أصبح من المألوف أن يدخل أحد الشبان أو الشابات في الليل الى صيدلية بعيدة عن الأنظار، لشراء دواء ضد السعال ليتجرعه دفعة واحدة أمام الصيدلي مخلفاً الدهشة على وجوه الموجودين. ولإقناع الصيدلي بضرورة بيع الدواء... يلجأ الشبان في بعض الأحيان الى الاحتيال فيدّعون أن أحد أقاربهم يعاني من سعال حاد. وان امتناع الصيدلي عن بيع الدواء لهم قد يعرضه للمساءلة القانونية إذا ما أصيب المريض بأي أعراض طارئة. ويطلب هؤلاء عادة دواء يحتوي على مادة الكوديين وهي مادة معروفة طبياً بأنها مخدرة إذا أخذت بكميات كبيرة. وان تكرار التداوي بها يؤدي الى الادمان. ويقع الصيدلي أمام هذا الموقف في حيرة من أمره فإما أن يصدقهم ويعطيهم ما يريدونه ويلبي بذلك تلهفهم لابتلاع الدواء، وإما ان يرفض وقد يواجه عندها عنف المدمن وانتقامه أو تهديده بأبسط الحالات. ويشير الصيدلي عماد عبود الى ان "بعض الشبان يستغلون المناوبات الليلية لبعض الصيادلة كي يأتوا ليلاً طالبين أصنافاً متنوعة من المخدر، فبعضهم يطلب حقن المورفين والبعض الآخر يطلب أنواعاً مختلفة من المهدئات". ويؤكد الصيدلي وجود نوع جديد من الادمان "أصبح ملحوظاً أكثر عند الفتيات هو الادمان على شراب السعال الذي يحوي عناصر مهدئة". ويضيف: "على رغم ان وزارة الصحة اشترطت وجود وصفة طبية رسمية ممهورة بخاتم الطبيب وتوقيعه من أجل صرف هذا الدواء فإن صرفه ما زال متداولاً، إذ يضطر الصيدلي تحت تأثير الضغط أو التهديد أن يصرفه". فيما ترى الصيدلانية رولا ديري ان "مظهر المدمن وهيئته تخيف الى درجة ان الصيدلي يمكن ان يقدم الدواء له بسرعة وحتى من دون مقابل. لذا فأنا لا أقوم بالمناوبة ليلاً خوفاً من التعرض لهذه المواقف وانما يقوم زوجي بها بالنيابة عني". كما أوضحت ان "علب شراب السعال الفارغة أصبحت منتشرة بكثرة على قارعة الطريق في كثير من الأحياء. وان هذه الظاهرة أصبحت متفشية ويجب ان تحارب كما يحارب أي نوع من الادمان. خصوصاً وأنها تؤثر على الشبان في جميع الأعمار. وعلى وزارة الصحة ومديرياتها أن تشدد المراقبة على صرف مثل هذه الأدوية". أما بشار الغميان وهو مساعد في إحدى الصيدليات فيقول: "من اللافت للنظر ان بعض المدمنين على هذا النوع من الأدوية يعرفون أسماءها كلها. وعندما يطلب أحدهم اسماً لدواء وتقول له انه غير متوافر. فإنه يطلب اسماً آخر بنفس التركيب أو يشير الى وجود بعض الأدوية على الرفوف التي لها نفس الخاصية أي التي تدخل في صنعها الكوديين. وهم يقولون انهم مضطرون للدواء جداً ويتوسلون لنا أحياناً". والجدير بالذكر انه يوجد في سورية مركزان لمعالجة الادمان هما مركز ابن النفيس في دمشق ومركز الحارث في حمص. وعلى رغم مراعاة هذين المركزين للسرية التامة في ما يخص هوية المدمن المريض وبياناته الخاصة ومجانية المعالجة واعفائه من أي مساءلة قانونية فإن عدداً قليلاً من المرضى المدمنين يلجأون اليهما. ولا تكتشف حالات الادمان إلا في حال مراجعة المدمنين لمشافي أخرى للعالج من أعراض تظهر نتيجة الادمان أو نتيجة الحوادث التي يتعرض لها المدمن لدى فقدانه توازنه. وتشير أرقام مركز ابن النفيس الى وجود حالات كثيرة من الادمان الدوائي، منها الادمان على شراب السعال "يمو" و"البروكسيمول" والذي يدخل في تركيبه الدوائي مادة Propoxyphene وهو مشتق مورفيني و"البالتان" وهو مهدئ. وفي مركز ابن النفيس أشارت فتاة مدمنة على هذا النوع من الأدوية - رفضت الادلاء باسمها - الى انها بدأت بشرب دواء السعال منذ عام بعد أن اكتشفت خاصيته المهدئة و"المريحة" على حد تعبيرها فهو يساعدها على النوم والاسترخاء. وانها كانت تتناوله كدواء عادي للتخلص من السعال. واستمرت في تعاطيه بعد شفائها من السعال وما زالت حتى الآن. وعن احتمال اقلاعها عنه خصوصاً وأنها طالبة جامعية ومن المفترض أن تكون واعية. قالت "ان شربه لم يزعجها بدايةً في شيء وانه من أقل أنواع الإدمان سوءاً، مع انه يصعب الحصول عليه بسهولة". وفيما يرى المريض وائل ان "حالته المادية الجيدة هي التي ساعدته على ادمان الأدوية نظراً لتوافر المال لديه ورغبته في تجربة شيء جديد"، فإن المريض مصطفى يرى ان "السبب في ادمانه هو الشيطان ورفاق السوء". وقد أبديا خجلهما ورغبتهما في الاقلاع عن ادمانهما والعودة الى الحياة الطبيعية التي دمرها الادمان. وأضاف مصطفى ان "الادمان على الأدوية يجعلك تدفع الثمن غالياً من صحتك وهيئتك ونقودك وسمعتك وهذا ما دفعني للجوء الى مركز المعالجة". أما المريض الشاب عيد فقد قال انه "بدأ أولاً بالإدمان على حبوب "الفاليوم" وبعد فترة تحول الى الهيرويين بحثاً عن النشوة التي لم تعد توفرها له حبوب "الفاليوم" ما ادى الى تدهور صحته وحاله أكثر ودفع أهله لاصطحابه الى المركز". ويقول الدكتور اسحق أحد أطباء المركز: "في عام 1996 كانت لدينا 24 حالة ادمان دوائي فقط ارتفعت الى 272 حالة عام 1997 ثم تضاءلت الى 47 حالة عام 1999". وعن أسباب الإدمان على الأدوية أفادنا الطبيب انه "عندما يلتزم المريض بوصفة الطبيب وتعليماته بشأن الأدوية فإن استعماله يكون بناءً. أما عندما يصل المريض الى مرحلة يصف فيها الأدوية لنفسه فهذا يعتبر اساءة استعمال. وهكذا، عندما يبدأ الإنسان بتناول الأدوية لإزالة القلق مثلاً فهذا يدل على وجود مشكلة أعقد من القلق". وأكد ان الاعتياد على الأدوية هو "اعتياد عضوي لأن هذا النوع من المواد الدوائية له خاصية تؤثر على الاستقلاب الأساسي للجسم. لكن بعض الأشخاص لديهم استعداد لتعاطي الأدوية وغالباً ما يكون بشكل اضطراب شخصية. هذه الاضطرابات تشاهد في مرحلة المراهقة وبداية العشرينات. ففي هذه الفترة يشعر الشاب انه لم يحصل على دوره ولم يحقق قيمته الاعتبارية فيلجأ الى عالم المخدرات أو المهدئات التي تريح باله وتجعله يعيش في عالم الخيال. وأذكر انه كان لدينا شاب يبلغ من العمر 13 عاماً فقط مدمن على الهيرويين". ومع ذلك فإن الإدمان على الأدوية لا يقتصر على المراهقين بل يتعداه الى الناضجين. ويوضح الدكتور اسحق "في سورية يراجع المدمنون الأطباء في أواسط الثلاثينات على عكس باقي الدول حيث تعد هذه المرحلة مرحلة نضج وتناقص في نسبة التعاطي والادمان". وذكر الطبيب بخطورة تناول بعض الأدوية إذا ما استخدمت من دون استشارة الأخصائي، مشيراً الى ان شراب السيمو مثلاً يحتوي على مادة الكوديين التي تعتبر من مشتقات المورفين. وانه "في بعض الحالات يلجأ المدمن الى الهيرويين لدى نفاد الكيمة المخدرة لديه الى شراب السعال "سيمو" ويأخذه بكميات كبيرة للتعويض عن الهيرويين". وعن امكانية الشفاء من هذا الداء أشار الدكتور اسحق الى انه "بعد المعالجة داخل المركز لا بد من متابعة المريض ومعالجته سلوكياً واجتماعياً. لكن للأسف النوادي والجمعيات التي تقوم بهذا العمل غير موجودة في سورية". الى ذلك أشارت جهات مختصة في وزارة الصحة الى ان بعض الأدوية التي تسبب الادمان ليست معتمدة من قبل الوزارة على قائمة المواد المخدرة على رغم ان لها فعل الجرعة المخدرة وتسبب النشوة ذاتها والمشاكل الصحية والاجتماعية ذاتها. ومن المفيد وضع لوائح تتضمن الأدوية التي لا يجوز صرفها من دون وصفة رسمية والأخرى التي من الممكن صرفها من دون وصفة مع التشديد على عدم صرف الأدوية أكثر من مرة بنفس الوصفة، علماً ان الجهات الرسمية لا تملك أرقاماً دقيقة حول عدد المدمنين على المخدرات والأدوية على رغم أهمية وقف هذه الظاهرة وضرورة الكشف المبكر لحالات الإدمان قبل استفحالها. وذلك عن طريق توفير الامان للمدمن الذي يخاف أولاً من التعرض للمساءلة القانونية والسجن والضغط عليه لمعرفة من المروّج الذي يؤمن له المادة التي يتعاطاها ويخاف ثانية من المجتمع ومن مروّج المادة إذا ما اكتشف أمره.