"أذنا العم سام" كبيرتان الى حدّ أنهما تتيحان له التنصّت على كل الاتصالات التي تجرى في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، سواء عبر الهاتف الثابت أو النقّال أو عبر الفاكس أو الإنترنت. والمشكلة ان لهما "وصلة" في بريطانيا، ما اثار سخط شركاء الاخيرة في القارة الاوروبية، خصوصاً وانهم يشكون في فقدانهم صفقات تجارية مهمة نتيجة لذلك. وأثبتت وثائق سرية للوكالة الأميركية للأمن القومي "إن اس اي" كشف النقاب عنها اخيراً، وجود شبكة التنصّت الأميركية المسمّاة "إيشلون" التي سبق وان تلقى البرلمان الأوروبي تقريراً حولها في أيلول سبتمبر 1998. وتستخدم الشبكة مراكز تنصّت ضخمة مزوّدة أحدث التقنيات وموزّعة في كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا واستراليا ونيوزيلاندا وكندا، إضافة الى نحو 120 قمراً اصطناعياً عسكرياً. وتستطيع الأجهزة المتطورة فرز المفيد من الاتصالات عما لا يعدو كونه ثرثرة ونقل المعلومات الى الوكالة الاميركية. ويعتبر مركز فنويت - هيل الواقع في يوركشاير البريطانية أهم المراكز التي تغذّي شبكة "ايشلون"، ويشرف الاميركيون على تشغيله منذ عام 1966، من خلال 1200 موظّف. وكان هذا المركز أعد سابقاً للتنصّت على الاتصالات في دول الكتلة الاشتراكية. وتم تعديل وظيفته ليدمج بشبكة "ايشلون"، التي بدأت عملها في مطلع الثمانينات. ويشكّل هذا المركز حجر الأساس للتعاون بين لندن وواشنطن في مجال التجسّس الالكتروني. وعلى رغم نفي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وجود اي تواطؤ بين بلاده والولاياتالمتحدة على حساب الدول الاوروبية الاخرى، سادت في فرنسا ودول الاتحاد الاوروبي مخاوف من التجسّس الاقتصادي الذي تتيحه الشبكة . وتردّد في باريس ان عمليات التنصّت عبر "ايشلون" قد تكون السبب في إفشال صفقة بقيمة 3,1 بليون دولار بين شركة "طومسون سي اس اف" والبرازيل، لإنشاء جهاز مراقبة في غابة الأمازون. كما تردّد أن عمليات "ايشلون" افشلت صفقات كانت تتفاوض عليها مجموعة "اير باص" الاوروبية لصناعة الطيران مع دول صديقة، لانها مكنت الجانب الأميركي من الاطّلاع مسبقاً على العرض الفرنسي وتقديم افضل منه. لذا تحول دور شبكة "ايشلون" الى موضوع نزاع جديد بين فرنسا واوروبا عموماً والولاياتالمتحدة. كما اضفى تعقيدات جديدة على علاقات بريطانيا بشركائها الاوروبيين. وأبدت وزيرة العدل الفرنسية اليزابيت غيغو قناعتها بأن الشبكة تركّز نشاطها على التجسّس الصناعي بهدف تعزيز القدرة التنافسية للشركات الاميركية في الأسواق الدولية. وأكد رئيس لجنة الدفاع النيابية في البرلمان الفرنسي بول كيليس عزمه على تشكيل لجنة تقصّي حقائق في هذا الشأن. وشهد البرلمان الاوروبي خلال اجتماع عقده في بروكسيل دعوات مماثلة، فيما عبّرت رئيسته نيكول فونتين عن صدمتها لعدم صدور احتجاجات رسمية على نشاط "ايشلون" المستمر منذ سنوات. ورأت فونتين أن هذه النشاطات تشكّل انتهاكاً للحريات العامة والفردية ولحق المؤسسات والشركات الدولية في التنافس في الاسواق وسط أجواء من الحرية والنزاهة. وأكدت ضرورة التحقّق من مسؤولية الدول الاعضاء في الاتحاد، في اشارة الى بريطانيا، من دون تسميتها، وتحديد سبل تطويق فعالية الشبكة. ومن المقرّر ان تعقد المفوضية الاوروبية اجتماعاً مشتركاً مع المجلس الوزاري الاوروبي في 30 آذار مارس المقبل للبحث في الموضوع. ورفض الناطق باسم الخارجية الاميركية جيمس روبن تأكيد وجود شبكة "ايشلون" وقال ان اجهزة الاستخبارات الاميركية "ليست مكلفة ممارسة التجسس الصناعي أو كشف اسرار حول مبادلات تجارية لمصلحة شركات اميركية سواء كانت عامة أو خاصة".