برلين، مدريد، واشنطن – أ ف ب، رويترز - بعدما هزت فضيحة التنصت الأميركية على قادة أوروبا ومواطنيها الثقة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، أطلقت فرنساوألمانيا في اختتام اليوم الأول للقمة الأوروبية في بروكسيل، مبادرة مشتركة مع دول الاتحاد من أجل إيجاد أرضية تفاهم مع الولاياتالمتحدة حول التجسس قبل نهاية السنة. ويسافر الاثنين وفد من المشرعين الأوروبيين إلى واشنطن للحصول على إجابات من المسؤولين الأميركيين حول مزاعم التجسس. وقالت المستشارة الألمانية انغيلا مركل التي تحدثت تقارير عن تنصت السفارة الأميركية في برلين على هاتفها الخليوي: «المهم في هذه المرحلة الدقيقة وضع إطار للتعاون المستقبلي مع الولاياتالمتحدة، يوفر معادلة التنسيق لمكافحة الإرهاب مع حماية بيانات الأفراد والمؤسسات والحريات الأساسية للأوروبيين، ويعيد بناء الثقة». لكن المستشارة عارضت أي اقتراح لوقف مفاوضات التجارة الحرة بين الكتلتين، محذرة من أخطارها، فيما قال البيت الأبيض إن «الولاياتالمتحدة لا تراقب اتصالات المستشارة ولن تراقبها. ونحن نجمع معلومات مثل دول أخرى». وصرح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أشارت تقارير إلى تنصت الأميركيين على ملايين الاتصالات لمواطنيه بأن «الأوروبيين يريدون وضع حد لهذه النشاطات وتوضيحات ستكشف مسائل أخرى بالتأكيد»، مستدركاً أن «المهم هو الحفاظ على علاقاتنا مع الولاياتالمتحدة وتعزيز الثقة، فالحلفاء لا يتجسسون على بعضهم البعض، كما أن المراقبة تقضي بتقاسم المعلومات، وعدم التأثير على الحريات». واعتبر أن معلومات التنصت التي كشفها سنودن «قد تكون مفيدة في نهاية المطاف، لأنها قد تعزز فاعلية عمل أجهزة الاستخبارات، وتمنح مزيداً من الحماية لحياة المواطنين الخاصة». ولم يظهر الأوروبيون حتى الآن وحدة صف في مواجهة وثائق سنودن، لأن مسائل الاستخبارات تبقى من الصلاحيات الوطنية ولأن التجسس يُمارس أيضاً بين دول أوروبية نفسه. وتعطل الخلافات بين الأوروبيين منذ شهور إقرار مشروع قانون حول حماية المعطيات قدمته المفوضية الأوروبية. وعلى رغم نفي هولاند تجسس الولاياتالمتحدة على هاتفه الخليوي، كما حصل مع مركل، كشفت صحيفة «لوموند» أن الاستخبارات الفرنسية اشتبهت في وقوف نظيرتها الأميركية وراء هجوم معلوماتي استهدف الرئاسة الفرنسية في أيار (مايو) 2012. وأوضحت الصحيفة أنها تشتبه في تورط الاستخبارات الأميركية في قرصنة أجهزة كومبيوتر تعود لأحد مساعدي الرئيس نيكولا ساركوزي. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، نشرت مجلة «لكسبرس» مقالاً أشار إلى أن الأميركيين يقفون وراء الهجوم. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، اضطر رئيس وكالة الأمن القومي الأميركية الجنرال كيث الكسندر، أثناء مروره في باريس، إلى الإجابة على أسئلة أجهزة الاستخبارات الفرنسية حول مسؤولية وكالته في هذه القضية. وتوضيحاً للمبادرة الألمانية – الفرنسية، أعلن رئيس مجلس أوروبا، هيرمان فان رومبوي، أن لجنة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة حول حماية البيانات أمرت بتحقيق تقدم سريع في شأن مدونة سلوك حول التجسس، محذراً من أن «فقدان الثقة يضر بالتعاون الأمني». وقال: «دول الاتحاد ال28 اتفقت على نص المبادرة»، لكن معلومات تحدثت عن امتناع البريطانيين، الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة والذين اتهموا أيضاً بالتجسس على دول أوروبية أخرى، بينها إيطاليا. ولم يدلِ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون بأي تصريح سواء لدى وصوله إلى القمة أو عند خروجه منها، ما يعتبر أمراً نادراً. وفي حديث ل «الحياة»، تساءل رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز عن موقف الإدارة الأميركية لو اكتشفت تجسس الاستخبارات الألمانية على نشاطاتها، وقال: «يجب مناقشة ما جرى»، معتبراً أن عمليات تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية «يدل على هبوط قيم الديموقراطية، لكنه لا يعني اهتزاز الثقة بين الحلفاء عبر الأطلسي، لأن التنصت يهدف أيضاً إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة». وفي ألمانيا، أعلنت شركة «دويتشه تيليكوم» للاتصالات المدعومة من الحكومة التعاون مع شركات اتصالات ألمانية أخرى لحماية الإنترنت المحلي من اختراق أجهزة الاستخبارات الأجنبية. لكن المبادرة تخالف أسلوب عمل الإنترنت اليوم إذ يمر الدخول العالمي من شبكة إلى شبكة وفقاً لاتفاقات مجانية أو مدفوعة الأجر من دون التفكير في حدود وطنية. معلومات جديدة وفيما لا تزال فضيحة التجسس الأميركي على الأوروبيين تتسع مع ورود معلومات جديدة، آخرها عن تنصت وكالة الأمن القومي على اتصالات 35 من قادة العالم، كما أفادت صحيفة «ذي غارديان»، استدعى رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي السفير الأميركي في مدريد، وطلب منه توضيحات حول عمليات التنصت المفترضة على السلطات الإسبانية. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن الوثائق السرية التي كشفها سنودن تحتوي تفاصيل حول طريقة تعاون واشنطن مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية. وقال هؤلاء إن «بعض عشرات آلاف الوثائق التي جمعها سنودن تحتوي معطيات حساسة حول برامج موجهة ضد بلدان مثل إيرانوروسيا والصين». وأشارت الصحيفة إلى أن كشف وثائق، على سبيل المثال، تتضمن معلومات عن برنامج تجسس على روسيا تنفذه دولة في الحلف الأطلسي ويعطي سلاح الجو والبحر الأميركي معطيات ثمينة، سيُسهل اتخاذهم التدابير الضرورية لوضع حد للبرنامج». وأعلن الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية (موساد) داني ياتوم، أن الاستخبارات الأميركية تنصتت وما زالت تتنصت على محادثات هاتفية لمسؤولين إسرائيليين كبار، بينهم رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو. وقال ياتوم لصحيفة «معاريف»: «لا ترى الولاياتالمتحدة أحداً من مسافة متر، أي أنها لا تأبه بأحد. وفي كل مرة يعتقدون بأنه يجب التنصت على أحد فهم يفعلون ذلك». وأشار ياتوم إلى أن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية والمحادثات بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي للأخيرة قد يكونان مركزاً للتنصت من جانب واشنطن.