بين صيغة "ارضاء المغرب وعدم ازعاج الجزائر" التي تحولت شعاراً لتحركات اوروبية واميركية في اتجاه الشمال الافريقي، تتشابك خيوط ومصالح تتجاوز ثنائية خلافات المغرب والجزائر الى معاودة ترتيب الاوضاع في المنطقة. فالاوروبيون الذين يراهنون على مشاركة الرباط في القمة الافرو - اوروبية في القاهرة بعد ابعاد جبهة "بوليساريو"، ينظرون الى الموضوع من زاوية ان المغرب منفذ حيوي الى القارة الافريقية ومعادلة اساسية في الاتحاد المغاربي. الا انهم بالمقدار نفسه يرون ان دعم استقرار الجزائر ومساندة جهود الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لحل الاشكالات الداخلية في بلاده اصبحت في رتبة الخيار الاستراتيجي، لأن مخاطر تنامي التطرف وانفلات الامن في الجزائر يهدد الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، عدا ان لهم حسابات في مواجهة الانفراد الاميركي بمناطق النفوذ. كذلك فإن واشنطن التي لم تغب عن توازنات المنطقة في فترة الحرب الباردة تسعى لأن يكون لها حضور قوي عبر خطة الشراكة المقترحة على المغرب والجزائر وتونس، ويبدو انها مصرة على ابعاد ليبيا، ليس بسبب تداعيات ازمة لوكربي فحسب، ولكن بهدف تطويق تحركاتها الافريقية، ووضع حاجز امام الامتداد المغاربي نحو مصر التي ابدت في وقت سابق الرغبة في الانضمام الى الاتحاد المغاربي. في حين ان الجزائر التي عانت من تذبذب الموقف الاميركي حيال التعاطي والوضع الداخلي في فترات ماضية تريد اثبات ان الرهان على الحوار مع الجزائر الدولة افضل من اي تصور آخر لمناهضة الارهاب. عربياً، ليست العواصم المؤثرة بعيدة عن رصد تطورات المنطقة، لكنها لا ترغب في اضافة اعباء جديدة الى ركام الخلافات بين الاشقاء، وتأمل لو ان الرغبة ذاتها تتحوّل الى قدرة لتحقيق الانفراج بين المغرب والجزائر. الأهم من الوساطات او التحركات لرأب الصدع بين المغرب والجزائر ان تأتي من كلا الطرفين، فهما يريان بالعين المجردة اين تكمن المصلحة. وليست التحركات في اتجاه المنطقة اوروبياً واميركياً، تراد لذاتها، وانما في سياق منافسات تضبطها حسابات ومصالح وخيارات. وسيكون اجدى لو ان الانفراج حدث في اتجاه يدعم الوضع العربي، بما يكفل عدم انسلاخ الشمال الافريقي عن امتداده الطبيعي انتساباً وتأثيراً، فهو جزء من العالم العربي قبل ان يكون منطقة افريقية ، لا تبعد كثيراً عن اوروبا. زيارة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الى عواصم عربية تأتي في وقتها، ومثله فعل الملك محمد السادس عندما خصص زياراته الاولى للعواصم ذاتها. وما تجسده هذه اللفتة هو ان الارتباط العربي للدولتين جزء من اوليات الاستحقاقات، والزيارتان معاً ليستا رداً بروتوكولياً على تحركات العواصم المعنية في اتجاه منطقة الشمال الافريقي، ولكنهما تعبير عن الحاجة الى الوفاق. حتى الآن تبدو المسافات بين مواقع انطلاق تلك التحركات ومنطقة الشمال الافريقي ابعد من حتمية الجوار الجغرافي بين المغرب والجزائر، لكن الحواجز النفسية في ذلك الجوار اكبر من ان تخترقها اي مبادرة عدا ما يتعلق بالتعبير عن الارادة عند تلازمها مع القدرة. وكان يكفي لو اهتم البلدان بإطلاق مبادرة جديدة تحت مظلة انسانية عنوانها فتح الحدود، والبقية تأتي...