وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد على نقد ابرام شبيرا ل"تطور قضية الأشوريين في العراق". لو نظر الى الكتاب راضياً "لكن عين السخط تبدي المساويا"
نشر في الحياة يوم 01 - 06 - 2000

في عدد جريدة "الحياة" بتاريخ 2/2/2000 نشر الكاتب الأشوري الأثوري ابرام شبيرا مقالاً في نقد كتاب لي عن تطور قضية الأشوريين في العراق، بصفتها حدثاً مهماً في مسيرة التاريخ السياسي العراقي، وهي كانت استأثرت باهتمام الرأي العام الأوروبي عموماً والبريطاني خصوصاً وباهتمام الحكومات العراقية المتعاقبة في العقد الأول من تاريخ المملكة العراقية 1923- 1933.
وكان لب المسألة بالنسبة الى الرأي العام الغربي دعوى حماية الأقليات السكانية في العراق، ولاسيما المسيحية منها، والأشوريين بصفة أخص.
ولأن بريطانيا كانت السلطة العسكرية المحتلة للعراق ثم الدولة المنتدبة عليه، فوضت إليها عصبة الأمم، وقتذاك مهمة حماية الأقليات في العراق وعلى رأسهم الأشوريون. أما بالنسبة الى الحكومة العراقية فكان محور المسألة السعي إلى إيجاد الحلول السلمية لتوطين مَن وفد من الأشوريين الى العراق خلال الحرب العالمية الأولى واستقرارهم فيه.
وكان موضوع كتابي استعراض تاريخ تطور هذه القضية بالنسبة الى الجهات الثلاث المعنية وهم: الأشوريون والبريطانيون وحكومة العراق وتقويم أدوراهم وتصرفاتهم والحكم لهم أو عليهم بحسب فهمي وتقويمي للأحداث، وبحسب ما ينتهي إليه اجتهادي واقتناعي كعراقي عربي.
ولأن الرأي لا ينقض بمثله، كان من حق الأستاذ الناقد، وهو عراقي أشوري، أن ينقد الكتاب ويصحح لي اجتهادي في فهم الأحداث وتفسيرها، وأن يدلي برأيه واجتهاده في فهم تاريخ قومه، وأن يعلن للناس ما وصل إليه بحثه وتفكيره، ولكن كان من الممكن أن تكون أفكاره، أقل انحيازاً فأكثر حيدة وموضوعية، لو خلا مقاله مما اعتوره من سخط وغيظ وغضب وانفعال، فانتهت به الى شطط في الأحكام وتسرع في الاتهام، ونأت به عن النهج التاريخي الصحيح. لذلك كان لا بد من هذا الرد تصحيحاً أو توضيحاً لما ورد في مقاله من تجن وبهتان وإثارة للضغائن والأحقاد، كأننا عدنا الى ثلاثينات القرن الماضي.
أول ما يلاحظ أن الكتاب، موضوع المقال، يقع في 331 صفحة تتضمن أحد عشر فصلاً إضافة الى مقدمة من 16 صفحة. لكن الأستاذ الناقد أغفل هذه الفصول وما فيها من إيجابيات وقصر نقده أو سخطه على نقاط محددة قليلة في أماكن مختلفة من الكتاب لا يتجاوز مجموع صفحاتها - أن جمعت - العشر أو العشرين، شارحاً سلبيات هذه النقاط ومتجاهلاً ما في بقية الكتاب من إيجابيات، عدا إشارة عابرة وحيدة إليها إذ قال: "أوقع المؤلف نفسه في تناقض كبير يقوم على الإيجاب والسلب، ويتمثل جانب الإيجاب في قدرة المؤلف على تحليل المراجع العراقية الرسمية المعتمدة، ثم الوصول الى نتائج موفقة في فهم السلوك السياسي للنخبة الحاكمة تجاه القضية الأشورية".
وبعد هذه الإيجابية الوحيدة في كل محتويات الكتاب ينهال علينا الأستاذ بسيل من اللوم العنيف والاتهام الباطل فيقول: "أما الجانب السلبي لمحتوى الكتاب فيتمثل في إخفاق الكاتب المؤلف في فهم أصل وتاريخ الأشوريين، وعجزه عن استيعاب جوهر المسألة الأشورية، وفهم جذورها وإدراك أهدافها الحقيقية، لا بل وتجاوزه في أحيان كثيرة الى حدود الإساءة والتجريح لهم ولتاريخهم ولزعامتهم الدينية والقومية، وهي نتيجة منطقية وحتمية توصل إليها الكاتب المؤلف، بسبب اعتماده الكلي على المراجع المعادية للأشوريين، وإغفاله للمراجع الأشورية والمحايدة. مما يفقد الدراسة موضوعيتها ويحرفها الى جانب واحد بعدما تكون قد فقدت أهم جوانبها، المتمثلة بالحس الأشوري".
الانفعال
يؤسفني حقاً أن يذهب الانفعال بالأستاذ الناقد هذا المذهب العنيف والبعيد عن الحق والصواب، بل والموغل في الجحود ونكران الواقع. فمن يقرأ هذا النقد الساخط يظن - ومن دون شك - أن كتابي جارَ في أحكامه على الأشوريين، وتعمّد الطعن فيهم وفي تاريخهم وقضيتهم، في حين أن واقع الحال عكس ذلك تماماً. فقد كنت في صف الأشوريين في أغلب الأحيان مندداً بإجراءات الحكومة ضدهم، من دون أن يعني ذلك تبرئة كل أعمال جميع الزعماء الأشوريين من الخطأ، والخطأ الجسيم في بعض الأحيان، فتبرئتهم من الخطأ هي الخطأ الجسيم نفسه، ثم إن هذا لا يعني أبداً أن أخطاءهم - كبرت أو صغرت - كانت تستحق ما أوقع بهم من عقاب.
ولعل في الفقرة التالية الواردة في آخر مقدمة الكتاب التوضيح الكافي لمنهجي في البحث وهدفي منه إذ قلت: "بعد هذا، فأنا لا أدعي أن بحثي هو الأكمل والأفضل، فأنا - كما قلت - لم أطلع إلا على ما قدمت ذكره مما كتب حول الموضوع. وعلى هذا فأنا لا أدعي إن ما توصلت إليه هو الحقيقة، وأن لا حقيقة غيرها، وإنما أقول إن دراستي وفهمي لوقائع الأحوال وظروف الأحداث قد قادتني الى قناعات واجتهادات حاولت فيها أن أقترب من الحقيقة جهد ما أستطيع ومن يفعل ذلك لا بد أن ينحاز ضد التعسف وحكم العسكر واستبداده، لذلك لم أكن كما قال بعض من اطلعوا على مسودات هذا الكتاب محامي الدفاع عن الأشوريين وعن البريطانيين بل كنت كدأبي دوماً محامي الدفاع عن حرية الرأي والعقيدة وعن العدالة والشرعية، وسيادة القانون والديموقراطية في العراق، وفي كل بلاد العرب. هذا موقفي واجتهادي فإن أحسنت فيه أو أخطأت فإني لم أعدم أجر المجتهدين الصادقين. وليلم بعد ذلك من يلوم..." أ.ه.
وبعد هذا الكلام الواضح الصريح يمعن الأستاذ شبيرا في اللوم العنيف والسخط الغاضب ويتجاوزهما الى التجريح والاتهام الصريح، فلا تريه عين السخط والغضب إلا مساوئ الكتاب، أو ما يسميه سلبياته فقط. فما هي دواعي السخط وأسباب الغضب والاتهام؟
هي- كما قالها الأستاذ الناقد - الابتعاد عن المصادر الأشورية أو المحايدة، والاعتماد على المصادر المعادية للأشوريين ما أدى الى تكرار أخطاء المؤرخين السابقين وسنعرض لهذه الأخطاء المزعومة بعد حين، وبعد أن نعرج فنبحث في أمرين: الخطأ في كتابة اسم الأستاذ شبيرو، وهو ما نأسف له أشد الأسف، ونرجو ألا يتكرر مرة ثانية، والغمز والتلميح إلى طبعات الكتاب.
وهذا الأمر، وإن يبدو هامشياً خارج الموضوع، إلا أنه ذو شأن عظيم للباحثين في أزمة الكتاب العربي ولمن ابتلاهم الله بالتعامل مع ناشري الكتب. فقد لاحظ الأستاذ الناقد تعدد الطبعات الأولى لهذا الكتاب، وكانت آخرها تلك التي وقعت بين يدي الأستاذ الناقد والتي نشرتها "دار الموسوعات العالمية"، فإذا صح اسم الناشر ولم تكن دار الموسوعات العالمية هي دار الموسوعات العربية، فتكون هذه الطبعة هي الطبعة الأولى الثالثة.
أما قصة أولى طبعات الكتاب فتولى طبعها - كما ذكر الأستاذ الناقد - في الولايات المتحدة الأميركية السيد رئيس المؤتمر القومي الأشوري ونشرت هناك، وعلى ذمة الأستاذ شبيرا، على نطاق واسع.
ولم يكن لي - وحتى يومنا هذا - شرف التعرف الى السيد الرئيس وإنما كان صلة الوصل بيننا صديق مشترك لكلينا. فرأى أن خير من يطبع مثل هذا الكتاب عن الأشوريين هو رئيس مؤتمرهم القومي فوافقت على الاقتراح، وبعد مراسلات قصيرة، أرسلت الى السيد الرئيس مسودات الكتاب من دون نقاش أو مساومة على الحقوق ترفعاً مني عنها واحتراماً مني لمركزه وصلته بصديقي. وكانت كل بغيتي عدد معقول من النسخ أوزعها على الأصدقاء، وكنت على يقين من أن السيد الرئيس سيتفضل عليّ بذلك من دون أن أطلب منه ذلك. ولكن، ومع الأسف، لم يرسل إلي إلا ثلاث نسخ، ثم أعطى صديقاً لي عشر نسخ لم تصل إلي منها إلا خمس فقط.
وعلى رغم رجائي منه وطلبي أن يرسل أعداداً أخرى من النسخ، إلا أن السيد الرئيس حفظه الله ورعاه، أهمل كل طلباتي ولم يتفضل حتى بالرد عليّ. ولانعدام الكتاب في السوق ولإلحاح الأصدقاء عليّ بإعادة طبعه، كلّفت ومنذ ثلاث سنين، مدير "إدارة الموسوعات العربية"، فوعد بإنجاز العمل، لكن السيد المدير - كالسيد الرئيس لم يتفضل - وحتى الآن - بإخباري هل طبع الكتاب أم لا.
أما "دار الموسوعات العالمية" فلا علم ولا صلة لي بها، ولم أعلم بنشرها للكتاب إلا عن طريق مقال الأستاذ شبيرا، لذلك فإن ما بين يديه هو الطبعة الأولى الثانية أو الثالثة.
بعد هذا الإيضاح الذي قد لا يخلو من عبرة وفائدة، نعود الى صلب الموضوع. ذهب الأستاذ الناقد الى أن مصدر سلبيات كتابي هو اعتمادي كلياً على المراجع المعادية للأشوريين وإغفالي ما كتبه الأشوريون عن تاريخ قضيتهم، وأنني اعتمدت كتاب المستر لونكريك، وكتاب الأستاذ رشيد الحيدري، ولم أطلع على كتاب المستر ستافورد المعنون "مأساة الأشوريين" والصادر عام 1935 على رغم توافره. وكذلك عدم اطلاعي على الوثائق البريطانية.
أما عن المستر ستافورد وكتابه فكان هذا الرجل أحد الموظفين البريطانيين العاملين في وزارة الداخلية في العراق، وقد تهيأت له - بحكم وظيفته مفتشاً إدارياً في لواء محافظة الموصل - أن يشهد الأحداث الأشورية عن كثب، بل وأن يشارك في بعضها مع الأشوريين أو ضدهم، فلما انتهى عمله في العراق عاد الى وطنه فكتب كتابه هذا عام 1935.
ومذ بدأ اهتمامي بدراسة تاريخ العراق السياسي الحديث قبل نحو خمسين عاماً وأنا أحاول العثور على هذا الكتاب، لا للرغبة في الكتابة عن الأشوريين، فهذا أمر لم يخطر لي إلا أخيراً، وإنما للرغبة في جمع ما كتب عن العراق باللغة الإنكليزية. لكني لم أتمكن من العثور على نسخة منه، فقد منع دخوله العراق ونفدت نسخه من الأسواق ولم أجده حتى عند باعة الكتب المستعملة في لندن وإكسفورد.
ولكن بعد صدور كتابي عن الأشوريين تفضل صديقي المفضال الأستاذ نجدة فتحي صفوة فأهداني مشكوراً نسخة مصورة من هذا الكتاب، فلما قرأتها لم أجد فيها بوناً شاسعاً أو اختلافاً جذرياً بين ما كتبته أنا وما كتبه المستر ستافورد، ولعل سبب ذلك، على ما أعتقد، اعتمادي كتاب الأستاذ الحيدري الذي اتضح لي أنه نقل جل معلوماته عن المستر ستافورد.
أما المستر لونكريك فكان من الموظفين البريطانيين العاملين في وزارة الداخلية العراقية وهو مؤرخ ثقة مشهور، وله كتاب "العراق في أربعة قرون" ثم كتاب "العراق بين 1900- 1950" الذي سجل فيه تاريخ العراق من وجهة نظره خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهو الذي يصفه الأستاذ الناقد بأنه من الكتاب الحكوميين وأنه لم ينصف الأشوريين، ولم يتأثر بدمائهم التي سالت هنا وهناك.
وموقف الأستاذ الناقد من كتاب المستر لونكريك يدعو الى الدهشة والعجب. فما كان المستر لونكريك ضد الأشوريين، ولا كان معهم، وإنما كان مع حقائق الواقع، كما كانت تتراءى له من خلال موقعه في وزارة الداخلية أثناء الأحداث، وليس من شك في أن بعض تلك الحقائق لم تكن في مصلحة الأشوريين، ولعل هذا السبب أثار غضب الأشوريين عليه.
فلا عجب بعد هذا أن يصل الأمر عند كاتب معروف هو السيد سليم طه التكريتي مترجم الكتاب الى حد خيانة الأمانة العلمية. ففي ترجمته غير الدقيقة لكتاب "العراق بين 1900- 1950" لمؤلفه المستر لونكريك، حذف المترجم التكريتي كل ما أورده المؤلف من آراء وأخبار عن قضية الأشوريين مما لا يتفق مع الرأي الرسمي الحكومي، ثم الرأي الوطني التقليدي ثم الرأي البعثي العربي، ثم رابعة الأثافي - إن كان في الأثافي رابعة - أي الرأي التكريتي، وهو ما نعنيه بخيانة الأمانة العلمية.
ولعل الكاتب الناقد اطلع على الترجمة العربية لهذا الكتاب فكوّن رأيه الخاص - ولا نقول الخاطئ - عنه. وأياً يكن من أمر فالمستر لونكريك - وكما قلنا قبلاً - مؤرخ مشهور فهو في طبيعة الحال يرى الوقائع والأحداث من غير الزاوية التي ينظر منها الأستاذ الناقد وعموم الأشوريين. لعل هذا هو سبب نقمتهم.
وبعد هذا ننتقل الى مصدر آخر من مصادر بحثنا، وهو كتاب "الأشوريون" لمؤلفه الدكتور رشيد ناجي الحيدري الذي كان جل اعتمادنا عليه، والذي أثار غضب الأستاذ شبيرا وسخطه على الحيدري وعلينا معاً.
وكتاب الحيدري رسالة نال عنها شهادة الماجستير في التاريخ، ولم أكن أعرف شيئاً عن هذا الكتاب حتى أعارني إياه صديق فاضل، فوجدت فيه معلومات تاريخية عن تاريخ الأشوريين نافعة ومفيدة لنا على الأقل، وشرحاً لتطورات القضية الأشورية في العراق بعيداً من الحيدة والموضوعية، ومنحازاً في شكل ظاهر عن جانب الأشوريين الى جانب الحكومة، ومتبنياً في أكثر الأوقات الرأي الحكومي الرسمي، ومدافعاً عن أعمال الحكومة وتصرفاتها على رغم ما في أكثرها من خطأ واضح وضلال مبين، وملقياً باللوم على الأشوريين دوماً على رغم ظهور الحق والصواب في بعض مواقفهم. وبمنهاجه هذا ساعد الدكتور الحيدري على رسوخ الأفكار الرسمية عن هذه الأحداث التي ولدت رأياً عاماً مضللاً على أساس أنه الرأي الوطني القومي الصائب السليم.
وبمقدار مانفعتنا معلومات السيد الحيدري عن التاريخ الحديث للأشوريين أغاظنا تبنيه الأضاليل الحكومية وعجزه عن تمييز الصحيح الصائب من الخطأ الباطل، فدفعنا ذلك الى الكتابة رغبة منا في تصحيح الأخطاء والأوهام، وإزالة ظلمات التعتيم والكتمان عن حقائق الأحداث وتقويم الأفكار والآراء، ثم بيان ما جره تعسف الحكومة في معالجة قضية الأشوريين لا من ضحايا ومآس فحسب بل ومن أثر وخيم على مسيرة السياسة العراقية بأجمعها منذ ذلك الحين، وحتى هذا اليوم، نتيجة ما أدى إليه من عسكرة السياسة وتسييس العسكر.
أما عن الميول السياسية للسيد الحيدري فإننا لا نعلم عنه وعنها شيئاً وكل ما استطعت استشفافه من كتابه أنه من إخواننا الأكراد، لذلك فلم يكن على حياد في سرد أحداث قضيتهم. أما بعثيته فما هي بالشيء البعيد الاحتمال، فما من أحد يقطن جنة العراق اليوم يستطيع أن يتظاهر بغير البعثية، فكيف بأستاذ جامعي مثل الحيدري، وقد أسلفنا القول في كل هذا في مقدمة الكتاب فنقدنا الحيدري وقلنا إنه حاول الحيدية والموضوعية في بحثه وأحكامه، ولكن مالت به عن النهج التاريخي الصحيح مشاعره الوطنية، وإن صح ظني - عواطفه الكردية - ثم غلبه التفسير التآمري للأحداث الذي لا تفسير غيره لأحداث التاريخ عند العراقيين، وهو التفسير الرسمي للحزب الحاكم اليوم في العراق، ليس في مقدور الحيدري الخروج عنه حتى ولو أراد.
من التحليل السالف للمصادر تتضح للقارئ فداحة التعسف في نعتها بأنها معادية للأشوريين مع استثناء بسيط بالنسبة الى كتاب السيد الحيدري الذي نقل أكثر معلوماته عن المستر ستافورد لكنه تبنى وجهات نظر "ملك خوشابه" وهو من الزعماء الأشوريين المناوئين للمارشمعون وجماعته، عدا عن أخذه أكثر معلوماته عن المستر ستافورد المرضي عنها.
مراجع اخرى
لكن هناك مراجع أخرى اعتدمتها في تأليف الكتاب لم يذكرها الناقد إلا في سطر أو سطرين من مقاله. فليس من باب المدح و إنما من باب بيان التناقض الذي أوقعت نفسي، كما تقدم، أنني شعرت بقصوري لعدم الإلمام الكافي بكل ما كتب عن الموضوع، فقلت في مقدمة الكتاب.
وبعد هذا وقبله، صدرت أبحاث وكتب عدة عن الموضوع في اللغتين العربية والإنكليزية ولغات أخرى، وأسهم بعض الكتاب الأشوريين العراقيين أيضاً في كتابة تاريخ قضيتهم، ولم يقدر لي الاطلاع على أي منها. وأعترف بأن الوثائق البريطانية مصدر أساسي في فهم تلك المرحلة، وإن إغفال الاطلاع عليها ودراستها يسم كل بحث عن تاريخ العراق بالقصور وعدم الشمول وهو ما يسم بحثنا هذا أيضاً. وبعد هذا كله، فإن عين السخط أبت أن ترى إيجابيات الكتاب وإنما ركزت النظر على ما يدعيه الأستاذ الناقد من سلبيات.
فما هي هذه السلبيات؟ هي:
1- أننا لم نؤيد ونؤكد ما يصر عليه الأشوريون أنهم أحفاد مملكة آشور التي قامت في شمال العراق قبل زهاء ثلاثة آلاف سنة، وهذا يعني أنهم من أوائل سكان العراق وليسوا بالوافدين عليه.
والواقع أننا لم نؤيد أو ننف هذا الزعم، وإنما قلنا إن الأشوريين سكنوا العراق منذ نحو عشرين قرناً، وإن المؤرخين اختلفوا على الأصل الأشوري للأشوريين، وكانت الانتماءات السياسية والولاءات الدينية والعواطف القومية تطغى عند بعضهم على البحث العلمي الموضوعي، لذلك فلم ترجح كفة على أخرى، وسيظل الأمر بحثاً أكاديمياً صرفاً. وليس في رأينا هذا محاباة أو معاداة ولا سلبية أو إيجابية، وهو رأي المستر ستافورد أيضاً ص15 و18. علماً أن المشكلة الأشورية التي ثارت في عشرينات القرن العشرين وثلاثينياته لم تكن هؤلاء الأشوريين سكنة العراق القدامى، وإنما مع فئة من الأشوريين كان موطنهم في جبال حكارى، التي أصبحت جزءاً من تركيا فجاء بهم الإنكليز إلى العراق خلال الحرب العالمية الأولى. ولم تكن المشكلة مع هؤلاء هي أنهم عراقيون أقحاح أم غير عراقيين، وإنما كانت المشكلة التي ورثتها الدولة العراقية عند تأسيسها هي إيجاد أراض كافية ومناسبة لإسكان هذه الفئة الى جانب إخوانهم من أشوريي العراق. وقلنا في متون الكتاب وخلال صفحاته الكثيرة إن المشكلة كانت في طريقها الى الحل المرضي للطرفين لو لم تستجد ظروف سياسية داخلية دفعت بالأمور الى نتيجتها المأسوية. فأين السلبية والتجريح في هذا الكلام؟
2- يتهمنا باتخاذ الموقف السلبي منه، هو تحجيمنا - على حد قوله - الأشوريين في الطائفة النسطورية وتجاهلنا الطوائف والمذاهب الدينية الأخرى لدى الأشوريين وذهب الأستاذ الناقد يضرب أمثلة لا تخلو من تجريح وتضليل.
فالرد على هذه النقطة أننا لم نأت بهذا القول من عندياتنا ولم نختلقه اختلاقاً وإنما هو رأي غالبية المؤرخين.
فقد عرف الأشوريون من قديم الزمان بالنساطرة، ويؤيد المستر ستافورد - المرضي عنه - هذا الرأي ويذهب الى أن كنيسة المشرق اعتنقت المذهب النسطوري، وما زال الأشوريون يتبعون هذا المذهب حتى عرفوا أحياناً بالنساطرة ص20.
وما يؤيد هذا الرأي أن المارشمعون، وهو لقب يطلق على الرؤساء الدينيين والزمنيين للأشوريين، يلقبون أنفسهم ب"بطريرك المشرق ورئيس الكنيسة النسطورية". ستافورد ص99.
ويمضي الأستاذ الناقد الى القول إن التأكد من هذه النقطة كون ليس كل الأشوريين نساطرة كان متاحاً للمؤلف، خصوصاً أن الناشر الأول للكتاب، هو آشوري معروف... وردي المتواضع على هذا القول إنني لم ألتق الناشر ولم أكلمه كما بينت قبلاً، ثم إنه لم يتدخل في مضمون الكتاب إلا في حال واحدة هي حذف كلمة "التياريين" في السطر الثاني من الصفحة الأولى من المقدمة، وترك مكانها خالياً ولعله لم يفطن الى الخطأ التاريخي الجسيم في نسبة كل الأشوريين الى النسطورية، أو لعله فطن إليه ولم يرَه جديراً بالاهتمام. وعلى كل حال، إن كان ثمة لوم، فإنما يقع على السيد الناشر.
3- وثالث ما يؤاخذنا عليه الأستاذ شبيرا، وصفنا المارشمعون بنيامين بالضعف، وهذا خطأ منا نعترف به، فقد كان على خلاف سلفه وخلفه الضعيفين، رجلاً شجاعاً مقداماً إلا أنه - ومن الجهة الثانية - كان شاباً، تولى في حدود العشرين من عمره، معتزاً برأيه عنيفاً ضد معارضيه. فعندما عارض بعض رجاله قراره دخول الحرب العالمية الأولى مع الروس والحلفاء أقدم على قتل هولاء المعارضين، وبينهم إخوته وأهل بيته. ما أدى الى نزوح الأشوريين من بلادهم. ولم يستمع الى نصائح المقربين منه بعدم تلبية دعوة أحد الزعماء الأكراد له لارتيابهم في نياته، إلا أن المارشمعون ركب رأسه وأصرّ على تلبية الدعوة، فكانت النتيجة اغتياله ونحو 300 من أتباعه، ومن ثم قيام غزوات انتقامية بين الأكراد والأشوريين.
4 ورابع المآخذ تقويمنا دور آغابطرس، وهو أحد الزعماء الأشوريين من غير النساطرة، وكان على خلاف حاد مع المارشمعون وصحبه، ولم يكن يتمتع بثقة واحترام من جميع الأشوريين. وقد أقدم على حركة عسكرية جريئة كادت تحقق له النصر، لولا ظروف طبيعية صعبة. والأستاذ الناقد ينفي صلة الإنكليز بحركته، في حين أن ضباطاً منهم حاربوا معه، لكنهم تخلوا عنه لا لأسباب مذهبية وغيرها، وإنما بسبب قيام ظروف سياسية جديدة اقتضت قيام ولاءات سياسية جديدة، لا يتسع المجال هنا لشرحها. وهذه حقائق تاريخية لا مغالطات كما يزعم الأستاذ الناقد.
أما موضوع الليفي الأشوريون المجندون فهو بحث يطول، فإذا ذهبنا مع الأستاذ الناقد من عدم ضلوع الأشوريين في قمع الثورة العراقية في الجنوب، فلا يستطيع ولا نستطيع أن ننكر دورهم في احتلال مدينة بعقوبا ونهبها، وإذا تجاهلنا هذا الحادث أيضاً، فما الرأي في أحداث كركوك وأحداث الموصل؟
وهناك موضوع إسكان الأشوريين، وهي من النقاط التي ينتقدها الأستاذ شبيرا ويقول عنها "إنها مسائل تتطلب صفحات طويلة... ولكن المؤكد أن ما أورده الكاتب المؤلف فيه الكثير من المغالطات التي أوردها غيره من المؤرخين العراقيين".
وإننا إذ نتفق مع الأستاذ الناقد على أهمية هذه النقطة واحتياج شرحها الى صفحات كثيرة، فإننا في الوقت نفسه نذكّره بأننا خصصنا أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب لشرح هذه المسألة وعقابيلها. لكن الأستاذ الناقد يسم بحثنا هذا بالمغالطات من دون أن يدلنا الى المغالطات التي يدعيها والتي حتى إن وجدت هي في الحقيقة اختلاف في وجهات النظر بسبب اختلاف زاوية الرؤية، وقلنا قبلاً أن قضية إسكان الأشوريين الوافدين الى العراق خلال الحرب العالمية الأولى، كانت هي لب المسألة بالنسبة الى الحكومات العراقية.
عصبة الأمم
وكان قرار عصبة الأمم، وكما قال الأستاذ شبيرا، هو إسكان الوافدين في وحدة اجتماعية واحدة، أي إلى جوار الأشوريين الساكنين في العراق من قبل. ولكن ما حال دون تطبيق هذا القرار على وجهه الأكمل عدم وجود أراض كافية لإسكان الوافدين الجدد الى جانب بني قومهم. لذلك اضطرت الحكومة العراقية الى إسكانهم في بقع متعددة ومتقاربة في ما بينها وما بين رفاقهم القدامى. ووافق بعض زعماء الأشوريين على هذه الحلول، وخالفها آخرون.
وهنا لا بد من ذكر أمرين اثنين جاء بهما الأستاذ شبيرا: الأول عدم صلاحية الأراضي والأماكن الممنوحة للأشوريين الى السكن، وهذا أقول فيه بعض الحقيقة لا الحقيقة كلها، إذ إن واقع الأمر أن تلك الأراضي - وكما قال المستر ستافورد - لم تكن أكثر سوءاً من أراضي الأكراد المجاورة لهم بل وحتى أراضي العرب في جنوب العراق.
والأمر الثاني عدم الإنصاف في اتهام الحكومة العراقية بتبييت النية على الانتقام من الأشوريين. فالواقع أن الحكومات العراقية المتعاقبة، وعلى رأسها المغفور له الملك فيصل الأول بذلت كل جهدها لحل مشكلات الإسكان بالحسنى والتفاهم. ولم تشذ عن هذه القاعدة إلا حكومة رشيد عالي الكيلاني الذي دفعه ما يملأ نفسه من طموح غير مبرر، وما في طبعه من اندفاع وجموح الى التخبط في سياسته وخروجها عن النهج الوطني الى المبالغة في تصوير تصرفات الزعماء الأشوريين لغرض إلهاء الرأي العام العراقي لإبعاده عن النظر في واقع حال الوزارة البائس.
وكذلك فليس من الإنصاف ولا من حقائق التاريخ وصف كل رجال الحكم في العراق وقت ذاك بالطغمة الغاشمة وبقايا الحكم العثماني، فقد كانوا أو أكثرهم، رجالاً أخلصوا للوطن والشعب وبنوا بسواعدهم ممكلة يتأسف الآن على زوالها حتى هادموها.
ومع هذا فإن كان هذا رأي الأستاذ شبيرا في الحكم السابق، فليس لنا إلا أن نبارك له بزوال تلك الطغمة الغاشمة الفاسدة وبتنعم العراق قاطبة بحكم الفئة الرحيمة الصالحة التي أخرجت الكاتب وملايين العراقيين أمثاله وشردتهم في أرجاء الأرض.
وكما قلنا، فهذه السلبيات وتكرار أخطاء المؤرخين لم تستغرق من الكتاب إلا عشر صفحات أو أكثر قليلاً. فما بال الأستاذ الناقد يغفل القول عن بقية الكتاب وهي 300 صفحة؟، وكلها تناقش مواقف الجانبين، الأشوري والعراقي، وتوضح ما فيه من خطأ أو صواب، وما فيه من حق أو باطل. ولا بد لدراسة موضوعية مثل هذه من أن تثير السخط والغضب عند هذه الجهة أو تلك، عند ذكر أخطائها. لكن حصيلة الكتاب كانت في نقد تصرف وزارة الكيلاني ونعتها بالرعناء أو الغبية، لا إرضاء للأشوريين ولكن لأن هذا ما انتهى إليه اجتهادنا، وكنا نرجو أن يمنحنا الأستاذ شبيرا عين الرضا فنكل عن كل عيب، لا عين السخط التي لم تستطع أن تبدي شيئاً من المساوئ.
وختاماً نتقدم بالاعتذار من الأستاذ شبيرا على ما وجد في كتابنا من سلبيات لم نقصد بها إلى الإساءة والتجريح، ونتقدم منه بالشكر أصالة عنا ونيابة عن الناشرين، إذ أتاح لهم فرص إعادة طبع الكتاب في طبعات أولى متوالية.
*مستشار قانوني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.