لم تتجاوز القدس في أوج مملكة النبي داود كيلومترين مربعين، فكل الخرائط والمعلومات، من مصادر يهودية وغيرها، يظهر أن المدينة المقدسة كانت ضمن هذين الكيلومترين المربعين. وزادت مساحة القدس بعد ألفي سنة الى ستة كيلومترات مربعة تحت الحكم الأردني. ومنذ الاحتلال الاسرائيلي سنة 1967 توسعت القدس في كل اتجاه فقد أصبحت مساحة بلدية القدس 73 كيلومتراً مربعاً، ومساحة القدس الكبرى 230 كيلومتراً مربعاً، ومساحة منطقة متروبوليتان القدس 650 كيلومتراً مربعاً، ومساحتها مع القدس الغربية 950 كيلومتراً مربعاً. القدس اليوم تزيد مساحة على ربع الضفة، وإذا ترك الاحتلال وشأنه فقد يطلق اسم القدس على الضفة كلها، ثم نسمع ان الاسرائيليين يرفضون تقسيمها أو المشاركة فيها. حكومة ايهود باراك تواجه ثورة عليها من داخل الائتلاف الحكومي بسبب القدس، فقد اعلنت ثلاثة أحزاب هي شاس والحزب الوطني الديني واسرائيل بعاليا أنها ستؤيد اقتراحاً بحجب الثقة عن الحكومة هذا الاسبوع قدمه ليكود واسرائيل بيتونو. وتسقط الحكومة إذا صوت 61 نائباً ضدها، إلا أن هذا غير متوقع، فالمعارضون يعتقدون بأنه إذا فاز الاقتراح بحجب الثقة بغالبية بسيطة، فهذا يكفي لتكبيل الحكومة ومنعها من تسليم أراض حول القدس الى الفلسطينيين. أغرب ما في الجدل الحالي هو أن الحديث ليس عن القدس في الواقع وانما عن قرى محيطة بها. وفي حين ان ابو ديس والعازرية معروفتان، فإن الرام قامت بعد الاحتلال، وتفصلها عن القدس شعفاط، ويسكنها سكان من القدس لم تسمح لهم اسرائيل أصلاً بالبناء في مدينتهم. وقد وافقت حكومتا اسحق رابين وشمعون بيريز، وبعدهما حكومة بنيامين نتانياهو، ضمناً على إعادة هذه القرى الى الفلسطينيين، لذلك هي الآن مصنفة "باء" ما يعني ان تنتقل الى "ألف". بكلام آخر، ايهود باراك لم يأت بشيء جديد، وانما هو يسير في طريق اسلافه، ومع ذلك فالثورة على حكومته تجعل كل مراقب عربي يقدر صعوبة الوصول الى حل مع الاسرائيليين، وربما استحالة هذا الحل، فإذا كانوا يعترضون على تسليم قرى تضم غالبية فلسطينية مطلقة، فكيف يمكن الاتفاق معهم على القدس نفسها، أو على الجولان كله وبحيرة طبريا ومنابع نهر اليرموك؟ الوزير اسحق ليفي، من الحزب الديني الوطني، قال مهدداً ان التحالف ضد الانسحاب من الجولان لا يقاس شيئاً بالتحالف ضد الانسحاب من القدس، ومرة أخرى فالانسحاب المطروح من قرى أبو ديس والعازرية والرام لا القدس العربية، أي القدسالشرقية. والمزايدات من كل حدب وصوب، فحزب شاس اعلن ايضاً انه يرفض أي تنازل في موضوع القدس ويصر على بقائها موحدة. وحاول باراك الرد على يمين الائتلاف بضم آخرين مثل حزب التوراة الموحدة وجناح رومان برونفمان وامير بيريتز وغيرهم، الا أن هؤلاء يرفضون أي "تنازل" في موضوع القدس، وقد أعلن حزب التوراة الموحدة انه سيؤيد اقتراح المعارضة حجب الثقة عن الحكومة بسبب القدس. أي قدس هي؟ قدس النبي داود كانت كيلومترين مربعين، والقدس العربية التي احتلها الاسرائيليون لم تتجاوز مساحتها ستة كيلومترات مربعة، ومع ذلك اصبح الاسرائيليون يعترضون على وضع قرى فلسطينية خالصة تحت الحكم الفلسطيني، مع أن أساس الانسحاب كله هو أن يتبع الشعب حيث وجد حكومته. في مثل هذا الوضع من التطرف يصبح الحديث عن حل لوضع القدس من نوع الرياضة الفكرية. سمعت الدكتور وليد الخالدي يعرض قبل يومين، رداً على سؤال، فكرة عن حكم القدس تتألف من ثلاث طبقات، فيقوم أولاً مجلس يمثل الديانات التوحيدية الثلاث يتولى الاشراف على الشؤون الدينية للمدينة، وتحته لجنة وزارية فلسطينية - اسرائيلية تشرف على الأمور السياسية، وتحت هذه مجلس بلدي مشترك يدير الأشغال اليومية للمدينة. وليد الخالدي ابن القدس، من مئة جيل أو أكثر، وهو يقدم اقتراحاً معقولاً يفتح مدينته لغرباء عنها. إلا أن الذي يقرر حاضر القدس ومستقبلها هذه الأيام ليس ابن الخالدي أو الحسيني أو نُسيبة، وانما المهاجرون الروس من اسرائيل بعاليا، أو اسرائيل بيتونو، الذين جاؤوا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل سنوات كمهاجرين اقتصاديين. مع ذلك لا يزال هناك من يعتقد بأن المفاوضات مع اسرائيل على هذا المسار أو ذاك، ستنتهي بحل. اذا جاء الحل فسيكون حلاً اسرائيلياً، لذلك فالذين كانوا يخافون الحرب أصبحوا يخافون السلام.