النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    "موديز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "aa3"    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الأخدود والشباب    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جولة على قرى الشريط الحدودي في جنوب لبنان حتى شبعا . جو قلق وترقّب ... وتميز في المواقف من انتشار السلطة
نشر في الحياة يوم 21 - 05 - 2000

السؤال المطروح اليوم: ماذا سيحصل في الشريط الحدودي المحتل بُعيد انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان في الأسابيع القليلة المقبلة؟
المسألة لا تحتمل الانتظار والوقت قصير، والإجابة غير ممكنة بعيداً عن أبناء الوطن المعذب هناك.
من تلال العرقوب ومزارع شبعا الباحثة عن شرعيتها في أروقة الأمم الباردة، الى المياه الدافئة في المتوسط حيث الزرقة بلون الشرايين المسحوبة من الاغتراب والهجرة، ثمة لبنان صغير يحوي كل تناقضات الوطن الكبير ومفارقاته.
نعم، في الشريط الجنوبي المحتل انكسارات وانتصارات من قبل أن يتغير الأمر الواقع المستمر منذ اتفاق القاهرة الشهير عام 1969 بين السلطة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. الآن جاء حساب البيدر وهو غير حساب الحقل. وناس الشريط يواجهون استحقاق اقتراب الوطن منهم بمشاعر مختلفة، مثل مختار بلدة الخيام الذي كان يقفز فرحاً وهو يتحدث عما يتوقع حصوله مع الانسحاب الإسرائيلي ودخول الجيش اللبناني الشرعي بلدته، أو مثل صبية حائرة من بلدة القليعة، المخطوبة الى شاب من قرية مجاورة، سيتحدد زواجهما باكراً إذا قرر أهل القليعة الرحيل خوفاً من المجهول، وقد تتحول العروس الى ناطورة مفاتيح للبيوت الخاوية إلا من الحنين والذاكرة التي لا تخون.
وتتوزع المشاعر المترقبة ذاتها ابن شبعا الثمانيني المنتظر في دكانه نتيجة المفاوضات الدولية على أرضه في مزرعة "قفوة"، احدى المزارع الأربعة عشر التي تصر اسرائيل على إلحاق مصيرها بالجولان المحتل، ومجايِله ابن رميش الذي لا يتوقع ان تغلق البوابة مع اسرائيل، وكانت فتحت للمرة الأولى عام 1976 أمام مريض من القرية المحاصرة من الميليشيات اليسارية شمال المنطقة آنذاك. وكذلك مختار العديسة الحذر في كل كلمة يقولها ولا يعرف ماذا ينتظر، وربما يعرف ولا يقول مثل بعض مشايخ جبل عامل في كفركلا وميس الجبل والعديسة الذين امتنعوا عن الكلام غير المباح.
شيء واحد عايناه قبل الدخول في التفاصيل: الملاجىء في القرى المسيحية الحدودية يتم تنظيفها واعدادها وتموينها بالطحين والحبوب والمعلبات، والأعراس تتسارع كل خميس وجمعة وسبت ولا تنتظر الصيف كالعادة، تحسباً لرحيل العائلات أو تفرقها في ظروف قاهرة، والقلق عام.
سهرات الناس هناك أمام شاشات التلفزيون لمتابعة الأخبار والبرامج السياسية ثم التعليق عليها من أجل اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. المشاريع السكنية وأعمال البناء كلها توقفت، وكذلك الأعمال التجارية والمالية إلا الضروري منها. أما الصبايا والشباب الباحثون عن بقعة هادئة تنسيهم أصوات القذائف البعيدة المدى المتقطعة ليلاً ونهاراً، والتصريحات الصاروخية من هنا وهناك، في غياب أماكن الترفيه وصالات السينما، فلا مكان أفضل من ظلال الأشجار. زادهم الفول والمشروبات، نظراتهم بعيدة، والعمر قصير، وقرارات حياتهم يملكها الغير.
يجيء موعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان حتى الحدود الدولية قبل تموز يوليو المقبل ويقال في منتصف حزيران / يونيو، ليضع المطلوبين بتهم الخيانة الوطنية والتعامل مع العدو أمام أمر واقع جديد بعدما رد رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص برفض طلب العفو لعناصر جيش لبنان الجنوبي من قائده اللواء انطوان لحد الأسبوع الماضي.
قال مصدر مقرب من اللواء لحد: "إذا أتت الدولة لتتسلم مؤسساتها هنا فأهلاً وسهلاً بها، مؤسساتها كلها موجودة. وإذا ألغت الأحكام ضدنا سنرش الرز على الجيش الآتي الينا. أما إذا أتت لتأخذنا الى السجن بالطبع سنقاتل. ان قضيتنا اقليمية دولية وليست لبنانية. والحل بالعفو يحقن الدماء".
سألناه: ان الحكومة اللبنانية عبّرت مراراً عن أن الذي يسلم نفسه سيلقى العدالة، والشفافية وحكم القانون. ونموذج جزين دل الى أن الأحكام كانت عادلة، وخرج غالبية المحكومين من السجن، فلماذا التسليم مرفوض؟ أجاب "جزين ليست نموذجاً لنا، هنا توجد أحكام غيابية في حق 2500 عسكري، و500 شخص من الإدارة المدنية، و3000 شخص يشتغلون داخل اسرائيل وآلاف غيرهم بتُهَمٍ متعاونين. إذا سلم كل هؤلاء أنفسهم للدولة ودخلوا السجن، فكيف يعيش أهلهم؟ الدولة اللبنانية لم تبحث جدياً في المسألة وماذا يفعل الناس. نحن نقول للحكومة ان الاستقرار في المنطقة هو قرار سياسي. وكل قرار عسكري هو قتال وفوضى. وإذا حصل القتال فأين الاستقرار المنشود"؟
وتابع "نحن لبنانيون وأعلامنا اللبنانية مرفوعة في كل مكان. نريد الدولة اللبنانية من كل قلبنا. ولسنا حرس حدود ولا أكياس رمل لإسرائيل. هذه المنطقة قاتلت وحدها حتى عام 1982 ضد المنظمات الفلسطينية التي كادت أن تحول المنطقة الى وطن بديل".
وقالت مصادر في "الإدارة المدنية" في الشريط الحدودي "ان جيش لبنان الجنوبي يتألف 60 في المئة من المسلمين شيعة وسنّة ودروز والأكثرية شيعة و40 في المئة من الطوائف المسيحية. أما عدد السكان المقيمين في الشريط فيبلغ عددهم 70 ألفاً في الشتاء و100 ألف في الصيف. وهناك بين 50 و60 ألفاً من البيوت الخالية من أصحابها والموجودة سالمة الى حين عودتهم".
المطرانان كفوري وحايك
في مرجعيون أيضاً قيادات روحية تهتم بشؤون الناس الانسانية بعيداً عن التأثيرات العسكرية والسياسية والاجواء الحاكمة في المنطقة. هؤلاء يلتقون كثيرين من ابناء طوائفهم يسألونهم المشورة امام الاستحقاقات المتسارعة.
مطران الجنوب للروم الارثوذكس الياس كفوري وصفته الرسمية: راعي ابرشية صيدا وصور وتوابعهما، وتضم الابرشية راشيا وحاصبيا ومرجعيون، كلما ذهب إلى مرجعيون وعاين هموم الرعية من قرب كلما زادت قناعته بالحاجة إلى تفهم أكبر من السلطة السياسية في بيروت لظروف سكان القرى الحدودية. قال "عندما تعرف الانسان عن قرب وتتحدث معه، يكون الامر غير ما هو عليه عندما تتحدث عنه من بعيد. انه هنا امامك من لحم ودم ولا يمكنك ان تتحدث عن فئة من الناس بالجملة، وتطلق عليها نعتاً مستمراً في كل الظروف".
دعا الدولة ان تطمئن الناس الخائفين من الآتي وألا تترك فراغاً امنياً بعد الانسحاب الاسرائيلي، واصدار عفو آخر عن الذين اجبروا على الخدمة في "الجيش الجنوبي" من اجل لقمة العيش، وعن الذين اضطروا للعمل داخل اسرائيل للسبب عينه. لاسيما ان هؤلاء الناس تُركوا في مواجهة قوى متعددة خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية منذ عام 1976. لقد حافظوا على الارض وعلى رموز للشرعية اللبنانية، وعلى الدولة ان تكافئ الصامدين في ارضهم بالمحافظة على كرامتهم بعد الانسحاب الاسرائيلي وانتشار سلطتها كاملة على التراب اللبناني".
ما ان وصل المطران كفوري إلى مقر ابرشيته في مرجعيون حتى سبقه اتصال من شيخ حاصبيا فندي جمال الدين شجاع لدعوته إلى مائدة غداء مع كافة المشايخ المسلمين ورجال الدين المسيحيين في المنطقة لتدارس الاوضاع من النواحي الانسانية، والمساهمة في تخفيف اجواء الترقب والقلق بين الناس.
وسارع المطران كفوري بدوره إلى الاتصال بالمشايخ الآخرين للاطمئنان إليهم وإلى جاره مطران الروم الكاثوليك في مرجعيون انطوان حايك صفته الرسمية: راعي ابرشية قيصرية فيليبوس اي بانياس في الجولان اليوم.
قال المطران حايك: "يراجعنا الناس هنا في ما سيحصل وماذا يفعلون. ثمة موجة عارمة من القلق المسيحي الصادر عن وضع مبهم. يقول لنا رئيس الجمهورية اللبنانية: لن يحصل "ضربة كف" تماماً كالوضع الذي حصل في جزين بعد انسحاب جيش لبنان الجنوبي من هناك. نقول له الوضع هنا مختلف والمطلوب وجود امني رادع من الانتقامات الشخصية. ان في جيش لبنان الجنوبي عناصر من كل الطوائف المسيحية والاسلامية. وهؤلاء هم ابناء العائلات المقيمة في القرى الحدودية، ولا يمكن الفصل بين عنصر في الجيش وعائلته. نقول للسلطة السياسية ان استعادة الارض هي استعادة البشر أيضاً. ونسألها: ماذا هيّأتِ لهؤلاء البشر في القرى الحدودية؟ المواسم الزراعية تبور بسبب الحصار، الزيت والزيتون يتلف في الخوابي ولا صناعة يعيش منها الناس ولا مورد رزق في الوطن. ان 30 ألف نسمة يعيشون من عمل بضعة آلاف من ابنائهم داخل اسرائيل، انه أمر واقع فرض عليهم، ولا يلقى هؤلاء الا الحقد والكراهية ونعوتاً بالعمالة والخيانة". واضاف "لا حل الا بالعفو العام. ثمة 2500 حكماً غيابياً و10 آلاف مذكرة جلب. هل نحاكم شعباً بأكمله؟ ومن يعيل العائلات بعد سجن أهلها؟".
انه المأزق الذي يصطدم به ابن الشريط الحدودي المحتل الذي تُرك لمصيره في السبعينات. وتجيء الدولة الآن لتسترده فماذا يفعل؟
الخيام تترقب لياليها المقمرة
بلدة الخيام الحدودية تنتظر الجيش اللبناني الشرعي بفارغ الصبر. وكانت عانت الويلات في عام 1976 عندما تعرضت بيوتها للنهب والحرق والتدمير وهُجِّر اهلها.
الآن يريد اهلها ان ينسوا تلك المرحلة القاسية التي حولت بلدتهم إلى مدينة اشباح محروقة يتمرن فيها الجيش الاسرائيلي على حرب الشوارع. "الآن زمن السلم ونسيان الاحقاد" يقولون بالجملة. يراوح عدد سكان الخيام بين 25 الفاً و27 الف نسمة. يقيم منهم في البلدة 3 آلاف شخص، والباقون موزعون في بيروت والمناطق وبلاد الاغتراب.
المختار علي خليل مهنا يعبر عن فرحه بقرب عودة الشرعية إلى البلدة قائلاً "نهلل ونرحب بعودة اهالينا الغائبين منذ وقت طويل بسبب تهجيرين، الاول بسبب الحرب والثاني اقتصادي بسبب المعيشة الصعبة". وأكد ان الخيام هي البلدة الوحيدة التي لم تتلق المساعدة من أحد. "لقد اشتغلنا بكد وبعرق جبيننا لاعادة اعمار البلدة. عمرنا بايدينا وبالديون. ولا يزال ينقصنا الكثير. ونحن منذ الآن قررنا ان نلتقي مع المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة على اساس برنامج انتخابي يتضمن اعادة اعمار البلدة. وتمنى ان يسود الوئام والمحبة الجميع. وان يعود الناس إلى مرج الخيام ونبع الدردارة وإلى السهرات الحلوة في ليالي الخيام المقمرة وإلى القصائد وأحلى الاغاني...
ودلنا المختار إلى منزل وزير الصحة الحالي الدكتور كرم كرم والمكان الذي أستُشهِد فيه والده الدكتور شكرالله كرم عام 1977.
وفي كل مكان تنتقل فيه داخل الخيام ترى الاهالي يترقبون عودة الشرعية بأمل كبير. تاجر الجملة أحمد ابراهيم عبّر أيضاً عن ارتياح الناس لقرار اسرائيل بالانسحاب. وقال ان المشكلة ستكون فقط في الواقع الاجتماعي - المعيشي. ذلك ان الفوارق في الاسعار باهظة بين الشركات الوطنية والتجار المحليين. وأعطى مثلاً صندوق vap ضد البرغش اشتراه بفارق 40 دولاراً من الشركة الوطنية. وكذلك صندوق Fairy للجلي بفارق 10 دولارات!
يتوقع الازدهار للجنوب في المرحلة المقبلة "ولن تحصل انتقامات لان اللبناني ينسى ونخرط في المجتمع مع اجواء السلم الاهلي".
ويرتفع على منبسط في تل نحاس بين القليعة والخيام نصب كبير يحمل اكثر من 650 اسماً سقطوا من مختلف الطوائف ومن القطاعات العسكرية: الشرقي، الغربي، الاوسط وجزين، وفي الادارة المدنية من الناقورة إلى شبعا. يضيء بالصليب والهلال من جهاته الاربع فيراه ابناء المنطقة إلى مسافات بعيدة.
حاصبيا تنادي الدولة
تعيش منطقة حاصبيا المحتلة ايضاً حالاً من الفرح والسرور وهي تترقب الانسحاب الاسرائيلي. الشيخ فندي شجاع من المشايخ الدروز الجنبلاطيين الذين يحسب حسابهم في المنطقة. يقول عن المرحلة المنتظرة في الانسحاب "مشاعرنا كلبنانيين هي مشاعر فرح وسرور لأننا سنعود الى كنف الشرعية. طموحنا لبنان سيد، حر، مستقل وان تبسط الشرعية سلطتها على كامل التراب اللبناني".
ويضيف ان منطقة حاصبيا ووادي التيم "لم تشهد خلال الاحداث اللبنانية الاخيرة اي نزاع طائفي. ولدينا ثقة برئيس الجمهورية العماد اميل لحود، وبمشاعر الابوة لديه بأن يكون تطبيق القانون دافئاً على الذين اجبرتهم الظروف على الانخراط في الجيش الجنوبي. ونحن نتعاطى مع المسألة انسانياً فقط فالموقف يعبّر عنه الزعماء السياسيون. نحن نهتم بالفقير والمريض والمحتاج ونترك ما تبقى للسياسيين وبحكم اهتمامنا بالانسان الضعيف نتمنى الا يكون تطبيق القانون بارداً".
وحث الشيخ شجاع المطلوبين على تسليم انفسهم للسلطة عندما تنسحب اسرائيل. لأن في اعلان الولاء للدولة لا تعود الامور صعبة ودورنا كرجال دين من كل الطوائف ان نساعد على الهدوء وتبريد الاوضاع وان نرسخ الدولة الشرعية".
وتحدث عن دعوته مشايخ العرقوب ومشايخ البياضة والمطرانين كفوري وحايك الى غذاء للتضامن روحياً في هذه المرحلة "ولا خلاف بيننا اساساً، الخلاف بين السياسيين. وواجبنا ان نقف الى جانب الدولة لأن لا الامن الطائفي ولا الكيانات المختلفة استطاعت ان تؤمن الحد الادنى من الاستقرار".
وقال ان عناصر "جيش لبنان الجنوبي" من كل الطوائف والمذاهب، ومشكلته ليست مذهبية بل وطنية وتحتاج الى تعاون الجميع لتجنب كل ما يمكن ان يعرقل انتشار الدولة على كامل التراب اللبناني.
تعرف منطقة حاصبيا اختلاطاً اسلامياً مسيحياً من زمن بعيد. وتنتشر فيها الكنائس من مختلف الطوائف المسيحية لكن الظروف الاقتصادية حدث بكثيرين الى البحث عن اماكن رزقهم في اماكن اخرى في البلاد وفي الخارج.
كاهن حاصبيا للروم الارثوذكس مخايل خوري يهتم بشؤون الرعية القليلة المنتشرة في حاصبيا وقراها حتى شبعا.
يعبّر عن تأثره بظروف الناس امام الاوضاع المتسارعة. ويوجه نداء الى رئيس الجمهورية قائلاً "يا فخامة الرئىس، عندما صرت رئىساً للجمهورية صرت رئيساً لكل اللبنانيين، وبما انك اصبحت ابانا نطلب منك ان تحبنا اكثر من كل اللبنانيين، نريد ان تحبنا لأننا مرضى وصغار ومغيّبين، ان ابناء الحزام مرضى بداء الاحتلال والى ان نتعافى من هذا المرض اعطنا ان تحبنا اكثر من الآخرين. وبسبب الاحتلال الاسرائيلي غُيِّبنا من لبنان، والى ان نعود اعطنا ان تحبنا اكثر من الآخرين. وبتغيبنا اصبحنا صغاراً، والى ان نكبر اعطنا ان تحبنا اكثر من الآخرين، فالأب يحب ابنه المريض حتى يشفى والبعيد حتى يعود والصغير حتى يكبر".
وسأل الأب خوري رئيس الحكومة سليم الحص "يا دولة الرئىس، انت امتنعت عن التوقيع على اعدام شخص ارتكب ابشع جريمة اخلاقية. كيف يمكنك ان توقع على اعدام شعب"؟
شبعا أم الصبي
الوصول الى شبعا من حاصبيا يمر في طريق حلزونية عبر التلال وبساتين زيتون واراضٍ زراعية في الوعر اهمها كروم عنب وكرز تعلو من تحت صخور الى فوقها. الحصاد كثير والايدي العاملة غائبة. والطريق خالية الا من سيارات معدودة، ومن فوق جبل حرمون رادار محطة انذار اسرائيلية تراقب المنطقة حتى "النملة".
ناس شبعا يعرفون تماماً انهم الآن حديث الساعة، فالاخبار السياسية في المنطقة والعالم تتحدث عن مزارعهم، وهم يؤكدون بالكلام والاوراق الرسمية والعاطفة انهم ام الصبي.
السيدة عطارد فرحات تتحدث عن المزارع بشوق ويقين "كل اهل شبعا يملكون ارضاً في المزارع. وفي مزرعتنا زيتون، تركنا المنطقة في حرب 1973 عندما ترك اهل بانياس في الجولان بلدتهم، ونحن في انتظار العودة".
وقادتنا فرحات الى شيخ البلد العارف تماماً حدود المزارع هو سيد اسماعيل حسن، دخلنا عمق البلدة الى دكان الثمانيني الجالس قرب "منقل" الفحم وركوة القهوة، قال "انا من مزرعة قفوة، وكانت تحوي 90 بيتاً تقريباً. في كل مزرعة 20 او 50 او 60 بيتاً او اكثر او اقل. في عام 1923 رُسمت حدود سورية وفلسطين وفي عام 1948 تم ترسيم الحدود بيننا وبين سورية. جاء مساح من سورية ومساح من لبنان وكان يهودياً لبنانياً من صيدا. وحدودنا كالآتي: وادي المغر، القواديم، جل فرشتا، مرقد فراشة، وداي الحمام، العيزقانة، درجة الحمرا، وداي العسل، وداي المنحرة، بركة مرج المن، مرج بو عبدالله، مقاصر الدود، نعصة نمرا، معنون وراس الزرقة.
وجوارنا من جهة سورية: بانياس، جباة الزيت، مجدل شمس، حضر، بيت جن، عرنا. وارضنا متصلة بأرضهم.
اما بالنسبة للمزارع ودخول اسرائيل اليها. بدأت القصة عام 1967 عندما شقت اسرائيل طريقاً اليها. وفي حرب 1973 تركنا المزارع. وفي عام 1978 شقت اسرائىل عدة طرق هناك وضمت المزارع: زبدين، رمتا، الربعا، بيت البراك، خربة العراني، كفردورة، برختا التحتا، برختا الفوقا ومراحل ملول.
وبعد احتلال عام 1978 اخذتُ مسّاحاً الى رزقي في مزرعة قفوة الذي بقي خارج السيطرة الاسرائيلية، ومسحت 35 دونماً زيتون، لكن عام 1990 اتت اسرائيل وضمت المزارع الاربعة عشر كلها. ومن ذلك الوقت ونحن نراجع المسؤولين. وراجعنا اللواء لحد. وقضيتنا الآن في الامم المتحدة والارض ارضنا وهي لبنانية مئة في المئة".
وتابع سيد اسماعيل "ان جبل حرمون ربعه سوري وثلاثة ارباعه لبناني، و80 في المئة من المساحة املاك الدولة اللبنانية مشاعات واحراج. وفيه وقف "مشهد الطير" لمقام سيدنا ابراهيم الخليل طوّبه عام 1944 المفتي في بيروت آنذاك، ويتألف الوقف من 30 ألف متر مربع في وادي العسل مقابل القضاء السوري".
وتحضر السيدة نمرة مصطفى صعب مع اوراق ملكية "طابو" تؤكد ملكية عائلتها في مزرعة قفوة من السلطات اللبنانية.
وقال لنا الاهالي ان في المزارع رعيان ماعز بينهم محمد عبدالله زهرا وقاسم علي زهرا يتنقلون في المنطقة ويقول ان البيوت هناك مدمرة. والارض يستصلحها يهود الفلاشا الاثيوبيون الذين اسكنوا في مستعمرة قريبة هناك.
وقال سيد اسماعيل "ان سورية عام 1953 وضعت حرساً وطنياً لمنع تسلل المهربين، وانشأت مخفراً موقتاً في مزرعة زبدين في ارض لبنانية. ترك رجال الدرك اللبنانيين المنطقة في حينه موقتاً ايضاً".
عدد سكان شبعا 36 ألف نسمة، ولا يتجاوز عدد المقيمين فيها الآن اكثر من 3500 شخص، وكان يقيم الرعيان في الشتاء في المزارع ومعهم اكثر من 20 ألف رأس ماعز.
ترتفع القرية عن سطح البحر 2400م ويعلو جبلها الى 2800م، اما المزارع تتدرّج من 800م الى 1500م.
الاشغال محدودة جداً في البلدة. ويطالب الشباب والصبايا الصامدون هناك بتوظيفهم في شركتي الهاتف والكهرباء اللتين تستحدثان مكاتب جديدة في القرية "فلا يتم توظيف اشخاص من خارج القرية ونبقى نحن بلا عمل".
العديسة المغلوبة على أمرها
الشريط الحدودي المكهرب حقيقة تكاد تكون ملموسة على الطريق من كفركلا الى العديسة. هناك، الصمت يطبق على الصدور فتخفف وطأته طقطقة طاولة زهر في ساحة البلدة.
أحمد أمين ومحمد أمين ومحمد رسلان توقفوا قليلاً عن اللعب بالزهر وقالوا معاً "نطلب هدوء البال وأن نعيش بسلام. نحن لبنانيون ونطلب ان يخرج كل الغرباء من أرضنا ويبقى لبنان. لكن قضيتنا ليست في أيدينا. انها في أيدي دول العالم".
أحدهم قال "أنا لم أغادر البلدة من 22 عاماً، نحن متضايقون جداً كأننا في سجن".
وتابع آخر "اللبناني مضغوط على أمره من كل الجهات. وأهل لبنان لا يعيشون في بلدهم. كلهم تشردوا ولم يبق إلا غير القادر على الرحيل. ننتظر كل يوم الأخبار ونفكر بحالنا ولا نعرف على أي حال سنستقر في النهاية".
وهذا كان لسان حال بقّال في البلدة ويدعى علي بعلبكي ومواطنه علي الأسمر. قالا: "انظري حولك الساحة فاضية. صار لها زمان هيك. سكان العديسة 6 آلاف شخص. لا يوجد منهم اليوم أكثر من 500".
المختار علي سلمان رمّال ينتظر أيضاً الفرج بصمت. انه مختار منذ 37 عاماً وحذر في كل كلمة يقولها. يطلب السلم وأن يعود الأهالي الى بيوتهم وإيجاد أشغال للناس العاطلين من العمل.
القليعة تدفع الثمن؟
القصة تتكرر في كل مكان، مع اختلاف درجة القلق والحذر والحيرة والحدة بحسب الانتماء الطائفي أو العلاقة مع اسرائيل. وأكثر الكلام حدّة ذاك الذي تسمعه في قرية القليعة والتي يتألف سكانها كلهم من المسيحيين الموارنة. يلخص مشاعر الناس هناك مدير المدرسة المهنية التابعة للرهبانية الأنطونية الأب روجيه وهبه، يقول: "التُهم الموجهة الى الناس هنا ليست عادلة. كيف يتهم شعب لبناني بالخيانة وقد عُزل وتخلت عنه الدولة؟ هو لم يتخل عن الدولة هي تخلت عنه وتركته لرحمة الغرباء". ويضيف "ان المسيحي في المنطقة هو كبش المحرقة، يُتهم بالعمالة وظروف العمل مقفلة أمامه. إذا زرع لا يستطيع أن يبيع انتاجه. انخرط في جيش لبنان الجنوبي لأن لا أمل له بغيره. نحن في المدرسة المهنية هنا نعلم الميكانيك والنجارة والخياطة وتزيين الشعر ولغات وكومبيوتر، لكن لا مجالات عمل للمتخرجين. الكل يذهب الى خارج المنطقة بحثاً عن عمل .. هنا لا شيء سوى الانتظار". ويبقى السؤال: ماذا سيحصل بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان؟
لا أحد يعرف حقيقة ماذا سيحصل، لكن الدلائل كلها تشير الى موقفين مختلفين: المطلوبون المسلمون قد يسلمون أنفسهم للسلطة اللبنانية، أما المسيحيون فهم غير مقتنعين بالعدالة الموجودة في بيروت. ويبدو أنهم بين خيارين: إما البقاء على سلاحهم المستحيل أو الرحيل.
ماذا سيحصل؟ الجواب في تموز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.