حذر مستشار قضائي من مسألة تأجير الأرحام إلا بعد أن تعرض إلى عقول ضخمة وسعة اطلاع لحسم مشروعيتها بعيدا عن العجلة والتشنّج والاستقلال بالرأي، وذلك إلى جانب زراعة الخصية والأوعية الدموية ونقل أصول الخلية والبلازما وزراعة الأنسجة. وفي الوقت الذي يعاني فيه كثيرون من العقم يدفعهم حب البنين إلى الأساليب العلمية كالأنابيب أو اللجوء لتأجير الأرحام، وغير ذلك من أي طرق ووسائل علمية حديثة للظفر بمولود، غير أن بعض الآراء طالبت بضرورة أن تكون هناك هيئة علمية طبية للإفتاء والرد على الاستفسارات التي تختص بهذا النوع من المسائل والقضايا التي تحتاج إلى الرأي الفقهي والشرعي. محمد العتيبي لم يرزق بمولود رغم مرور 20 عاما على زواجه، وقد سمع باستئجار الأرحام في بعض البلدان، ولكنه لا يعلم إن كان ذلك حراما أم حلالا لكونها مسألة معقدة لها تفاصيلها غير المعروفة لدى الكثيرين. يقول العتيبي إنه يعرف عددا من الأسر تعاني من مشكلة الإنجاب أشارت إليه بأن هناك عملية استئجار للأرحام «اتضح لي من خلال حديثهم أنهم أوهموا بحلالها لقصورهم العلمي» ولم يستبعد أن هناك من يلجأ لعباءة الإفتاء من أجل الأبناء. ويطالب حامد المرزوقي، وضيف الله الجعيد بأن تكون هناك لجنة إفتاء علمية لجميع الدول معتمدة في هذه المسائل، خصوصا أن بعض الأسر تذهب لبعض البلدان وتستفتي علماءها وهم لا يعلمون ما هي درجة علمهم بتلك الأمور. ويضيفان: «الفتاوى تتفاوت من عالم لآخر ويجب على الإنسان التأني وعدم الاستعجال» مشيرين إلى أن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات «عملية استئجار الأرحام تكون عادة لأمرين لغاية الكسب المادي من المؤجّر وللبحث عن الأبناء من المستأجر ويقع بالفخ الأول دائما الأسر الفقيرة التي يسهل إقناعها». تجربة ناجحة وبلهجة التفاؤل يتحدث ناصر العتيبي الذي رزق بمولود بعد 20 عاما «لم أترك بابا لم أطرقه بغية الإنجاب، وجبت أماكن كثيرة وحال ما أسمع أن هناك معالجا سواء شعبيا أو عن طريق الطب الحديث انطلقت إليه ما دعاني إلى أن أسافر لإحدى البلدان العربية وكشفوا علي وقالوا لي: إنه يوجد بذرة عقم واحدة ولن أنجب إلا عن طريق الأنابيب وعملت ذلك ورزقني الله بمولود واحد أسميته محمدا». ويضيف أنه قيل له في فترات سابقة يوجد عملية استئجار الأرحام، ولكن سألت عنها وأفتيت بتحريمها، وأحمد الله وأشكره أن يحفظ لي ابني الذي أقر الله به عيني وعين والدته، مشيرا إلى أنه تزوّج من أربع نساء طلبن منه الطلاق بحثا عن الأبناء ولم يتبق لديه سوى زوجته أم محمد. صفات الوراثة الدكتور محمد جداوي اختصاصي نساء وولادة يرى أن استئجار الأرحام تنتقل معه جميع صفات الوراثة ما يسمح لأن يكون الطفل المولود من خلال ذلك منحرفا دينيا وأخلاقيا؛ لكون الصفات نصفها من الوالدين، وقد ثبت أنه أثناء نمو البويضة الملقحة من الممكن أن تضاف بعض الصفات الوراثية إليها من الأم التي تغذيه عن طريق المشيمة من الرحم، حيث إن هناك حمضا نوويا وراثيا «الذي يحمل الصفات الوراثية» ثبت أن وجوده في سيتوبلازم الخلية وليس فقط في نواة الخلية، وهذا الجزء من الحمض النووي ممكن أن يتأثر بالبيئة المحيطة به أثناء نمو الجنين في الرحم وبالتالي يمكن أن يكتسب الجنين صفات وراثية من الأم المؤجرة. تعليل التحريم ويشير الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية إلى أن استئجار الأرحام حرام لعدة أسباب، أولا: الرحم ليست قابلة للبذل والإباحة، بمعنى أن الرحم ليست من الأشياء التي يصح أن يسمح بتمليكها للغير لينتفع بها مثل السيارات والمنازل والطعام والشراب وسائر الأشياء التي يصح أن يتنازل عنها صاحبها لغيره، وهناك أشياء لا تقبل البذل والإباحة أي لا يجوز شرعا لمالكها أن يتنازل عنها لغيره، وأوضح شيء لهذا النوع هو الاستمتاع بالمرأة، فلا يجوز شرعا إلا للزوج فقط، وإذا كانت المرأة محرم الاستمتاع بها بأي لون فإن هذا يؤدي لعدم قابليتها للبذل والإباحة، وما دام الاستمتاع بالمرأة غير قابل للبذل والإباحة، فإن رحمها يكون من باب أولى غير قابل للبذل والإباحة؛ لأن الحكمة من إباحة الاستمتاع بالنساء وجعل ذلك غريزة عند الرجال هو أن يكون وسيلة وضع النطفة في رحم المرأة حتى يستمر النوع الإنساني إلى ما شاء الله، ولا يتصور أن يكون الاستمتاع بالمرأة الأجنبية ثم يباح لرجل أن يضع حيوانه المنوي في رحم امرأة أجنبية لا تربطهما علاقة زوجية، فإن وصول حيوان منوي إلى رحم امرأة أجنبية ليست زوجة له حرام شرعا سواء أكان هذا الحيوان المنوي منفردا أو ملقحا ببويضة. ثانيا: كثرة النزاعات والخلافات بين الناس ويظهر ذلك واضحا في العقود والتصرفات وتأجير الأرحام من أكبر المجالات التي سيحدث فيها النزاعات والخلافات، وحدث فعلا في البلاد التي تمت فيها هذه العملية، فقد اكتشف في إحدى الحالات أن الجنين به عيب خلقي ويمكن علاجه جراحيا وهو في رحم الأم البديلة والعملية الجراحية لا بد أن تخضع لها الأم البديلة التي رفضت الجراحة خوفا على نفسها وأن الاتفاق بينهما لم يتضمن هذا الأمر، وكانت النتيجة أن استمر الحمل وولد الطفل بعيب خلقي ورفض الزوجان تسلمه، وكذلك رفضت الأم البديلة ثم أخذته إحدى شركات التأمين وأودعته بإحدى دور اللقطاء. ثالثا: أن هذا النوع من الحمل يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فقد يحدث بعد زرع البويضة المخصبة من الزوجين في الرحم المستأجرة اتصال جنسي بين الأم البديلة وزوجها فتكون النتيجة وجود حمل مكون من طفلين عند الولادة. من هب ودب يفتي من جهة أخرى يقول الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي للجمعية العالمية للصحة النفسية في الخليج والشرق الأوسط، عضو اتحاد المؤرخين العرب، ل«شمس»: «انتشرت الآن كثير من المسائل على الصعيد الرسمي وعلى الصعيد المستقل، وانتشر هذا عالميا عن طريق الفضائيات والإنترنت والمحمول والإيميل، بل إنه يفتى بالمقابل المادي ومن هذا الباب دخلت بعض المسائل التي لو حصلت في عهد عمر، رضي الله عنه، لجمع لها أهل بدر، ومن هذا المنطق فإنني أتوجه لجميع الدول الإسلامية التي تشرف على الفضائيات وتستقبل الاتصالات العلمية طلبا للرأي والاستشارة أن تخضع فضائياتها في بلادها لحقيقة النص الصحيح والعقل السالم من المعارض، ويكون أيضا هناك مراقبة دورية لضبط ذلك التي كما قلت آنفا دخلها كل أحد. ويضيف اللحيدان: «القضاء والسياسة والإدارة العليا تعتبر مواهب وقدرات لا يملكها كل أحد قارئ، وضرورة أن يكون صاحب العلم على جانب عظيم من الموهبة الربانية أو الموهبة المكتسبة، ويكون هذا بمعرفة العام والخاص ومعرفة المطلق والمقيّد ومعرفة الناسخ والمنسوخ ومعرفة الخاص والعام ومعرفة دلالة اللغة على المراد، ومعرفة حقيقة أوجه الخلاف ومعرفة الراجح والمرجوح بدليله أو تعليله العقلي الصحيح، لاسيما هناك مسائل تحتاج إلى عقول ضخمة وسعة اطلاع، وتأتي بعيدا عن العجلة والتشنّج والاستقلال بالرأي مثل استئجار الأرحام وزراعة الخصية، وكذلك الأوعية الدموية ونقل أصول الخلية والبلازما وزراعة الأنسجة وحقيقة أنواع المساهمات ما يجوز منها وما لا يجوز وكيفية إخراج الزكاة، وكذلك مسألة المتوفى دماغيا هل يحكم بوفاته مباشرة أو يحكم بوفاته إذا برد، فمثل هذه المسائل توجب من جميع الدول أن يكون فيها أعلى درجة عظيمة من الحفظ للآثار والاطلاع على مكنونات الأحكام والمستجدات»