"ان الأممالمتحدة ستستخدم خط الحدود للعام 1923 مع التعديلات المتوافق عليها بعد اتفاق الهدنة للعام 1949. وهذا موضوع تقني نختبره في مشاورات مع الأفرقاء استناداً الى كل الوثائق الموجودة لدينا من مصادر عدة". ويتابع "وسنقدم تقريراً بالتشاور مع أنان الى مجلس الأمن يتضمن اقتراحات عن طريقة تعامل الأممالمتحدة مع هذه القضية" مشيراً الى أن "أي خط نحدده حول الحدود بعيد عن أي أفكار مسبقة". هذا ما أعلنه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن عن طبيعة المفاوضات التي يجريها مع الأطراف المعنية في الشرق الأوسط لتنظيم الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية تنفيذاً للقرار 425. وهذا يعني أن الأممالمتحدة لن تستخدم خط الحدود للعام 1923 لتنظيم الانسحاب الاسرائيلي. فهناك "تعديلات" مطلوب اسرائيلياً اجراؤها على خط الانسحاب هذا. والخطير ان "التعديلات" تحظى بموافقة الأممالمتحدة وتتبناها وهي تفاوض الاطراف المعنية نيابة عن اسرائيل عليها. وتأتي مزارع شبعا 14 مزرعة في مقدمة التعديلات المطلوب موافقة لبنان أو لا على عدم الانسحاب منها. فضلاً عن نقاط حدودية أخرى قد تراها اسرائيل ضرورية "لأمنها" في هذه المنطقة الحدودية أو تلك. وما قصة هدم البركة الواقعة قرب المنارة ضمن الأراضي اللبنانية أو الابقاء عليها الا "مسمار جحا" يجري غرزه لاستغلاله واستثماره لاحقاً. والسؤال الذي يطرح بإلحاح الآن هو: لماذا تحول "الاحتفاظ" بمزارع شبعا بالذات الى هدف لاسرائيل تسخّر له كل امكاناتها التفاوضية وحتى نفوذها الدولي؟ وهل الجدل المطروح حول "لبنانية" أو "سورية" هذه المزارع الذي تخوضه الأممالمتحدة الآن، هدفه اعطاء هذه المزارع الى الدولة التي تملكها فعلاً، أم ان هدفه المناورة لعدم سحب جيش الاحتلال الاسرائيلي منها بحجة انها غير "لبنانية"؟ وهل فعلاً يخفى على الأممالمتحدة أمر هوية هذه المزارع؟ أم ان في المسألة تواطؤاً دولياً يريد أن يتلطى ب"عدم كفاية الأدلة والمستندات" لتغطية استمرار الاحتلال الاسرائيلي لهذه المزارع؟ أهمية مزارع شبعا تأتي الأهمية الاستراتيجية - الأمنية ومصادر المياه في طليعة الأهداف التي تسعى اسرائيل اليها في الأراضي التي تعمل على احتلالها وتثبيت هذا الاحتلال. وفي رأي النائب السابق ابن شبعا منيف الخطيب ان هذين الهدفين متحققان في مزارع شبعا. فهذه المزارع تقع على سفوح جبل الشيخ الغربية وتشرف من الشمال الغربي على وادي التيم ونهر الحاصباني ومرجعيون وحاصبيا ومن الجنوب الغربي تشرف على سهل الحولة. وموقعها الاستراتيجي هذا يجعلها بالغة الأهمية في حساب العدو الاسرائيلي العسكرية. وفوق هذه المزارع أقامت اسرائيل مواقع عسكرية محصنة عديدة أهمها برأي منيف الخطيب مركز التجسس المعروف ب"المرصد"، الذي يعتبر على حد قوله "من أكبر مراكز التجسس في العالم" فهو مجهز بأحدث التقنيات المتطورة لكشف ورصد أي تحرك عسكري أو غير عسكري في كل من لبنان وسورية والاردن وحتى الحدود العراقية. وبسيطرتها على مزارع شبعا. الواقعة على السفح الغربي لجبل الشيخ الذي يشكل أكبر خزان للمياه في الشرق الأوسط، تكون اسرائيل بحكم المهيمنة على مصادر مياه أنهر بانياس والحاصباني واللدان والوزاني وغيرها من الينابيع التي هي كلها محط اطماع العدو الصهيوني. ويضيف منيف الخطيب الى ذلك "الأهمية السياحية" التي تتمتع بها هذه المزارع والتلال والمرتفعات التي تتألف منها أو تحيط بها. فمناخها المعتدل الجميل وموقعها المطل على مساحات شاسعة من الأراضي في كل من لبنان وفلسطين والاردن وسورية، تجعلها مراكز مميزة للاصطياف والاستجمام، كما ان تساقط الثلوج في فصل الشتاء فوق العديد من هذه المزارع يجعلانها صالحة لإقامة المراكز لممارسة كل أشكال الرياضات الشتوية وخصوصاً التزلج على الثلج. وقد أقامت اسرائيل فعلاً غير مركز مهم للتزلج على الثلج في المنطقة الواقعة بين موقعي "الشحل" و"مقاصر الدود". وهذه تلال عالية تتجاوز في ارتفاعاتها الألفي متر عن سطح البحر. بالاضافة الى العديد من الفنادق والمنتجعات السياحية. هوية المزارع نتيجة هذه المزايا المتعددة لمزارع شبعا ونتيجة ملاصقتها لمرتفعات الجولان السورية من ناحية ثانية، تحول احتلال مزارع شبعا الى هدف تسعى اسرائيل بكل ثقلها للتمسك به وتثبيته، وخصوصاً أن هذه المزارع احتلت مع احتلال الجولان عام 1967. ولتبرير استمرارها في احتلال هذه المزارع في وقت اجبرت فيه تحت ضربات المقاومة على تنفيذ القرار 425، عمدت اسرائيل الى نفي "لبنانية" هذه المزارع زاعمة انها سورية وأن القرار 425 الصادر عام 1978 لا يتناول الانسحاب من مزارع شبعا التي لم تنتشر فيها قوات الطوارئ الدولية التي جاءت الى لبنان في حينه لتنفيذ القرار. حول هوية هذه المزارع "اللبنانية" يقول منيف الخطيب: "مشكلة هذه المنطقة كمشكلة سائر المناطق التي قليلاً ما يعرف عنها الناس أو يهتمون. والاهتمام الحاصل الآن هو بسبب اصرار اسرائيل على عدم الانسحاب منها لتنفيذ اطماعها. وهذا هو السبب لإثارة هذه الحجج". ويضيف: "الواقع ان جبل الشيخ معروف تاريخياً انه يشكل الحدود الطبيعية بين لبنان وسورية. فمن الجهة اللبنانية يعتبر لبنانياً ومن الجهة السورية يعتبر سورياً. والحدود الفاصلة فعلياً هي رؤوس القمم. ويعتبر مقلب المياه الشرقي سورياً والمقلب الغربي للمياه لبنانياً. وجميع مزارع شبعا تقع على السفوح الغربية". ويتابع الخطيب قائلاً: "فبعد اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 تم ضم الأقضية الأربعة: بعلبك، البقاع الأوسط، راشيا الوادي وحاصبيا وبلدة شبعا وكامل مزارعها تابعة لقضاء حاصبيا وتم وضع علامات حدودية على امتداد قمم جبل الشيخ في الثلاثينات بدءاً من القمة الأعلى وعلوها 281 متراً حتى وادي العسل بين بانياس والمعز. وكانت العلامات الحدودية هذه عبارة عن صبة اسمنت وحجارة مثبت بها عمود حديد مع لوحة مكتوب عليها بالفرنسية رقمها واسم موقعها وكان عددها 13 علامة". لسيادة أي دولة خضعت هذه المزارع حتى احتلالها من الجيش الاسرائيلي عام 67؟! - الدولة اللبنانية كانت تمارس سيادتها على هذه المزارع منذ اعلان دولة لبنان الكبير ان في عهد الانتداب الفرنسي أو بعد استقلال لبنان عام 1943. ويشرح منيف الخطيب اشكال ممارسة الدولة اللبنانية لهذه السيادة على المزارع فيقول: كانت هذه المزارع خاضعة لسلطة مخفر درك شبعا بشكل كامل. وكان القضاء اللبناني يمارس صلاحياته كاملة على هذه المزارع. وهناك مئات الأحكام الصادرة عن محكمة حاصبيا المتعلقة بأراضي هذه المزارع وسكانها. ويشير الى ان القاضي أديب عفيش اجرى تحقيقات قضائية بخصوص جريمة قتل حصلت في إحدى هذه المزارع في أوائل الخمسينات. كما ان وزارة المالية كانت تفرض الضرائب على الماشية والأراضي، فكانت تنظم المحاضر بأعداد الماشية العداد وبمساحات الأراضي وكان لدى كل مواطن محضر يتعلق بحيازته سواء للماشية أو للأرض يسدد بموجبه الضرائب للدولة اللبنانية. كما ان الكثير من أبناء البلدة والمزارع لديهم رخص بناء للبيوت ورخص لحفر الآبار المخصصة لجمع المياه صادرة عن قائمقام مرجعيون وقائمقام حاصبيا في ما بعد. كانت شبعا ومزارعها تابعة لقائمقامية مرجعيون قبل نشوء قائمقامية حاصبيا. هل أراضي هذه المزارع ممسوحة أو مسجلة لدى الدوائر العقارية اللبنانية؟ - قسم من مزارع شبعا ممسوح اختيارياً وقسم غير ممسوح. إلا أنه مدون بصكوك بيع اعتيادية أو بمحاضر إرث صادرة ومدونة لدى المحاكم الشرعية. مثلاً مشهد الطير تابع للأوقاف الاسلامية ومسجل لدى الدوائر العقارية في صيدا باسم هذه الأوقاف. والمعروف ان في هذه المزرعة مقام ابراهيم الخليل الذي يسجل معجزته في اعادة الطير المذبوح والمقطع أربع قطع حياً. وقد أعلنت دار الفتوى ملكيتها لهذا الموقع ومساحته ثلاثة ملايين متر مربع. هل هناك حيازات سورية في هذه المزارع؟ - ان كل الأراضي والمناطق الزراعية المحيطة بها يملكها أبناء بلدة شبعا بالذات، اضافة الى مناطق زراعية أخرى يملكها ابناء بعض قرى وبلدات العرقوب كالهبارية وكفرشوبا وصلتا. ألم تتم عمليات بيع لبعض هذه الأراضي لاسرائيليين؟ - حاولت اسرائيل كثيراً شراء بعض أراضي هذه المزارع. الا ان كل محاولاتها باءت بالفشل. حتى ان ملكيات أهالي شبعا في سهل الحولة والعديد من القرى المحاذية للحدود اللبنانية - الفلسطينية لا تزال ملكاً لهم. فقد رفض أهالي شبعا بيعها الى الصهاينة رفضاً مطلقاً. ويذكر ان مزارع شبعا كانت تشكل القسم الأساسي من أراضي بلدة شبعا الزراعية. وكانت مسكونة بشكل دائم ولا سيما في فصل الشتاء حيث يعتبرها أهالي شبعا بمثابة مشتى لهم. وكانت البلدة بمثابة المصيف فهي تعلو 1400 متر عن سطح البحر. وبخسارة هذه المزارع تكون شبعا خسرت معظم أراضيها الزراعية والمقر الشتوي لبنيها. وقدر النائب السابق ابن شبعا علي ماضي عدد الذين تهجروا من منازلهم في هذه المزارع عشية احتلالها بأربعة آلاف نسمة. ومنذ ذلك التاريخ لا يترك أهالي شبعا مناسبة إلا ويطرقون أبواب المسؤولين اللبنانيين والدوليين مطالبين بعودة مزارعهم اليهم وبتعويضهم عن الخسائر اللاحقة بهم من جراء هذا الاحتلال. ويبقى السؤال: هل تكمن عقدة المفاوضات التي يجريها موفد الأممالمتحدة لارسن في اثبات "هوية" مزارع شبعا "اللبنانية" أم في الأطماع الهادفة الى تثبيت احتلال هذه المزارع واصرارها على التمسك بها في وقت تجد نفسها مجبرة على الخروج من المستنقع اللبناني؟