أعلنت 20 دولة افريقية اقامة اول منطقة للتجارة الحرة في القارة خلال اجتماع القمة الاستثنائي لدول تجمع شرق وجنوب افريقيا كوميسا الذي عقد في لوساكا الاسبوع الماضي. وعلى رغم التشكيك في مدى نجاح تطبيق مقررات القمة الا ان الاجتماع اعطى انطباعاً بجدية افريقيا في الانفتاح على العالم ورغبتها في تكوين تكتلات اقتصادية. وانضمت جيبوتي ومصر وكينيا ومدغشقر ومالاوي وموريشيوس والسودان وزامبيا وزيمبابوي الى المرحلة الاولى من منطقة التجارة الحرة على ان تنضم بقية الدول تباعاً وهي انغولاوبوروندي وجزر القمر والكونغو الديموقراطية وناميبيا ورواندا وجزر سيشل وسوازيلاند واوغندا وجيبوتي واريتريا وأثيوبيا. وبمجرد الاعلان عن اقامة المنطقة الحرة في 31 تشرين الاول اكتوبر الماضي عدَّد رئيس زامبيا فريدريك شلوبا رئيس الدولة المضيفة تحديات تنبغي مواجهتها، مؤكداً الحاجة إلى ايجاد السبل الكفيلة بزيادة التجارة بين دول التجمع في حال ارادت الدول لعب دور فعال في التجارة والاستثمار وان يقدم التجمع نفسه على اعتبار أنه اقليم موحد للتجارة الحرة. وشدد على ضرورة أن تخفض الدول الاعضاء التي لم تنضم بعد إلى المنطقة الحرة تعرفتها الجمركية الى مستوى الصفر في اسرع وقت وعلى ضرورة انضمام دول مهمة مثل جنوب افريقيا وموزامبيق وبوتسوانا وليسوتو إلى التجمع. واللافت أن هناك تباينا بين الدول الاعضاء في شأن تطبيق الاتفاقية، إذ طلبت بوروندي واريتريا واوغندا تدابير وقائية لمعالجة الخسائر المادية الناجمة عن الخفوضات المنصوص عليها، وتأخرت الكونغو في تنفيذ الخفوضات لتعرضها لمشاكل اقتصادية. كما تدرس اثيوبيا ورواندا الآثار الناتجة عن تطبيق الخفوضات على الصناعة المحلية قبل الالتزام بتبادل الاعفاء كاملاً. وطلبت سيشل منحها حتى ايلول سبتمبر المقبل للالتزام بالإعفاءات فيما ستنضم بقية الدول قريبا الى المنطقة الحرة. وكان السودان اكثر المتحمسين للانضمام الى المنطقة. واعرب وزير المال والاقتصاد الوطني السوداني محمد خير الزبير بعد القمة عن قناعة بلاده بضرورة التكامل الاقتصادي الافريقي وفق مبادئ اتفاق انشاء الكوميسا للوصول الى جماعة متكاملة اقتصاديا وسياسياً. واعتبرت مصر ان منطقة التجارة خطوة تمهيدية لتحقيق الاستراتيجية الافريقية. وإذا كانت القمة الاستثنائية لدول التجمع أعلنت قيام المنطقة الحرة إلا أن تفعيل هذا الاعلان في حاجة إلى متابعة دقيقة، ومن ثم يأتي العبء على القاهرة التي ستستضيف القمة العادية للتجمع في أيار مايو 2001 لوضع الاطار اللازم وتوفيق الدول الاعضاء بين امكاناتها والانضمام الى المنطقة الحرة، باعتبار ان معظم الدول تئن تحت وطأة الفقر والديون. وعلى رغم الاعلان عن قيام المنطقة الحرة إلا أن اقتصادات الدول التي لم تنضم بعد قد تؤخر انضمامها الى الاعلان وبالتالي عدم تفعيله بالصورة المتوقعة. ويبدو أن تلك الدول رهنت مشاركتها بتحسن اقتصاداتها. وتعمل "كوميسا" على تحقيق تكامل اقتصادي تدريجي وشامل بين دولها بانشاء منطقة تجارة حرة في تشرين الاول اكتوبر الماضي تتطور الى اتحاد جمركي بحلول تشرين الاول اكتوبر عام 2004 ثم انشاء اتحاد نقدي سنة 2025. وسعياً الى تحقيق ذلك ينبغي عدم تعارض "كوميسا" مع التنظيمات الاقتصادية الاخرى في القارة وإنما التكامل معها، بهدف تحقيق اندماج كامل لهذه المنظمات قبل سنة 2024 وهو موعد قيام الجماعة الاقتصادية الافريقية حسب اتفاق ابوجا عام 1991. ويأتي هذا التطور في وقت يبلغ فيه تعداد سكان تجمع اتحاد المغرب العربي البالغ عدد اعضائه خمس دول نحو 67 مليون نسمة طبقاً لاحصاءات عام 1994 واجمالي الناتج القومي 122 بليون دولار طبقاً لاحصاءات العام نفسه، في حين يبلغ تعداد سكان التجمع الثالث المسمى الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا البالغ عدد اعضائه 16 دولة نحو 180 مليون نسمة وبإجمالي ناتج قومي يبلغ 67 بليون دولار. ويبلغ التعداد السكاني لدول الجماعة الاقتصادية لدول وسط افريقيا ايكاس التي تضم عشر دول نحو 78 مليون نسمة بإجمالي ناتج قومي يبلغ 6.31 بليون دولار. وفي إطار هذه المقارنة بين "كوميسا" والتجمعات الاقليمية الخمسة في القارة يأتي أيضاً التجمع الاقتصادي الخامس المسمى جماعة التنمية لدول الجنوب الافريقي سادك الذي يضم 12 دولة بتعداد سكاني يبلغ 213 مليون نسمة وبإجمالي ناتج قومي 152 بليون دولار. ويجمع المشاركون في المؤتمر الاقتصادي الاول أن افريقيا عموماً تئن من وطأة الفقر وتدني معدلات النمو فيما هناك بصيص أمل في أن تعاود الاقتصادات الافريقية النمو بعد عشرات السنين من التراجع. ويشير احدث تقرير عن القارة الى تحقيق معدل نمو بلغ 2.3 في المئة عام 1998 مقابل نسبة نمو بلغت 9.3 في المئة في العام السابق ومعدل زيادة في السكان بلغ 8.2 في المئة سنوياً. في الوقت نفسه زاد متوسط اجمالي الناتج المحلي في افريقيا من اثنين في المئة عام 1994 الى 8.3 في المئة في 1995 و5.4 في المئة عام 1996 حيث يحدث النمو حالياً في 40 دولة من بين 53 دولة. وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي اصبح لتطبيق الديموقراطية اثر كبير في الحياة السياسية والاقتصادية، إذ انه منذ عام 1990 اجريت 42 عملية انتخابية رئاسية متعددة الاحزاب وبدأ كثير من القادة يتبنون توجهات براغماتية من أجل تحسين حياة شعوبهم، ومع بداية القرن ال21 وتوجه العالم نحو العولمة اصبح السؤال الموجه إلى القارة السمراء هو: هل ستكون افريقيا جزءاً من هذا العالم بما تملكه من ثروة معدنية وموارد زراعية وغيرها في ظل استمرار ظاهرة استنزاف العقول والخبرات الافريقية؟ والواقع يقول: إن مساهمة القارة في الناتج العلمي العالمي تراجعت اذ تعاني افريقيا من استمرار استنزاف خبراتها من العلماء والمهندسين وخبراء التكنولوجيا في وقت يبلغ هؤلاء الخبراء عشرين الفاً يمثلون فقط 6.3 في المئة من اجمالي عددهم في العالم فيما تستحوذ الدول الصناعية على نسبة 80 في المئة من الخبرات في كل المجالات. وإذا كان الافتقاد للعمل المنظم من اجل بناء القدرات البشرية لتحقيق النمو المستدام من أهم عوائق التنمية في افريقيا فإن نزوح العقول يترك أثراً سلبياً خطيراً على كل المحاولات في هذا الاتجاه في ظل الافتقاد الى الاجماع على العناصر اللازمة لعملية بناء وتطوير القدرات البشرية. ويكفي للتدليل على حجم المشكلة وخطورتها أن نشير الى انه في الفترة من 1960 حتى 1975 غادر 27 الفاً من كبار علماء القارة في جميع التخصصات بلادهم الى الخارج وارتفع الرقم خلال الفترة من 1975 حتى 1984 الى 40 الفاً. وتضاعف الرقم تقريباً في عام 1987 ما مثل 30 في المئة من رصيد افريقيا من العلماء. وفقدت افريقيا 60 الفاً من الخبراء في كل التخصصات خلال الفترة بين عامي 1985 وعام 1990 وهي تفقد منذ هذا التاريخ نحو 20 الفاً سنوياً. والمثير للسخرية ان تزايد نزوح الخبرات الى الخارج يسير في ارتفاع مستمر مع تزايد عدد المتعلمين والخبراء في الدول الافريقية. ويرجع هذا ليس فقط الى الاغراءات الموجودة في العالم المتقدم ولكن ايضاً لعدم توافر الفرص المناسبة للاستفادة من هؤلاء الخبراء في تخصصاتهم او عدم توافر الحد الادنى المطلوب للحياة الكريمة. مصر وكوميسا وتعتبر مصر اول دولة من خارج منطقتي شرق وجنوب افريقيا تنضم الى كوميسا، وكانت وقعت اتفاقات مع الدول الاعضاء لتشجيع وحماية الاستثمارات ومنع الازدواج الضريبي، وعندما تقدمت مصر عام 1997، للانضمام الى التجمع الاقتصادي الافريقي حظيت بدعم كل الاعضاء نظراً لدورها الاقليمي وثقلها السياسي في القارة والمشاريع العملاقة الزراعية والصناعية التي تشارك في ويأتي انضمام مصر لتكريس التعاون المصري - الافريقي اذ اقترحت القاهرة برنامجاً متكاملاً لدعم التجمع وزيادة طرق التجارة والاستثمار المشترك بين الدول الاعضاء. ومضمون البرنامج استعداد مصر لإقامة اول صندوق للمساعدات الفنية لدول كوميسا لتشجيع التجارة الحرة، وشطب المعوقات الاستثمارية ونقل التكنولوجيا بين الدول، واقامة قاعدة معلومات متكاملة تشمل المعلومات التجارية الخاصة بالتصدير والاستيراد وفرص الاستثمار والتشريعات والقوانين الحاكمة للنشاط الاقتصادي في الدول الاعضاء. ومن بين المقترحات ايضاً اعداد برنامج قوي لربط اسواق الدول المعنية بالدول المجاورة لها، وتطوير البنية التحتية خصوصاً ما يتعلق بالمطارات والموانئ والطرق وسكك الحديد والاتصالات.