أدت مؤثرات ومضاعفات صحية أول من أمس إلى استئصال رحم كان فريق طبي سعودي تمكن من نقله من سيدة وزرعه لسيدة أخرى، بعد مضي نحو ثلاثة أشهر على عملية أولى من نوعها حققت نجاحاً مرحلياً بعد تجارب مختلفة على مستوى العالم. وقال اعضاء الفريق الطبي في مؤتمر صحافي عقد في جدة ليل الثلثاء إن جلطة مفاجئة في الأوعية الدموية المغذية للرحم أدت الى اتخاذ قرار استئصاله حرصاً على حياة المريضة. وكانت ندوة طبية علمية عقدت في السعودية أخيراً، في حضور سبعة مختصين دوليين من أصل 79 دعوا إليها من دول العالم، إضافة الى نحو مئة من الاستشاريين والأطباء السعوديين، أخفقت في منح الانجاز العلمي الاول من نوعه في العالم والمتمثل بنقل رحم من سيدة الى اخرى، الشرعية العلمية والاعتراف رسمياً بإمكان نقل الأرحام وزرعها لمواجهة أمراض العقم، وذلك بدعوى عدم كفاية الادلة من نتائج الابحاث الى مشروعية العمل من الجانب الشرعي والاخلاقي وعدم ثبوت صدقيته في تخفيف معاناة مرضى العقم. وساهمت المعلومات المحدودة التي وفرت للمنتدين، فضلاً عن عزوف الفريق الطبي الذي انجز عملية زرع الرحم الأولى عن تقديم اجابات واضحة، في توسيع الهوة بين الفكرة والانجاز والمعارضين له جملة وتفصيلاً، الأمر الذي زاد التساؤلات عن تفاصيل الانجاز "السابقة" وانقسام الوسط الطبي إلى فريقين مؤيد ومعارض وفريق ثالث شكل نوعاً من الغالبية الصامتة. وكان فريق طبي تتقدمه الاستاذة المساعدة في كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة وفاء فقيه، ومعها ثلاثة من اكفأ الاطباء السعوديين مختلفي الاختصاصات، تمكن في نيسان ابريل الماضي من نقل رحم سيدة جاوزت ال47 عاماً إلى سيدة في ال35 في اول خطوة من نوعها شملت زرع الرحم وقناتي فالوب للمرة الأولى في العالم والتاريخ الطبي بهدف معالجة حالة من حالات العقم. وعلى رغم عدم وجود احصاءات رسمية تحدد نسبة مرض العقم بين الرجال والنساء، إلا أن مصادر طبية سعودية التقتها "الحياة" أشارت إلى أنها نسبة مرتفعة، خصوصاً بين السيدات وأعراضها متباينة ومختلفة. وحسب التوصيات المقترحة غير النهائية وغير المعلنة أيضاً، التي قدمها بعض الاستشاريين الذين حضروا "ندوة زرع الرحم" الأولى أواخر الشهر الماضي في جامعة الملك عبدالعزيز، طالب المنتدون الفريق الطبي بإعادة النظر في عملية الزرع وتوسيع دائرة الدرس والمناقشة في اتجاهات عدة في مقدمها الجانب الشرعي والاخلاقي، كما طالبوه بعدم تكرار العملية أو اعتمادها علاجاً للعقم إلا بضوابط يتعارف عليها المجتمع الطبي من خلال القنوات الرسمية المناسبة. وأكد مشاركون في الندوة التقتهم "الحياة"، "ان نجاح الانجاز كان رهناً بحدوث الحمل، على رغم انهم يعتقدون ان العمل الجراحي الذي تم، يعتبر انجازاً غير مسبوق في مجال زرع الرحم وخبرات توصيل الاوعية الدموية". ويرافق التناول الاعلامي لعملية زرع الرحم طرح يصنف المتعاملين مع الموضوع باعتبارهم مع فريق العمل أو ضده، بعيداً عن أي معايير أخرى، وهي خصائص تميز المجتمعات المغلقة ولا تتكيف مع كون القضية علمية وتقبل مبادئ الاختلاف من الاساس. ولن يستغرب المراقب ان يجد في الصحافة السعودية اليوم موضوعاً عن عملية زرع الرحم ويعاد تصويبه في اليوم التالي، وربما تنصل البعض من مسؤولية المشاركة في عملية الزرع، باعتبار ان المعارضين "حساد" و"غير اكفاء" لعمل او انجاز مماثل، حسب وجهة نظر رئيسة الفريق. وتشهد الساحة الصحافية السعودية سجالاً بين الدكتورة وفاء فقيه وزوجها الدكتور حسان رفه - طبيب القلب المعروف عضو الفريق - وعدد من الأطباء السعوديين في الاختصاصات كافة، يتميز بطروح وردود أقل ما توصف بأنها "جريئة وجادة"، وأحياناً "غير موضوعية"، على رغم ان الكثير من الاختصاصيين امتنع عن الخوض في التفاصيل أو حتى المعارضة، خوفاً من وجود دعم غير منظور للانجاز الأول من نوعه. وعلى رغم مساحة الرأي والرأي الآخر التي تشهدها الساحة السعودية والتغيير والتطوير السريع الذي تمر به حالياً، إلا أن عملية نقل الرحم خلفت وراءها الكثير من الاسئلة التي لم تطرح علناً حتى الآن، مع ما رافقها أيضاً من اشتباك طبي - إداري لم ينفض بعد. الدكتور حسن باعقيل، الاستاذ المشارك في كلية طب جامعة الملك عبدالعزيز سابقاً رئيس قسم أمراض النساء والولادة في مستشفى الحرس الوطنى في القطاع الغربي، الذي يعد أحد المراجع البحثية في السعودية، حاجج الفريق الطبي في الندوة بمحاولة تطبيق بعض نصوص معاهدة هلسنكي التي تصنف بأنها "ميثاق الشرف الطبي"، على عملية نقل الرحم، وهو لم يجد أياً منها مطابقاً لروح المعاهدة ونصها. والنساء في السعودية بين مؤيد خائف ورافض فرح ل"الانجاز"، على رغم ان العقيمات منهن سجلن اسماءهن في قوائم الانتظار من دون ان يعلمن من سيتبرع لهن ومدى جواز نقل الأرحام وزرعها بين الأحياء، خصوصاً أن العملية هنا اختيارية ومباشرة. وعلى رغم ان مجمع الفقه الاسلامي أجاز عمليات نقل الاعضاء بين ميت وحي وحالات أخرى بين الاحياء، إلا أن عملية نقل الارحام تحتاج الى فتوى واضحة وصريحة، خصوصاً أنها "عملية مرتبطة بعناصر كثيرة"، كما يقول الدكتور ياسر جمال استشاري جراحة الاطفال الاستاذ في كلية الطب في لقاء مع "الحياة"، وهو يعتبر ان عمليات نقل الأعضاء "محددة بأطر ومعايير، إضافة الى اخلاقيات لا يمكن تجاوزها، وما يطبق في الغرب لا يطبق بالضرورة في البلدان الاسلامية بين الاحياء، وفي مقدم ذلك تغيير النوع من ذكر أو انثى". وتابع ان الفريق الطبي حقق سابقة هي الاولى بعدما نجح في توصيل الأوعية و"لكننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لمعرفة ابعاد ما انجز، خصوصاً بعدما تباينت الفتاوى له وأبرزها يعتبره محرماً شرعاً".