بصوتها العميق واهتماماتها الكثيرة تحملك نورما نعوم ملكة جمال لبنان 1999 الى لقاء من نوع مختلف. تتميّز بمنهجيّة في كلامها، تعرف الأولويات وتسهِّل للصحافيين مهمتهم إذ تتقن فن المحاورة لتصل الى القلوب من خلال اطلالة تجمع التحبب الى الرصانة والبساطة الى العمق والعفوية الى الثقافة. صحيح ان اطلالتها الأولى في حفل الانتخاب رافقتها انتقادات وانقسامات في الرأي لدى اللبنانيين بينها وبين الوصيفة الثانية نيكول - ريتا غزال، إلاّ أنها تخطت هذه المرحلة وبرهنت أن ثمة صفات أخرى أهم وأعمق من الجدل القائم أي "تمثيل لبنان". هو الأساس والغاية من هذا الحدث من ألفه الى يائه. نورما نعّوم تتخصص في الحقوق في جامعة الحكمة ولا تضيّع الوقت، إذ صارت في السنة الرابعة ولا تتجاوز 22 عاماً. قصدناها في منزلها الذي لا يزال يزدان بالورود والأزهار. وفي قاعة الاستقبال صورة صغيرة لطفلة جميلة تدلك الى الملكة المبتسمة. جلست نورما ولم تسند ظهرها الى المقعد. وأجابت عن أسئلة "الحياة" القاسية أحياناً بعفوية ومحبة كأن لا مسافات تفصلها عنا. تعيشين وحيدة لا أخوة ولا أخوات، من يعوّض عليك هذا الفراغ في يومياتك؟ - صحيح، لا أخوة لدي ولا أخوات، لكن عائلتي أحاطتني بعاطفة كبيرة ودلال كبير، لذا لم أكن أشعر أنني وحيدة. اضافة الى ذلك، كنت دائماً محاطة بالأصدقاء. هل تفضلين صداقة الشباب أم الفتيات؟ - الصداقة بالنسبة إليّ محورها الإنسان ولا يهمني إذا كان شاباً أو فتاة. المعيار الوحيد هو أن أرتاح للشخص وأشعر أنه قريب مني ومتفهم. كيف بدأت مشوارك في مسابقة ملكة الجمال؟ ومن حثك على المشاركة؟ - لم يشجعني شخص معيّن، لكن معظم معارفي وأهلي وأصدقائي كانوا يلحون عليّ منذ بلغت سن الرشد للمشاركة في المسابقة. لكنني ارتأيت الانتظار حتى اليوم لأقتنع بما فيه الكفاية وخصوصاً أنني أعرف المسؤوليات التي تترتب على الفتاة بعد انتخابها. وكنت أعرف مسبقاً أن الجمال الخارجي لا يكفي لاختيار ملكة، إنما تحتاج الى شخصية قويّة وحد أدنى من النضوج. هل تتقبلين الانتقاد؟ - طبعاً، أتقبّل الانتقاد، ومنذ انتخابي حتى اليوم، واجهت من الانتقادات ما لم تواجهه ملكة أخرى، وتقبّلت كل الآراء، لأنني أؤمن أن الصحافة حرة وكل انسان يملك حريّة التعبير. علماً أن الانتقاد سلاح ذو حدين، يُشدِّد عزيمة الإنسان أو يدمّرها. أنا شخصياً تخطيت هذه المرحلة. ماذا قالوا؟ لست جميلة وذكيّة. لا يمكنهم أن يحكموا عليّ وعلى الآخرين في دقائق قليلة. لديّ عام كامل لأبرهن العكس لأنني مقتنعة بأنني أملك صفات كثيرة ستغيّر رأيهم. ما دام الحوار صريحاً وعفوياً، أفردت بعض الصحف لمسابقة جمال لبنان صفحات، ولا يخفى عليك أن بعضها كان مشككاً بالنتائج وخصوصاً أن قسماً كبيراً من الرأي العام أيّد نيكول غزال. هل يستحق الموضوع كل هذه الضجة برأيك؟ - لدى الصحافة حريّة التعبير، لكنني أقول لك مجدداً لا تكفي دقائق قليلة للحكم عليّ وعلى نيكول. لا أحد من الفتيات المشاركات ولا فريق العمل يشك بنزاهة لجنة التحكيم، فهي مؤلفة من خيرة الشخصيات الاجتماعية والسياسية والفنيّة ويبدو أنهم مقتنعون بقرارهم. بالنسبة الى زميلتي نيكول، كنا نعرف جميعاً أنها ذكية ومثقفة ولديها الكثير لتقوله. وقد صفّقت لها كالجميع على خشبة المسرح. لكن اللجنة قررت واختارتني ملكة. وأعتقد أن كل فتاة مشتركة كانت تستحق أن تكون ملكة إلاّ أن كل شيء نسبي في الحياة. لا أقصد احراجك، لو كنت في مركز القرار من تختارين؟ - لا يمكنني أن أختار، لأنني عشت مع الفتيات واكتشفت في كل واحدة مميزات تؤهلها أن تكون ملكة. جميعهن جميلات ولا أعرف المعيار الذي تعتمده لجنة الحكم لاختيار الملكة. كيف تنظرين الى ملكات الجمال السابقات؟ ومن يعجبك بينهن جمالياً وثقافياً؟ - كل ملكة تتمتع بمميزات فريدة، وكل ملكة لها سحرها وجاذبيتها، وأظن أنهن مثلن لبنان بصورة جيدة. كل سنة تشارك ملكة جمال لبنان في مسابقتي ملكة جمال العالم والكون، وكل مرة تبدي المشتركات اللبنانيات تحفظاتهن على الطريقة التي تجري فيها الانتخابات، فهل تعتبرين هذه العملية نزيهة أم أهميتها تكمن في المشاركة فحسب؟ - لا أعرف كيف يجري انتخاب ملكة جمال العالم والكون، لكنها حتماً مختلفة عن انتخاباتنا المحلية، من حيث المقاييس والمعايير. ولا أعرف إذا كانت ثمة اعتبارات اقليمية ودولية وسياسية تؤخذ في الاعتبار. الأهم هو المشاركة، وبعد عودتي سأخبر الصحافة بانطباعاتي وتجربتي الشخصية. كيف تستعدين عملياً لهذا الاستحقاق الذي سيجري في لندن؟ وهل أنت متفائلة؟ - بدأت الاستعداد على صعيد جمع الأغراض وتحضير الثياب، لأنه يجب أن أطل بمظهر لائق لأمثل لبنان في الخارج وخصوصاً أن 90 فتاة من مختلف الدول يشاركن في المسابقة، وكل واحدة تحاول الظهور بشكل أفضل. لدي ثلاثة أسابيع للتمارين وسأغادر لبنان في 14 تشرين الثاني نوفمبر. متفائلة؟ - بطبيعتي وأنا موضوعيّة، وأعطي نسبة للنجاح بمقدار ما أعطي للفشل. تمّ انتخاب ملكة جمال الأردن للمرة الأولى، لكن الأصداء لم تكن ايجابية من قبل بعض التيارات التي أبدت اعتراضها على تنظيم هذا الحدث واعتبرتته منافياً للقيم الأخلاقية في المجتمع الأردني، ما هو رأيك؟ - لا يحق لي أن أؤيد أو أعارض. المجتمع عبارة عن حضارات وعائلات وعادات وتقاليد وقوانين ودولة وتراكمات. هذه العوامل مجتمعة قد تفرض على الفتاة الأردنيّة بعض التحفظات على صعيد المشاركة في انتخاب ملكة جمال، وخصوصاً أنهم يخوضون تجربة جديدة في هذا المجال. وكل شيء جديد، يثير الجدل في البداية وسرعان ما يُصبح عرفاً. صحيح أن الفتاة تعتمد على شكلها الخارجي في اشتراكها في المسابقة. لكن يجب أن لا ننسى أن الجمال نعمة من الله وليس عيباً. واشتراك الفتاة بمسابقة الجمال ليس خطيئة إذا لم تتجاوز حدود الأدب. علمنا أنك تدرسين الحقوق في جامعة الحكمة؟ - صحيح. هل تفضلين مواد القانون الخاص أم القانون العام؟ - علاقاتي جيدة في القانون العام والخاص. أحب مادة القانون الدولي العام في اطار القانون العام وقانون العقوبات في اطار القانون الخاص. وأميل في المستقبل الى متابعة دروس القضاء بعد الانتهاء من درس الحقوق. القانون العام له علاقة بالسياسة، هل تهتمين في هذا المجال وهل تحبّذين أن تتعاطى المرأة في هذا الشأن؟ - من الطبيعي أن يكون لديّ اهتمام بالسياسة لأنني أدرس الحقوق، لكنني لا أنتمي الى تيار معين. وماذا يمنع المرأة من التعاطي بالشأن العام؟ أليست مساوية للرجل؟ ما رأيك بالحرب، هل تعتبرين أنها تقع عندما تتعطل لغة المنطق، أو عندما لا يكون مفر منها، أم يجب ألا تقع في أيّ حال، وحرب لبنان كيف تفهمينها؟ - كلبنانيّة عشت مأساة الحرب. وتعلمنا منها الكثير واكتشفنا أن أسبابها تتعلق بمصالح الآخرين وخصوصاً أن لبنان نقطة مهمة في الشرق الأوسط. صحيح أن المدفع سكت إلا أن للحروب وجوهاً أخرى منها الحروب الفكرية والاقتصادية والثقافية. المهم أن يقتنع الجيل الجديد بعدم العودة الى اللامنطق ونبني البلد يداً بيد. هل تعتقدين أن الحرب انتهت أم لا تزال قائمة من جراء الوضع المتوتر في الجنوب؟ - ما يحصل في الجنوب أسوأ من الحرب. انه احتلال واغتصاب للأرض. هناك، الوضع غير طبيعي، كل يوم، يُقصف المواطنون ويقتلون وتسرق مياههم وأراضيهم وتداس كرامتهم. سأرفع الصوت عالياً أينما حللت في العالم لأقول أن المواطن اللبناني الذي يعيش في الجنوب لا يتمتع بحد أدنى من الحقوق بسبب الاحتلال الإسرائيلي. أعلنت بوضوح أن قضيتك الرئيسية هذه السنة ستكون حقوق الطفل، هل كنت مطلعة على الموضوع سابقاً، أم ستحاولين الاطلاع عن كثب؟ - هذا الموضوع يدخل في اطار اختصاصي، علماً أنني كنت أتابع ما يتعرض له الطفل من جرائم في نشرات الأخبار والصحف اليومية. أعرف القوانين اللبنانية التي تُعنى بشؤون الطفل، كما أن لبنان مصدّق على حقوق الطفل ولديه قوانين عدة مكرسة لحمايته. الى جانب قضية الأطفال، لبنان حافل بالمشكلات الاجتماعية. ألا يمكنك المساعدة في مجالات أخرى وخصوصاً أن كلمتك صارت مسموعة لدى المسؤولين بصفتك ملكة جمال لبنان؟ - فور انتخابي، وضعت العنوان الكبير لنشاطاتي "العمل الإنساني". لكنني أستطيع أن أقدّم أكثر في مجال الأطفال. مع ذلك، هذا لا يمنع أن اهتم بمشاريع انسانية أخرى مثل السعي الى انشاء ضمان الشيخوخة وغيره. في النهاية، أنا لست في مركز القرار إنما سأسعى الى المساعدة معنوياً. وهل وعدك بتقديم المساعدة في المجال الإنساني؟ - كان اللقاء مثمراً، لأنني استفدت من توجيهاته قبل أن أغادر لبنان. واللافت أن الرئيس يتمتع بروح شبابية وشخصيّة قوية وقريب من القلب، وقد شجعني كثيراً للمضي بمشروع مساعدة الأطفال وخصوصاً أن زوجته السيدة أندريه لحود تهتم كثيراً بالأطفال المشردين. بما أنك أصبحت ملكة جمال، عليك أن تتبعي بروتوكولات وتفاصيل تقيّد الحريّة، هل يزعجك هذا الأمر؟ - في حياتي العاديّة، أنا فتاة نظاميّة وملتزمة بالنظام. فكيف الحال بعد انتخابي ملكة جمال؟ من دون أن يُفرض عليّ بروتوكول معين، سأحاول أن أظهر بشكل لائق في كل النشاطات والاستحقاقات الآتية. أعرف أن حياتي لم تعد ملكاً لي وحدي في هذه الفترة، وعليّ أن أتخلى عن أمور كثيرة. انه واجب. هل تزعجك نظرات المعجبين وتشعرك بالخجل أم أصبحت تعرفين التعامل معهم؟ - بتاتاً، لا أشعر بالخجل ولا أنزعج. بالعكس، أفرح بنظرات الناس وابتساماتهم. المرأة عادة تحب أن تكون محور اهتمام. بعيداً عن الدرس والعمل والجمال، كيف تمضين أوقات فراغك؟ - حالياً، لم يعد لدي وقت فراغ. أما قبل انتخابي فكنت أرتاد السينما كثيراً، وأطالع الكتب المسلّية وخصوصاً كتب الأمثال والحِكَمْ لأن درس القانون جاف ويغلب عليه الروتين. هل تهتمين بأعمال البيت وتساعدين والدتك؟ - أهتم بترتيب غرفتي طبعاً، أما المطبخ فأحضّر فيه الأطباق التي أحبها فقط. هل تفكرين في خوض غمار التمثيل في المستقبل؟ - لم أختبر هذا المجال ولا أعرف إذا كنت أملك الموهبة أم لا؟ الموضوع لا يزال بعيداً عني. ماذا عن الرياضة؟ - أحب الركض وخصوصاً عندما أكون مرهقة من الدروس. وفي الصيف، أزاول السباحة. هل تعتمدين على الرياضة لتناسق جسمك أم تتبعين نظاماً غذائياً خاصاً؟ - لا مشكلة لدي في وزني. قبل الانتخابات، كنا نقوم ببعض التمارين الرياضية ونتبع نظاماً غذائياً خاصاً للحفاظ على رشاقة أجسامنا ونضارة وجوهنا. وأعتقد أنني سأستمر في اتباع هذا النظام. تعلمين أن كرة السلة اللبنانية تطوّرت كثيراً وبلغت مستوى جيداً. هل تتابعين المباريات؟ وأيّ فريق تشجعين؟ - نهضة كرة السلة اللبنانية تشعرنا بالاعتزاز وتدفعنا الى الاهتمام أكثر بالرياضة وتشجيع الجيل الجديد لممارستها، ويجب أن نبدأ بالمدارس. في الحقيقة، أشجع فريق الحكمة الذي أحرز بطولة لبنان وكأس العرب وكأس آسيا، ومثّل لبنان في بطولة العالم ورفع اسمه، فمن الطبيعي أن أشجعه. لكن لو فعل أي فريق لبناني آخر هذه الانجازات لواكبته حتماً بالحماسة عينها. في الختام، نحن على أبواب سنة 2000، وكثر يعيشون هاجس العولمة والتغييرات الإقلمية والاجتماعية والسياسية، فماذا تتوقعين في القرن المقبل؟ - آمل أن يكون للعمل الإنساني حيّز أكبر في العالم وأتمنى أن يعمّ السلام كل أنحاء العالم وأعني بالسلام، اللاعنف والحرية والمساواة والعدالة. أما العولمة فيمكن استغلالها ايجابياً لتحقيق نتائج طيّبة، ويكسب عبرها الإنسان المزيد من التقدم والتطوّر لبناء حضارة عالمية أفضل. وكلنا نعرف أن أعم الشعوب هي الشعوب المختلطة والمنفتحة على الآخرين. فكيف إذا أصبحت جميع شعوب العالم في قرية واحدة عبر الأنترنت والبث الفضائي؟ الأهم أن نوظّف هذا التطوّر لحل المشكلات العالمية بحيث لا يعود هناك مجال لاندلاع الحروب.