من الحقائق البديهيّة عن العقم أنّه مشكلة معقّدة. وفي الشرق الأوسط، وربما مناطق أخرى، تبرع العقلية الذكوريّة في إزاحة المسؤوليّة في المشكلة كي تقع كليّاً على عاتق المرأة. إنّها نظرة مغلوطة كليّاً، إذ تتوزّع أسباب العقم على الرجل والمرأة سويّة. ومن المهم التشديد على تلك النقطة عند الحديث عن أسباب العقم المتّصلة برحم المرأة، كي لا يُنظر للأمر كأنه تأييد لتحميل النساء المسؤولية في تلك المشكلة. ومن البداهة أيضاً القول إن الجسد النسوي له وظيفة متفرّدة في التكاثر، فهو وحده الذي يملك رحماً يتكوّن فيه الجنين وينمو ليصبح وليداً يخرج إلى النور بعد شهور الحمل، ليكون كائناً إنسانيّاً جديداً. ومن تلك الزاوية، يمكن النظر إلى المشكلة التي تحدث حين يكون الرحم نفسه يعاني من المشاكل ما يمنعه من إنجاز وظيفته المتفرّدة في الإنجاب، وكذلك حال غياب الرحم عن جسد الأنثى، بمعنى أنها وُلدِت من دون رحم أو أن تفقده نتيجة حادث أو أصابة بالسرطان أو أن يستأصل لأسباب أخرى. في تلك الأحوال كلها، تكون مشاكل الرحم، أو غيابه كليّاً، سبباً في العقم. وفي سياق حدث علمي شهدته بيروت أخيراً عن تلك المشكلة، طُرِحَت إحصاءات تشير إلى معاناة مئة ألف امرأة من عقم مرجعه مشاكل الرحم أو غيابه، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع التذكير بأنه نوع العقم شبه الوحيد الذي يفتقر إلى العلاج حاضراً. تمثّل الحدث العلمي البيروتي في توقيع اتفاق بين «مركز بلفو الصحي» الجامعي في لبنان من جهة، و«جامعة غوتنبرغ» في السويد. وبذا صار «مركز بلفو» Bellevue Medical Center من المراكز الأولى عالميّاً في خوض غمار الاختبار العلمي المتمثّل بزرع الرحم، بعد السويد والولايات المتحدة. وكذلك كُرّس «مركز بلفو» بوصفه المركز الحصري لذلك النوع من العمليات، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. ويتوقّع أن يبدأ «مركز بلفو» في إجراء تلك العمليات، فور انتهاء الإجراءات الرسميّة المتّصلة بها. وبموجب الاتفاق، يتعاون فريق طبي لبناني مختصّ في التوليد يعمل في «مركز بلفو» مع الفريق الطبي السويدي من «جامعة غوتنبرغ»، في عمليات زرع الرحم. ويساند الطرفين، مجموعة من الأطباء المختصّين في الإنجاب وطب الأطفال وعمليات زرع الأعضاء، والطب النفسي وغيرها. وتتطلب عملية زرع الرحم من النساء المشتركات المرور بإجراءات متعدّدة، والخضوع لتقييم جسدي ونفسي للتأكد من كونهن مؤهلات لإجراء العملية. وبعد زرع الرحم، يصار إلى العمل على عملية الحمل والولادة. وبعد الإنجاب، يجرى نزع الرحم المستزرع تجنّباً لإعطاء متلقيته أدوية تمنع عملية رفض الجسم له، مع الإشارة إلى أن تلك الأدوية لها مضار متنوّعة، خصوصاً تأثيرها السلبيّ في جهاز المناعة. الحياة شرطاً للوهب والتلقي في العام 1999، قاد البروفسور ماتس برانستورم في «جامعة غوتنبرغ» مشروعاً بحثيّاً يهدف إلى منح النساء فرصة إنجاب طفل بيولوجي بمساعدة رحم مزروع. ومن بين الذين جعلوا من الحلم واقعاً الطبيبة السويديّةاللبنانيّة الأصل الدكتورة رندة عاقوري. واستطاع الفريق الطبي للبروفسور برانستورم تحقيق ولادة أولى من رحم مزروع في أيلول (سبتمبر) 2014. وتلتها 4 ولادات أخرى تكلّلت بالنجاح. وجرى تقويم تلك المبادرة العلمية في ما يزيد على 40 مقالاً بحثيّاً. في تفاصيل الاتفاق، أنّ المريضة والواهبة تخضعان لتقويم طبي للتأكّد من أهليتهما لإجراء العملية. بعدها، تنتشل بويضات المرأة التي ستكون متلقيّة للرحم، كي يجري تخصيبها في المختبر. ثم تجمّد البويضات الملقّحة بانتظار زرع الرحم الذي ستزرع فيه. واستطراداً، تفرض عملية نقل الرحم إعطاء أدويّة لمنع رفض الجسم زرع عضو فيه لمدّة تقارب السنة، بهدف التثبّت من قبول الرحم وانتظام عملية الطمث، قبل زرع البويضات فيه. وفي السياق عينه، يفترض ألاّ يتجاوز عمر من تريد وهب رحمها 60 سنة. ولا يحول خضوع المتبرعة لعملية ولادة قيصريّة، وهي تتضمّن شق الرحم جراحيّاً، من دون تبرعها برحمها. وبموجب الاتفاق بين الطرفين اللبنانيوالسويدي، من المستطاع أن تكون المتبرعة من أفراد عائلة المتلقيّة، لكنها يجب أن تفعل ذلك أثناء حياتها. ويعتبر البند الأخير شبه حصري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا. ومن الأرقام المتّصلة بتلك العمليّة أنها نجحت في 5 حالات في السويد، من أصل 9 عمليات زرع ناجحة. ويتصدّر مضاعفاتها المحتملة، إمكان رفض الجسم للرحم على رغم الإجراءات الطبيّة، مع ما يرافق ذلك من التهابات ونزف دموي وغيرها.