كان اسم الكاتبة الجزائرية آسيا جبار مدرجاً دوماً على لائحة الكتّاب المرشحين لجائزة نوبل، لاسيما بعد فوزها العام 2002 بجائزة «السلام» الراقية التي تمنحها ألمانيا خلال معرض فرانكفورت العالمي للكتاب، لكنّ الموت لم يدعها تواصل حلمها بجائزة الأكاديمية السويدية، فرحلت الكاتبة الكبيرة في أحد مستشفيات باريس عن 78 عاماً مساء الجمعة الفائت، وستدفن في بلدة شرشال الجزائرية التي ولدت فيها، بحسب وصيتها. وكانت جبار الكاتبة العربية الأولى تدخل «الأكاديمية الفرنسية» التي تسمى «مؤسسة الخالدين» في فرنسا، بصفتها روائية جزائرية تكتب باللغة الفرنسية، «المضمخة بالدم» كما تعبّر هي نفسها، دم شهداء حرب التحرير الجزائرية. ولئن اختارت هذه الكاتبة اللغة الفرنسية أداة تعبير، فهي لم تتخلَّ يوماً عن قضيتها الجزائرية، التي هي قضية الشعب والنخبة، قضية التحرر والاستقلال، قضية الثقافة والانتماء. تخطت شهرة آسيا جبار حدود المغرب العربي والعالم الفرنكوفوني، فأعمالها الروائية نُقِلت الى اكثر من سبع عشرة لغة، ومنها العربية، لغتها الأم، التي كانت تصر على أن تترجم إليها، عطفاً على الأمازيغية لغة أمها البربرية الجذور. روايتها الأولى «الظمأ» صدرت في العام 1975 وكان لها من العمر إحدى وعشرون سنة، وأدرجت هذه الرواية اسمها في خانة الجيل الروائي المخضرم الذي ضمّ كاتب ياسين ومحمد ديب ورشيد بوجدرة وسواهم. لكنها تميزت عن هؤلاء الكتاب الكبار بمشروعها الروائي القائم أساساً على «معاودة كتابة القرن العشرين كتابة مؤنثة» كما تعبّر. لكن أدبها لم يكن بتاتاً ذا نزعة «نسوية» تهدف الى مواجهة النزعة «الذكورية» أو «أدب الرجال». أدب جبار لا يمكن تصنيفه في خانة «الجنسانية» أو «الجندر» وإن طغت هموم المرأة الجزائرية عليه، فالمرأة لديها تحضر كإنسان وكائن، وكضحية اجتماعية جلاّدها الرجل والسلطة والمجتمع... حتى الرجل يحضر أيضاً لديها بصفته إنساناً وإن كان متسلطاً. وكان لا بد من أن يقترن اسم آسيا جبار بجمعها بين الأدب والنضال في سبيل تحرير المرأة الجزائرية والمغاربية والعربية، وكان نضالها إنسانياً لا سياسياً، يوازيه نضالها من أجل السلام والعدالة والحق. عندما ولدت آسيا جبار عام 1936 كانت تحمل اسماً آخر هو فاطمة زهرة، ولم تبدّله إلا عندما أصدرت روايتها الأولى بالفرنسية «الظمأ» عام 1957 في باريس، لكنها لم تختر اسماً أجنبياً بل أصرت على اسم عربي آخر يحميها من مغبة فشل العمل الأول. وهي كانت درست القرآن الكريم في الكتّاب البلدي مع الأطفال، وعادت لاحقاً الى دراسة اللغة العربية لتحافظ على علاقتها بعالمها الأول. روايتها الثانية «نافدو الصبر» صدرت في باريس أيضاً عام 1958، وتميزت مثل الأولى بطابعها الاجتماعي وبرغبة المؤلفة في إبراز «الذات» وجعلها في مهب عواصف الحياة. ودارت الروايتان في الأجواء الأولى للحرب الجزائرية التي هيمنت لاحقاً على بعض رواياتها. في العام 1962 أصدرت رواية «أطفال العالم الجديد»، وفي 1967 روايتها الرابعة «القبرات الساذجة» وفيها تثور البطلة الشابة على السلطة الأبوية. وعلاوة على إبداعها الروائي عملت جبار في الحقل السينمائي والمسرحي، وسعت من خلال الكاميرا إلى أن تدخل عالم الناس العاديين والأميين والمزارعين. وحاز فيلمها الأول «نوبة نساء جبل شنوة» عام 1979 الجائزة الدولية في مهرجان البندقية. وفاز فيلمها الثاني «زردا أو أغاني النسيان» بجائزة أفضل فيلم تاريخي في مهرجان برلين السينمائي عام 1982. كتبت آسيا جبار روايات وقصصاً كثيرة، إضافة الى البحوث الأكاديمية والمقالات. ومن أعمالها: «نسوة مدينة الجزائر في مسكنهن» (1980)، «الحب والفانتازيا» (1985) التي افتتحت بها «رباعية الجزائر»، وقد ضمت «ظل السلطانة» (1987) ورواية «بعيداً من المدينة» (1991) ثم رواية «وقائع صيف جزائري» (1993). في 1995 أصدرت رواية «واسع هو السجن» ثم تلتها رواية «الجزائر البيضاء» (1996) و «وهران، لغة ميتة» (1996) و «ليالي ستراسبورغ» (1997) و «امرأة بلا قبر» (2002).