي بهم الأمر غالباً الى السجن. وتداركاً لهذه البواعث ونتائجها تقوم سياسة "العقاب" الكندية على نهج اصلاحي اجتماعي تربوي يقضي بتأهيل المنحرفين من الشباب بالمعارف المهنية والتعليمية طوال وجودهم في السجن ليتمكنوا حال خروجهم منه أن يستفيدوا مما تعلموه واكتسبوه، ويتابعوا بعد ذلك حياتهم بصورة طبيعية كسائر اقرانهم في المجتمع. إلا أن الباحثين والموجهين الاجتماعيين يحاولون ان يجدوا مخرجاً لحل الاشكالية القائمة بين إعادة الاعتبار لهؤلاء من جهة والحيلولة دون تهميشهم اجتماعياً من جهة اخرى. هذه المعادلة كانت محور محاضرة لنفر من المتخصصين بمكافحة الجريمة والوقاية منها، في جامعة مونتريال، نظمتها "المؤسسة الكندية - الفرنسية لتقدم العلوم" في اطار مؤتمرها الثامن والستين الهادف الى تحصين المنحرفين نفسياً واجتماعياً تفادياً للوقوع في مستنقع الجريمة.
وتوقف الباحثون عند المفهوم الحديث لمعنى "السياسة العقابية" ومضامينها واشكالها فأشاروا الى أن الاتجاه الاجتماعي الانساني يذهب الى أبعد من "منطق القانون" ويتجاوز "توصيف التجربة" بحلوها ومرها ويتخطى تلك الاعتبارات ليصل الى الهداية والاصلاح والقناعة، بمعنى أن يحصن الشباب المنحرفون بنظام مناعة خلقي ومدني يحول مستقبلاً دون وقوعهم في المحظورات والممنوعات ويعيد اليهم تطبيع حياتهم مع سائر الأفراد ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
وتقوم تلك السياسة على ركيزتين اساسيتين احداهما تعليمية تربوية تتيح لمن هم من الطلاب الذين تركوا مدارسهم ان يتابعوا دروسهم بشكل منهجي عادي على يد اساتذة انتدبوا خصيصاً لهذه الغاية حيث يمكن الطلاب ان يشتركوا حيث هم، في الامتحانات الفصلية والنهائية ويحوز الفائزون منهم الشهادات العلمية ذاتها التي تمنح لزملائهم في المدارس النظامية. أما الركيزة الثانية فهي تعليمية مهنية تعتمد اساساً تنمية المهارات اليدوية التي توفرها بعض المعامل الصغيرة في السجن "كالحدادة والحلاقة للجنسين والرسم الصناعي والميكانيك العام". ولدى انهاء السجين تخصصه في إحدى هذه المهن يمنح شهادة فنية معترفاً بها رسمياً. والطريف أن السجين يتلقى في مقابل عمله راتباً يومياً، هو رمزي وتشجيعي، تراوح قيمته بين 25،5 و90،6 دولارات على أن تودع هذه المبالغ في حسابه لدى مصرف خاص في السجن ريثما يخرج منه، الأمر الذي يمكنه مع مرور الوقت من تجميع "ثروة" لا بأس بها يستخدمها حين الحاجة.
من هذا المنطلق يرى فريق من الباحثين ضرورة تعميم التعليم والعمل المهني في السجون لأنه "خيار لا بد منه" وأهم ما فيه ان السجين يشعر في قرارة نفسه انه انسان موجود فعلاً، يدرس، ويعمل وينتج ويتقدم في علومه ومهاراته علاوة على طمأنينته النفسية حيال امكان العثور على عمل واستئناف حياته الطبيعية، وان أي اسلوب آخر كضرب السجين او تعذيبه او قهره أو احتقاره أو النظر اليه كانسان خامل، لامبال، غير مسؤول، نكرة وجرثومة ينبغي استئصالها، ان مثل هذه التصرفات من شأنها "أن تحكم على انسان بالموت وهو على قيد الحياة" فضلاً عما تخلفه من انعكاسات سلبية على سلامة الدولة والمجتمع والأفراد.
وتلافياً لكل ذلك، تقوم جمعيات حقوق الانسان والمرشدون الاجتماعيون بين فترة وفترة بزيارات الى السجون يتفقدون ما يجري بداخلها ويقفون على آراء المساجين ومدى احترام حقوقهم، وتنشر هذه المعاينات أمام الرأي العام وفي الوسائل الاعلامية كيفما كانت نتائجها، سلبية أو ايجابية. ويبقى أن أكثر ما يخشاه السجناء ليس الاذلال والاستغلال والحرمان وانما قسوة المجتمع عليهم واحتقاره لهم والنفور منهم والامتناع احياناً من تشغيلهم واستيعابهم.
لذلك يقترح الباحثون ان تمنح السلطات المعنية في السجون نوعاً من "براءة الذمة" او شهادة "حسن سلوك" للذين يستأهلونها، بغية اعادة الاعتبار اليهم كمواطنين تمهيداً لانخراطهم في أسواق العمل والانتاج. وهذا الأمر يتطلب مؤازرة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الانسانية والنقابية وغيرها.
ويبقى لافتاً ما طرحه احد الباحثين تعقيباً على المقولة الشائعة "من يفتح مدرسة يقفل سجناً"، ان تلك المقولة باتت اليوم في حاجة الى تعديل، ذلك ان المدرسة تبقى مدرسة والسجن أصبح، بمعنى من المعاني، وجهاً آخر لها.
* كاتب لبناني مقيم في كندا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.