إذا كانت الحرب مستحيلة فإن التحرك السياسي ممكن بل مطلوب بإلحاح. كان احتمال الحرب طرح اعتباطاً على القمة العربية، قبل انعقادها، ولما انعقدت لم يطرح اطلاقاً. اما التحرك السياسي فلا يزال واجباً. لماذا؟ أولاً، لأن الانتفاضة لا يمكن أن تستمر على ما كانت، ولا يمكن أن توقف من دون أن تثمر شيئاً ما يعزز موقف المفاوض الفلسطيني. ثانياً، لأن ظروف الانتخابات الأميركية تعني ان المفاوضات مؤجلة لفترة تطول شهوراً، وستكون هذه الشهور بالغة الصعوبة ويمكن ان تنتهزها اسرائيل لتغيير الكثير من الوقائع على الأرض. ثالثاً، لأن أهم دروس الانتفاضة هو ان "عملية السلام" نفسها غير متوازنة وباتت تتطلب مرجعية مختلفة. لهذا كان ممكناً ان تشكل القمة لجنة من القادة للتفكير في هذا الوضع وتحديد التوجهات، وللقيام بتحرك دولي يشرح وجهة النظر العربية ويطرح أفكاراً ل"انقاذ" عملية السلام. وعلى رغم ان الادارة الأميركية مشلولة الآن، إلا أن ابلاغها بالملاحظات والمآخذ والمطالب العربية أمر ضروري يفترض أن تأخذه واشنطن في الاعتبار. العرب جميعاً معنيون بهذا السلام، ومن شأن الولاياتالمتحدة أن تعرف اعتراضاتهم كونهم لم يعرقلوا مساعي السلام ولعبوا اللعبة كما أرادتها واشنطن، وكما ادارتها حتى أفشلتها. وبمعزل عمّن يفوز في السباق الى البيت الأبيض فإن الوضع الراهن يتطلب اجراءات مسؤولة لضبطه، خصوصاً في الجانب الاسرائيلي، وإلا فإنه مرشح لجرّ المنطقة كلها الى حرب قسرية تريدها اسرائيل لحسم الأمر لمصلحة "السلام" الذي ترتأيه. لم يكن كافياً ان يوجه بعض القادة العرب انتقادات صريحة أو ضمنية الى الولاياتالمتحدة، وليس مطلوباً من واشنطن أن تقلب سياستها رأساً على عقب لأنها لن تفعل في أي حال، وانما المطلوب هو حملها على أن تتحمل مسؤوليتها وتكف عن الحياد الكاذب وتواجه المأزق الذي كانت لها يد في تعقيده وتفجيره، ان لم يكن بانحيازها فبإهمالها قواعد لعبة "عملية السلام" التي حددتها بنفسها. يجب أن يسمع الرئيس الأميركي مباشرة من القادة العرب ما قالوه خلال لقاء القمة في القاهرة، سواء في ما يتعلق بارهاب اسرائيل ووحشيتها ومجرمي الحرب الذين يحكمونها، أو بالتخريب المنهجي الذي اتبعته اسرائيل ووضعت معه عملية السلام أمام خطر الانهيار الأخير. ويجب أن يسمع الرئيس الأميركي مباشرة مخاوف القادة العرب وتوقعاتهم لمرحلة الوقت الضائع بين انتخاب رئيس أميركي وجهوزية الادارة الجديدة لمواصلة ادارة المفاوضات على أسس مختلفة. ويجب أن يسمع الرئيس الأميركي مباشرة تحذيرات العرب من مخاطر الهوس العدواني الاسرائيلي، ومن تبعات استمرار واشنطن في تبني طروحات اسرائيلية لا تخدم السلام اطلاقاً وانما تسعى الى ترسيخ الاحتلال. الى ذلك يفترض أن يبدي العرب على مستوى القمة أيضاً جدية واصراراً على الذهاب أبعد ما يمكن في السعي الى محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين، كأن ينتدب القادة لجنة منهم لمخاطبة مجلس الأمن، إذا أرادوا ان يكون لهذا السلام مستقبل. فرئيس الحكومة الاسرائيلي الذي يدعم أوامر أصدرها رئيس أركانه لاطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين وقتلهم عمداً هل يكون شيئاً آخر غير مجرم حرب؟ ورئيس الحكومة الاسرائيلي الذي يعطي الأوامر لقصف مواقع مدنية بالصواريخ أو بالطائرات، هل يختلف في شيء عن سلوبودان ميلوشيفيتش المطلوب للمحاكمة في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية؟ هذه مسألة جدية ينبغي أن يخوضها العرب الى أقصى حدودها حتى لو كان "الفيتو" الأميركي مؤكداً. هناك الكثير الكثير من الخطوات السياسية المدنية التي يستطيع العرب ان يقوموا بها على مستوى القمة، وسيُلامون اذا لم يفعلوا. لأنهم إذا استبعدوا الحرب فهذا مفهوم، أما ان يقتصر دورهم على ما لا يقومون به الآن فهذا مريب.