كتبت في هذه الزاوية في 23 من الشهر الماضي عن القدس، ووجدت ان جريدة "واشنطن بوست" النافذة نشرت في اليوم نفسه تحقيقاً طويلاً عن الموضوع نفسه من مراسلها مايك اوكونر في القدس. وقلت ان اجهزة الأمن الفلسطينية تعمل في القدس القديمة بمعرفة الحكومة الاسرائيلية ورجالها يحرسون مباني عامة فلسطينية. كما تحدثت عن نشاط بيت الشرق ووجود مؤسسات فلسطينية مثل نقابات عمال ومهندسين وصحافيين ومحامين وتجار وأطباء وممرضات. ووجدت ان اوكونر قال في اليوم نفسه ان النشاط المتزايد للمسؤولين الفلسطينيين أدى الى تآكل السيادة الاسرائيلية على الشؤون اليومية للمدينة. وهو قال ان الشرطة الفلسطينية زادت نشاطها كثيراً في القدسالشرقية كما تحدث مثلي عن محافظ القدس المقيم في أبو ديس. أعود الى القارئ بعد هذه المقدمة الى منتصف كانون الأول ديسمبر عندما حضرت ندوة دولية عن القدس نظمتها المؤسسة الملكية للشؤون الدولية في لندن. وتجمعت لي على مدى ثلاثة أيام بضع عشرة محاضرة، وأوراق كثيرة من الملاحظات على سير الابحاث والأسئلة والاجوبة. ووجدت بعد ذلك، وقبل كتابتي عن القدس، وحتى اليوم انه لا يمضي يوم من دون خبر أو أخبار عن مستقبل المدينة والقرى المحيطة بها في الصحف الاسرائيلية، واحياناً الصحف الاميركية وغيرها. وعندما قرأت قرب مطلع الشهر الماضي في صحيفة اسرائيلية العنوان "الضم الزاحف للقدس"، وجدت ان الموضوع يشكو من خطوات الفلسطينيين لاحتواء القدسالشرقية، بدل ان يتحدث عن ضم اسرائيل القدس العربية خلافاً للقوانين الدولية كافة. إثارة موضوع القدس وضواحيها بهذه الكثافة تعني انه مطروح فعلاً، وسأكتب عنه اليوم وغداً، معتمداً أولاً على قراءتي في الصحف الاسرائيلية والانكليزية اللغة ومراكز الابحاث المعنية، وثانياً على المحاضرات التي تليت في مؤتمر لندن، وملاحظاتي المرافقة. وأخص بالذكر من المحاضرات: - السياسة الاميركية إزاء القدس: أين كانت وأين تتجه، لريتشارد مورفي، المسؤول البارز عن الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. - القدس وياروشاليم: الأحلام السياسية والوقائع السياسية للبروفسور ايان لوستيك من جامعة بنسلفانيا. - حل للقدس اساسه مواقف الجمهور الاسرائيلي والجمهور الفلسطيني للبروفسور جيروم سيغال من جامعة ماريلاند. - القانون الدولي وقضية القدس للدكتور مفيد شهاب، وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي في مصر. - خطة لإحياء البلدة القديمة في القدس للدكتورة شادية طوقان، مديرة المكتب الفني في برنامج إعمار البلدة القديمة. - القدس: حقوق الأفراد والحقوق الجماعية، للبروفسور جون كويغلي من جامعة ولاية اوهايو. وأخشى ان يضيق بي المقام فأختصر وأزيد أنني توكأت ايضاً على محاضرات البروفسورة كارين ارمسترونغ والدكتورة غادة الكرمي والمهندس ابراهيم الدقاق والدكتور سميح عابد. وفي حين يبدو ما سبق كثيراً فإن الواقع ان كمية القصاصات خلال ستة أسابيع فقط زادت حجماً على المحاضرات. ومرة أخرى أخشى ان يضيق المقام بالمادة المتاحة، فأحصر الكلام في نقاط: - اليمين الاسرائيلي يكاد ينعى القدس العربية على الاسرائيليين فأركانه مثل رئيس البلدية ايهود اولمرت الذي هدد رئيس الوزراء ايهود باراك بمواجهة حول أبو ديس، وكتّابه مثل الياكيم هاتزني في "يديعوت اخرونوت"، يزعمون ان الإجراءات الفلسطينية في القدسالشرقية تنتهك السيادة الاسرائيلية وتمهد لسيطرة فلسطينية كاملة، وهم يزعمون كذلك ان الحكومة متواطئة، فهي تغض النظر لخلق الاجواء المناسبة التي تجعل انتقال أبو ديس والعازرية الى السلطة الفلسطينية الكاملة أمراً منطقياً ومبرراً. - أبو عمار حصل على 5.1 في المئة والانسحاب التالي هو من 6 في المئة يريدها ان تشمل أبو ديس والعازرية. والواقع ان اتفاقات اوسلو ناقضت المفهوم الاسرائيلي القديم حول القدس، فاسرائيل قررت بعد الاحتلال سنة 1967 ان القدس اسرائيلية بغض النظر عمن يسكن فيها. إلا ان اتفاقات اوسلو جعل الأرض فلسطينية حيث السكان فلسطينيون. وفي القدس العربية الآن حوالى 32 ألف فلسطيني، أو 91 في المئة من سكان القدس العربية، أو الشرقية، أو المدينة القديمة، أو ما شاء القارئ من مسميات. - لا يوجد كاتب اسرائيلي واحد، حتى بين الليبراليين المعتدلين، يعتقد ان هناك رئيس وزراء اسرائيلياً يستطيع ان يتخلى عن الضواحي اليهودية خلف الخط الاخضر وحائط المبكى والشوارع المؤدية اليه، لذلك فهم يتحدثون عن سيادة اسرائيلية وإدارة فلسطينية كاملة. - اسرائيل أعلنت توسيع حدود القدس في 28 تموز يوليو 1967، وضم الكنيست القدس الموسعة الى اسرائيل في 30 تموز 1980. ولا يوجد أحد في العالم يعترف بالاجراءات الاسرائيلية، فربما كان الحل في إعادة رسم حدود المدينة، فتزيد حيث توجد غالبية يهودية وتنقص حيث توجد غالبية فلسطينية. وأكمل غداً