يبدو ان المسؤولين في منطقة الشمال الافريقي تلقوا اشارات مشجعة من أطراف أوروبية وأميركية تحضهم على ترتيب العلاقات، بما يكفل معاودة الاستقرار والانفراج في الفضاء المغاربي. فالزيارة التي قام بها وفد من الكونغرس الأميركي الى الرباط سبقتها تحركات لادارة البيت الأبيض ركزت على التلويح بشراكة سياسية واقتصادية مع كل من المغرب وتونس والجزائر، وألمحت الى عدم استبعاد ليبيا في حال تسوية أزمة لوكربي. وبالدرجة نفسها تحركت الديبلوماسية الفرنسية، كذلك الاسبانية، لابداء مزيد من الاهتمام بالمنطقة التي تعتبر مركز نفوذها التقليدي سياسياً واقتصادياً، في اشارة الى وجود منافسة حقيقية تطاول الساحة الافريقية في البحيرات الكبرى وشمال افريقيا وجنوبها. والظاهر ان زيارة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى الجماهيرية الليبية أخيراً واستضافة عواصم مغاربية أعمال اللجان العليا المشتركة تندرج جميعها في سياق التعاطي والتمنيات الغربية، على اعتبار ان تحسين العلاقات الثنائية وتفعيلها يمهدان الطريق لمعاودة بناء الثقة في الخيار المغاربي الذي يعتريه التعثر والجمود. لكن المحور الأساسي لتحقيق الانفراج يظل رهن تنقية الأجواء بين المغرب والجزائر، ومن دون حدوث ذلك يصعب احراز التقدم في تحسين العلاقات كافة. فقد جرى الحديث في الفترة الأخيرة عن مبادرة فرنسية، وعن تمنيات أميركية، وعن مساع عربية تركز على محور المغرب والجزائر، إلا أن هذا المحور لم يتبلور بدليل ان الحوار بين المغرب والجزائر لم يحدث الاختراق المطلوب للحواجز السياسية والنفسية، وأقربها استمرار اغلاق الحدود بين البلدين، وبقاء ملف الصحراء معلقاً في انتظار موقف حاسم للأمم المتحدة. كذلك الحال بالنسبة الى تنسيق المواقف ازاء الحوار المغاربي - الأوروبي واستحقاقات الشراكة الاورو - متوسطية. وإذ يقر المسؤولون المغاربة بأن المنافسة حول مراكز النفوذ في منطقتهم قائمة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وأوروبا، فإن ذلك يحتاج الى موقف جماعي، تشكل من خلاله إرادة الدول المغاربية موقفاً حاسماً. فالتخطيط خارج العواصم المغاربية يظل محكوماً بالاتفاق على أسس أي مشروع أو شراكة تحتم بناء علاقات متوازنة ومتكافئة، وبالتالي يكون البدء في ترتيب العلاقات ثنائياً وجماعياً بمثابة ضرورة للانخراط في تلك المنافسة. والواضح في غضون ذلك ان محور المغرب والجزائر يبقى مؤثراً، ان لجهة الانفراج أو التأزم. ويحتاج المغاربة والجزائريون على حد سواء الى مقدار من الشجاعة لبلورة ارادة سياسية حقيقية في بدء الحوار. والأرجح ان ضغوط بعض الأطراف الداخلية لا تريد لهذه المهمة ان تنجز، أقله في الوقت الراهن، إلا أن السياسة مثل الزراعة يلعب فيها الوقت دوراً حاسماً، فالزرع لا يكون إلا في موسمه، والحصاد كذلك، والعلاقات بين الدول تتأثر كما الزراعة بالمناخ والجفاف، ما يحتم ان يكون القطاف في وقته الطبيعي. والمشكل ان استحقاقات أكبر تضغط في اتجاه ان تثمر العلاقات المغربية - الجزائرية تفاهماً ينعكس ايجاباً على المنطقة المغاربية برمتها. وكما ان هذا الخيار يظل حتمياً، فإن الطريق نحو تكريس الشراكة اقليمياً ودولياً تحتاج لأن يكون المتفاوضون أكثر انسجاماً وأقل انفراداً في تقويم الأوضاع والمواقف