زكية بلقس شابة مغربية تعمل صحافية في التلفزيون المغربي - القناة الأولى. التقيناها في حديث يفتح صفحات من حياة وتساؤلات، وكانت اجاباتها عن الاسئلة بقلب مفتوح وبابتسامة لم تفارقها. عينة من شباب عرب يعيشون حياتهم في الظل ولكن بوعي وقلق نادرين. وهنا الحديث: ماذا يعني لك الشباب كمرحلة عمرية؟ - الشباب قبل ان يكون مرحلة فهو رؤية ومنظور معين للحياة. منظور قد يكتسي عند البعض صبغة التفاؤل فنقول هذا الشخص شاب ومقبل على الحياة لو كان في الستين والعكس صحيح. وعلى رغم انني اؤمن بهذا الطرح فالمسألة تبقى صعبة في ظل الظروف التي يعيشها الشباب المغربي. كيف ترين جيلك والجيل الصاعد من الشباب؟ - الجيل الحالي يفتقد لفكرة يؤمن بها او قدوة يقتدي بها، فالوضع الراهن تعثرت فيه كل الايديولوجيات! والشباب المغربي برمته يعيش ضياعاً فكرياً. تتقاذفه التيارات في غياب تأطير يوجهه ويرشده بشكل صحيح. وأنا أحسد هنا الجيل الذي سبقنا لأنه على الأقل كان يؤمن بأفكار ناضل وعانى من اجلها وتشبث بها على رغم كل المتاعب التي واجهته. ما هي الأشياء التي تتقاسمينها مع جيلك؟ - أتقاسم معهم همّ وجودنا في مرحلة انتقالية، فنحن الجسر الرابط بين اجيال مضت عاشت في القرن السابق وأجيال تعيش الألفية الثالثة، فالشباب الحالي يتحمل مسؤولية جسيمة لكي يوفق بين الرواسب والارث الذي يجثم على صدره وبين متطلبات المستقبل الذي يلوح بتحديات كبيرة، فهي مسؤولية كبيرة فعلاً، تتجلى في صياغة وجود شبابي عربي يحافظ على هويته ويندمج في الوقت نفسه مع روح العصر. ما هي اهتماماتك خارج نطاق عملك الصحافي؟ - اذا كنت تقصدين بالاهتمامات النشاط الجمعوي فأنا لا أزاول أي نشاط من هذا القبيل، وتبقى لديّ اهتمامات كصحافية تعيش الواقع اليومي وتتفاعل معه وتعتبر نفسها كجزء منه. اما عن اهتماماتي الشخصية، فهي في المقام الأول المجال السينمائي حيث احرص على مشاهدة اكبر عدد ممكن من الأفلام وحضور المهرجانات التي تقام في ميدان الفن السابع، اضافة الى عشقي الأدب والفنون الاخرى. هل للمسؤولية مفهوم محدد لديك؟ - لا يمكن ان اعطي تعريفاً أو معنى محدداً للمسؤولية، كل ما يمكن ان أقول انها جملة مواقف انسانية يختبر فيها الشخص قدرته على التحمل فإما ان يفلح او يخيب، غير انني لا أتخيل انساناً ناضجاً ومدركاً خبايا الأشياء من دون ان يكون مسؤولاً عن افعاله وتصرفاته وكلماته... هل شعرت مرة انك تجاوزت سنك؟ - مراراً، وللأسف... ينتابني الضحك لأنه عادة ما يحسبني الناس صغيرة في السن، نظراً لملامحي الطفولية وقصر قامتي... ويكون جوابي دائماً أنا كبيرة، ورأسي يحمل هموماً ومشاكل قد لا يسعها رأس رجل كهل. هل تخافين الشيخوخة؟ - لا أخاف الشيخوخة كمرحلة لأنها حتمية، بل أخاف فيها العجز والضعف، خصوصاً في دولة ما زالت في طريق النمو، وأفكر منذ الآن وبصراحة، هل سأكون بصحة جيدة في سن الشيخوخة، هل سأجد كل الضمانات لأعيش شيخوخة مريحة وأشعر بطعم آخر للحياة، هل... وهل؟ أسئلة تلامس مخيلتي، ليظل القلق والخوف من المستقبل موجودين باستمرار. هل تهتمين بالسياسة؟ - أهتم بها في حدود الاطلاع على ما يدور حولي من أمور سياسية في بلدي او البلدان الأخرى، حتى افهم لماذا هذه السياسة وليس تلك، لكنها بصراحة لا تثير اهتمامي الى حد المعادلة والانخراط في حزب معين. ماذا يزعجك في الوضع العام في المغرب في الوقت الراهن؟ - لن أسرد هنا الأشياء التي تزعجني، فهناك ميادين ما زالت في طور التنظيم وإعادة الترتيب وتحتاج الى وقت، وهناك والحمد لله ارادة قوية لتغيير الوضع نحو الأفضل، خصوصاً في المجال الاجتماعي. ما هي الاسئلة التي تشغلك أكثر؟ - السؤال الذي يؤرق بالي هو الخلود، سيبدو هذا هذياناً، لكنها الحقيقة، وليست فلسفة كونتها من خلال تراكم معرفي، بل هو سؤال ترعرع في داخلي منذ صغري، وعندما كبرت واكتشفت مجد الحضارات السابقة وأعمال المبدعين والعلماء الذين استطاعوا ان يخلدوا بأسمائهم في التاريخ، اصبح السؤال اكثر الحاحاً، وأقول دائماً كيف يمكن لانسان أو لإسم ان يندثر اذا حقق شيئاً عظيماً؟ ما رأيك في الحوار الدائر حالياً في المغرب حول مشروع خطة ادماج المرأة في التنمية؟ - الجدل القائم حالياً حول الخطة كان لا بد وأن يقع في وقت ما، نظراً للظروف التي تعيشها المرأة المغربية، وهو استمرارية للجدل الذي جاء بعد التعديلات الخاصة بمدونة الأحوال الشخصية. على كل الجدل يعني ان هناك فعلاً وضعاً لا بد ان يتغير والى الأفضل، وقد يكون بداية لحوار فعال لمنح المرأة حقوقها كاملة وانصافها اجتماعياً، فالحوار اسلوب صحي حتى لو استمر لسنوات. ماذا يعني لك الطفل؟ - الطفل استمرارية، وهو رمز لمرحلة أشعر دائماً بالحنين اليها، لأنها مرحلة اللامبالاة، مرحلة الاكتشاف، مرحلة الطمأنينة والحماية في كنف الوالدين، كما ان الطفل شبيه بمادة خام تتحول وتتطور حسب البيئة. ماذا يعني لك الزوج والزواج؟ - المسؤولية، المودة والاحترام، وإذا غاب شرط من هذه الشروط تهشم عش الزوجية، فلا يمكن ان تستمر الحياة اليومية بين شخصين من دون احترام متبادل وتحمل للمسؤولية من كلا الطرفين ووجود الحب طبعاً، فهو العنصر الذي يلطف الجو وينسي هموم اليوم، وربما لأنني ادرك ثقل هذه المسؤولية بعض الشيء لم أخض بعد تجربة الزواج، وما زال التردد يعتريني احياناً. هل تؤمنين بما يسمى بالعولمة؟ - المشكلة ليست في ايماني بها او عدمه، فهي واقع يزحف بكل ثقله، وقد تظهر تجلياتها في المستوى الاقتصادي وتؤثر اكثر في دول العالم الثالث، اما في المستوى الثقافي فالعولمة بدأت آثارها تظهر، وأكرر هنا ما قلته بخصوص مسؤوليتنا كجيل للحفاظ على هويتنا. هل تؤمنين بالصداقة؟ - بكل ما أملك من شعور، فهي رباط قوي، وأعتبرها أقوى حتى من علاقة حب تربط بين رجل وامرأة، لأن هذا النوع من العلاقات يمكن ان يبدأ بالحب ويتوج بالزواج وينطفئ في وقت من الأوقات. اما الصداقة فلا، لديّ صديقات اعتز كثيراً بصداقتهن التي دامت سنين ووصلت اليوم الى مرحلة النضج، اتقاسم معهن همومي وأشاركهن افراحي، وأنا أيضاً احزن لحزنهن وأفرح لفرحهن، أستطيع معهن ان أقول كل شيء وأي شيء، فهي علاقة لها بعد روحي وثقافي، فلا أتصور نفسي من دون صديقاتي ولا أتصورهن من دوني، علاقة نسجت خيوطها المحبة الصادقة والوفاء والاخلاص والصراحة أيضاً. هل لديك صداقات مع الجنس الآخر؟ - نعم، لكنها محدودة، لكن، لا أجد أية مشكلة مع الرجل، فلديّ زملاء في العمل وأصدقاء منذ الدراسة الا انها تظل صداقات محدودة جداً. وهذا ليس موقفاً معادياً بل خلقته الظروف. هل تتمنين العيش في بلد غير بلدك؟ - نعم. ما هو هذا البلد؟ - لا أعرف بالتحديد، ولكن تبقى الغربة بالنسبة اليّ تجربة مثيرة والعيش في محيط جديد يختلف من حيث التقاليد والعادات مغامرة، وأعتقد انها تستحق ان نعيشها ولو من باب الفضول. ماذا يعني لك الحب؟ - دينامو الحياة، فمن دون حب لا يمكن ان نتعايش، وعلى رغم ان طبيعة الحياة بدأت تهمش العواطف لحساب المصالح المادية، وأخذت النزعة الذاتية تطغى شيئاً فشيئاً، فالعواطف النبيلة ما زالت موجودة على رغم انها قطرات في واد، وأعتقد ان حب الوالدين وحب الأبناء احساسان لا يمكن ان تطأهما اقدام الأنانية كما هو الشأن في حب الرجل للمرأة او العكس، أو هما معاً. ما هي طموحاتك المستقبلية؟ - كثيرة ولا حدود لها ابتسامة عريضة، على رغم ان بعضها يتحطم على صخرة الواقع، لكن تظل الارادة والصمود موجودين لتحقيق ذاتي في العمل وعلى المستوى الشخصي جداً - بين قوسين - وضحكة.