تتحدث إحدى الشخصيات الروائية في الأدب الالماني عن الزمن قائلة "الزمن هو الحياة، والحياة تسكن القلب، وكلما ازداد ما جمع الناس من الحياة، كلما قل ما لديهم منها". هذا التفسير الفني للزمن لا يشفي غليل العلماء الذين وقفوا أمام فكرة الزمن حيارى لا يعرفون سبيلاً للاهتداء الى تعريف واضح له. ويرى عالم الطبيعة بول دافيس ان السعي لفهم الزمن فهماً تاماً، واحد من أهم التحديات في القرن الحادي والعشرين.. ورغم تقدم العلوم وزيادة اهتمام العلماء بالزمن - كل في مجال اختصاصه - رغم هذا كله لم نحصل بعد على تعريف للزمن أفضل من تعريف القديس اوغسطين معلم الكنيسة في شمال افريقيا.. كتب اوغسطين يقول منذ 1600 عام: - ما الزمن - إذن؟ أنا أعرف جواب هذا السؤال اذا لم يسألنيه أحد، اما اذا سألته فلا أعرف له جواباً. وقد اختلف موقف العلماء من الزمن كما تقول مجلة "فكر وفن" الالمانية. اما نيوتن فقد قدم تعريفاً للزمن في إحدى أعماله في القرن السابع عشر قائلاً: "اما الزمن المطلق الحقيقي الرياضي في جري من تلقاء نفسه، وطبيعة ذات وتيرة واحدة، ولا تنعقد صلة بينه وبين اي شيء خارجي". وقد مر الزمن، ورأى العلماء في تعريف نيوتن أنه مجرد حشو وتكرار من أساسه، اذ كيف يختبر المرء الجريان ذي الوتيرة الواحدة للزمن المطلق إلا بالزمن المطلق ذاته.. ثم جاء البرت اينشتين ونقض سنة 1905 بنظريته "النسبية الخاصة" المفهوم المقبول حتى ذلك الحين للزمن. وقد تحاشى اينشتين بذكائه أن يأتي بتعريف محدد للزمن، وكان يجب من يسأله عن الزمن اجابات مقتضبة.. أنه يقول مثلاً، الزمن هو ما نقرأه على الساعة! ولكن.. ما الذي نقرأه على الساعة.. نقرأ حركة دائرية، دائبة الدوران، وهكذا نجد انفسنا ندرك الزمن من خلال الحركة، وكذلك نقيس الحركة بالزمن، سواء كانت حركة فصول السنة، أو حركة الكواكب، او ذبذبة بلورة الكوارتز التي تبلغ وقتها عشر الثانية تماماً. ما زال الزمن لغزاً.. ولقد كان الأمل في نظرية النسبية لاينشتين ان تكشف بعض غموض الزمن ولكنها لم تفعل.. "إن الفرق بين الماضي والحاضر والمستقبل عندنا نحن العلماء ليس سوى وهم، وان يكون وهماً شديد المراس". صحيح أن اينشتين ابطل قول نيوتن بالزمن المطلق إبطالاً تاماً، ولكن هذا لم يحل المشكلة.. ثم جاءت نظرية ديناميكا الكهرباء وتجربة الاثيرة الشهيرة لميكيلسون ومورلي، واثبتتا ان سرعة الضوء في أنسقة الحركة كلهاواحدة، فخفر هذا اينشتين لاتخاذ خطوة بالغة الشجاعة، لم تعد القيمة الرياضية المطلقة لديه هي الزمن، وانما سرعة الضوء. وجعل في النظرية النسبية الخاصة لكل نسق مرجعي متحرك زمناً خاصاً به ورغم ما أحدثه اينشتين من ثورة في فهم الزمن، إلا أن نظريته ظلت في مجملها غير مكتملة. وما تزال بعض المسائل الاساسية المتعلقة بالزمن غير محلولة.. مثال ذلك. - كيف بدأ الزمن ومتى بدأ؟ - ما هو عمر الكون؟ - هل يجوز للمرء ابتداء ان ينسب الكون كله عمراً واحداً؟ - هل يمكن السفر في الزمن؟ واخيراً هل يوجد الى جانب الزمن الطبيعي الجامد زمن آخر "ذاتي" ذو طبيعة اقرب الى العضوية.. وإلا فكيف نفسر الانطباع المدهش بأن الزمن يجري احياناً جرياً سريعاً، ويبدو في أحيان اخرى كأنما يحبو حبواً. اسئلة كثيرة سألها العلماء، وتخمينات كثيرة خمنوها في الاجابة، ونظريات عادوا بها من رحلتهم التي زادتهم حيرة على حيرتهم.. كان هذا موقف العلماء، وقد اختلف عنه موقف الصوفية واصحاب الرؤى الروحية.. وبقدر ما نجد حيرة في موقف العلماء، نرى على العكس شبه يقين عند الصوفية في مسألة الزمن.. ورغم اختلافهم في التفاصيل إلا أنهم يتفقون على تعريف الزمن بأنه هو التجدد المتوالي لشؤون البارئ عز وجل.. وهم يرون ان الله تبارك وتعالى هو خالق الزمن الانساني، وغيره من الأزمنة الكونية.. وبالتالي فإن سياحة العقل في قضية الزمن لن تعود بنتيجة رغم شرف المحاولة.. والاولى ان يشغل الناس زمانهم بأعمال طيبة تليق بمخلوقات كرمها الله وفضلها على كثير من الخلائق الاخرى.