ديبلوماسية التهاني بين المغرب والجزائر تشير الى ان البلدين نجحا في تكسير حواجز نفسية وسياسية حالت دون التطبيع الايجابي لعلاقات البلدين، وعبدا الطريق امام مبادرة اكثر جرأة ينتظر بلورتها على طريق البحث عن وفاق أوسع. ذلك ان تبادل التهاني يتجاوز البروتوكولات العادية الى فتح حوار هادئ يستند الى الرغبة المشتركة في تجسيد مظاهر الانفراج وحسن الجوار. وما يرسخ هذا الاعتقاد ان التركيز على القيم التي سادت فترة الكفاح المشترك من اجل الاستقلال، والاعتراف رسمياً بالاعياد التي تخلد الذكريات التاريخية، يذهب في اتجاه تعزيز خطوات المصالحة، عبر استيعاب القواسم المشتركة وتحويلها الى حوافز لانجاز فترات بناء الاستقلال . في المؤشرات الايجابية لهذه الرغبة ان لجنة المتابعة المغاربية تمكنت من عقد اول اجتماع لها بعد ازيد من اربع سنوات، سادها اخفاق المشروع المغاربي في التحرك الى الامام. والأهم ان الاجتماع عقد في الجزائر التي ترأس القمة المغاربية المؤجلة في حضور مندوبين عن كل العواصم المغاربية. وقد حرص العاهل المغربي الملك الحسن الثاني على تعيين مسؤول جديد في منصب وكيل وزارة الخارجية لتمثيل بلاده في الاجتماع، ما يعني معاودة النظر في موقف الرباط السابق لجهة تعليق العمل في مؤسسات الاتحاد المغاربي. والارجح ان المغاربة والجزائريين يربطون بين الجانب الثنائي في العلاقات وبين التزام البناء المغاربي، ففي كل مرة تتعرض فيها علاقاتهما للانتكاس يتأثر الاتحاد المغاربي سلبا، وعكس ذلك حين يسود الوفاق بين الرباطوالجزائر تتحرك قاطرة الاتحاد المغاربي قدما. ثمة مؤشرات اخرى ظهرت في سياق التنسيق الديبلوماسي بين البلدين، ومن خلالهما على الصعيد المغاربي في مؤتمر شتوتغارت المتوسطي الذي ابان عن روح وفاقية جديدة، عززها الترحيب الاوروبي بإمكان ادماج ليبيا في الفضاء المتوسطي، وانتقل التعاطي نفسه الى واشنطن لدرس خطة الشراكة الاميركية المطروحة على المغرب والجزائر وتونس . ومن المفارقات انه في ما كان المغرب والجزائر يطلبان ود واشنطن لدعم مواقفهما المتباينة ازاء قضايا اقليمية عدة. اصبح وضعهما الآن يملي مقداراً اكبر من التنسيق الثنائي ازاء الخطة الامريكية التي قد تصل الى مستوى خلخلة التوازن القائم في منطقة الشمال الافريقي بخاصة في المحور الذي يطول العلاقات المغاربية - الاوروبية. ومن شأن هذا التحول في الموقف الاميركي ان يدفع في اتجاه تغليب التفاهم المغربي - الجزائري، لكن الاهم ان التوازن الذي يراد له ان يطبع العلاقات المغاربية مع باقي المحاور الاوروبية والامريكية يفترض ان يبدأ اقليمياً، وليس هناك غير طريق الانفراج بين المغرب والجزائر سبيلاً لتعزيز هذا التوجه. ولعل في تبادل برقيتي التهاني المتسمتين بمزيد من الدفء والامل مؤشراً ايجابياً لإحلال ذلك التوازن، فقد جرب البلدان رهن سياساتهما لمقتضيات التباعد والتباين، وسيكون عليهما ان يجربا هذه المرة الامكانات المتاحة امام الانسجام والتفاهم. والمسافة بين الجزائروالرباط اقرب في اي حال من اي مسافة اخرى بين العاصمتين وبروكسيل او واشنطن.