آسية جبار الكاتبة الجزائرية التي اختارت الفرنسية لغة تعبير باتت من الأسماء الأدبية العالمية وخصوصاً بعدما كرّمتها ألمانيا أخيراً مانحة إياها جائزة السلام للعام 2000. من هي آسيا جبار وأي عالم روائي هو عالمها؟ إن كانت الشهرة تقاس بعدد الجوائز التي يحصل عليها كاتب ما، فإن آسية جبار فعلاً كاتبة شهيرة. إذ هي من بين الكتاب العرب ذكوراً وأناثاً، الكاتبة التي حصدت أكبر عدد من الجوائز. لكن آسية جبار ليست على منوال بعض الكتاب الذين يركضون وراء الجوائز بحثاً عن الجاه والمال. فعملها يسبقها ويمثلها. لأنها ما انفكت تقاسم رغباتها وهواجسها جمهوراً عريضاً. وهكذا نالت سنة 1995 على رواية "كم السجن رحيب" جائزة موريس ميتيرلنيك، وجائزة النقد العالمي في بيينالي البندقية على شريط "نوبة نساء جبل شنوة".. وحصلت روايتها "العشق، الفانتازيا" على جائزة الصداقة الفرنسية - العربية. وفازت رواية "ظل سلطانة" سنة 1989بجائزة الأدب لمدينة فرانكفورت. وتوجت جائزة مارغريت يورسونار سنة 1997 روايتها "وهران لغة ميتة". ومنحتها مدينة بالمي الإيطالية الجائزة الدولية. في الشهر الماضي حصلت آسية جبار على جائزة السلام للعام 2000، وهي الجائزة التي يمنحها الناشرون الألمان كل سنة لكاتب أو مبدع. ولدت آسية جبار، اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء إيملاين، في مدينة شرشل في صيف 1936، وهي مدينة تقع على تخوم الجزائر العاصمة. درست أولاً في المدرسة القرآنية ثم الابتدائي في بلدة موزايا قبل أن ترحل الى مدينة لبليدة لمتابعة التعليم الثانوي، ثم الى فرنسا للدراسة في مدرسة المعلمين. أصدرت سنة 1958 روايتها الأولى "العطش"، ثم روايتها الثانية "نافدو الصبر". التحقت بزوجها في تونس الذي كان يعمل في المقاومة السرية. وقرب الحدود التونسية - الجزائرية قامت آسية جبار في وسط اللاجئين الجزائريين بتحقيقات نشرتها في جريدة "المجاهد". وقد شكلت هذه التحقيقات مادة لروايتها الثالثة "النورس الساذج". عملت سنة 1957 في المغرب مدرّسة لمادة تاريخ افريقيا الشمالية في جامعة الرباط. وبعودتها الى الجزائر سنة 1962، نشرت رواية "أطفال العالم الجديد" ثم نص "الفجر الأحمر" سنة 1967، كما قامت بأنشطة عدة سواء منها السينمائية أو الصحافية وأنجزت سنة 1977 شريط "نوبة نساء جبل شنوة"، تلاه شريط "الزردة أو أناشيد النسيان". انتخبت سنة 1999 عضواً في الأكاديمية الملكية البلجيكية للغة والأدب الفرنسي محل الكاتب الراحل جوليان غرين. تدرس حالياً الأدب الفرنسي في جامعة باطون روج في اللويزيانا الولاياتالمتحدة الأميركية بعد أن درست المادة نفسها في جامعتي الرباطوالجزائر. وإن كانت آسية جبار جزائرية المولد والمنشأ، فإنها تنصلت شيئاً فشيئاً من روابط السلالة والأصل لفتح الكتابة على آفاق أكثر كونية، كما تشهد نصوصها الأخيرة وخصوصاً "ليالي ستراسبورغ"، الصادرة سنة 1997. في نتاج آسية جبار التاريخ معين المُخيلة وسند الكتابة. ولكن التاريخ بصفته مادة تعيد الكاتبة تأليفها وتركيبها. نَقِف عند هذا الشاغل في أكثر من رواية وبخاصة في الروايات التالية: "أطفال العالم الجديد"، "العشق، الفانتازيا"، "ليالي ستراسبورغ". أو في نُصوص سردية مثل "بياض الجزائز" أو "وهران لغة ميتة". تدور أحداث رواية "أطفال العالم الجديد" الصادرة عن كريستيان بورغوا، 1962 في ربيع 1956. كانت الجزائر حينها فريسة حرب ضارية فكّكت نسيج المجتمع وفرقت بين الرجل وزوجته، بين الأب وأبنائه. يترك بشير، أحد أبطال الرواية، الجامعة ليلتحق بالمقاومة. يُضحي الجميع بسعادتهم في سبيل الثورة. يفترق علي وليلى كي يتفرغا لخدمة الثورة. ويصفّي حكيم أخته التي تعمل مُخبرة لدى الفرنسيين. تجوب حسيبة 16 سنة الجبال لعلاج الجرحى من المجاهدين. ترافقنا الرواية عبر مسار ومصير الشخصيات التسع التي هي صورة مُصغرة عن جزائر الاستعمار والمقاومة. أما رواية "العشق الفانتازيا" فتنبني على زمنين: زمن يوافق دخول الجنود الفرنسيين في 13 حزيران يونيو 1830، ميناء الجزائر حيث تبقى الباخرة راسية في انتظار استسلام حاكم العاصمة. تصف الرواية ومن دون تقشف اللحظات الأخيرة التي عاشتها العاصمة قبل دخول الفرنسيين. الزمن الثاني الذي تقوم عليه الرواية هو زمن قريب. زمن عائلة الكاتبة حيث النساء سجينات بيوتهن "لم نخرج لا من سجن الماضي البعيد ولا من سجن الماضي القريب، فكيف الخروج من سجن الحاضر؟" رسالة "العشق، الفانتازيا" لا تحتاج الى تشفير. "الجزائر غولة تأكل أبناءها" تصدق هذه المقولة عبر قضية كتاب "بياض الجزائر" 1996. في هذا النص الصادر عن دار ألبان ميشال، تستعيد الكتابة الوجوه الحية لأصدقاء اختفوا في شكل درامي أو حصدهم العنف المسلح مثل ألبير كامو، جان عمروش، فرانز فانون، مولود عمروش، ضحايا المرض أو حوادث السير، أو ضحايا التطرف مثل طاهر جعوط، محفوظ بوسبسي طبيب نفساني اغتيل في 15 حزيران- يونيو - 1993، محمد بوخبزة عالم اجتماع، اغتيل في 27 حزيران - يونيو- 1993، عبدالقادر علولة كاتب مسرحي أطلق عليه مسلحون النار في 11 آذار - مارس - 1993، وتوفي في باريس في 15 آذار، يوسف السبتي شاعر، سعيد مقبال صحافي الخ... إنها تراجيديا قديمة جديدة، ما زالت تلاحق الجزائر. رواية "وهران لغة ميتة" تحوي قصصاً قصيرة تتموقع أحداثها بين لغتين اللغة العربية، لغة التفكير والنطق والفرنسية لغة الكتابة وبين بلدين، الجزائروفرنسا. الازدواجية اللغوية، أو ازدواج اللسان، بين لغتين تتضادان أو تسلب واحدتهما الأخرى هي أحد شواغل الكتابة لدى آسية جبار. في رواية "ليالي ستراسبورغ" الصادرة عن دار آكت - سود تغادر ثلجة، بطلة الرواية، الجزائر الى باريس. تترك الزوج والابن وراءها وتصل الى باريس لتهيئ أطروحة عن قديسة عاشت في القرون الوسطى، تدعى هيراد دولاندزبيرغ.. تتعرف في أحد المقاهي المقابلة لحديقة الليكسمبورغ على شخص في اسم فرانسوا ولا تلبث أن تسقط في عشقه. تلتحق به في مدينة ستراسبورغ لتكتشف في أزقة المدينة حثيث تاريخ صامت ميسمه العنف. وطوال تسعة أيام وليالٍ، يحضر ماضي الأشخاص الذين صادفتهم ثلجة. تاريخ شبيه بتاريخها الفجائعي، حيث لم تتعرف قط على والدها الذي كان مقاوماً وتوفي على جبهة القتال. بعد الليالي التسع التي قضتها الى جانب فرانسوا، تلتحق ثلجة بباريس لتختفي مدة، قبل أن تظهر مجدداً في ستراسبورغ. الحضور، الغياب، الموت، العشق... هي جروح ناتئة على صفحات الرواية. وعليه فإن فضاء الحكي لدى آسية جبار مجال مفتوح على التاريخ بصفته هوية فسيفسائية ما انفكت الكاتبة تسائل ذاكرتها وتعيد تركيب مشغولاتها المعقدة.