هبطت التوقعات من القمة العربية الطارئة إلى حد أدنى. فالتلويح بقطع العلاقات مع إسرائيل وتجديد مقاطعتها اقتصادياً لن يأخذا لهجة التهديد، ولن يكونا ملزمين. أما الموقف السياسي "القوي"، وهو الحد الأقصى لما يمكن أن يصدر عن القادة العرب الذين يشاركون في القمة اليوم، فقد حرص وزراء الخارجية في صوغه على جعله متجاوزاً ل"اتفاق شرم الشيخ" الأخير، إذ أنه يؤيد "انتفاضة الأقصى" ويتهيأ لتقديم الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين. وفي الوقت نفسه سيجدد القادة العرب تمسكهم بالشروط الأساسية لعملية السلام، محذرين المجتمع الدولي من خطورة الممارسات الإسرائيلية على عملية السلام هذه، وعلى الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وكانت الدعوة اللبنانية - السورية إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل محور مناقشات طويلة بين وزراء الخارجية العرب، في اجتماعاتهم التحضيرية للقمة التي تبدأ أعمالها اليوم في القاهرة وتختتم ظهر غد الأحد. وأحدثت مناقشة هذه الدعوة فرزاً واضحاً بين الدول. وفيما عارضت مصر والأردن أي حديث عن قطع العلاقات أو المقاطعة الاقتصادية، شددت مصر خصوصاً على أن اعتماد مثل هذه الخطوة سيكون بمثابة "إعلان حرب"، وهو ما يرفضه حتى المؤيدين لقطع العلاقات. ودافعت سورية عن الاقتراح، مع تفهمها موقفي مصر والأردن، لارتباطهما بمعاهدات مع اسرائيل، معتبرة أن موقف القمة سيكون أقوى وأكثر فاعلية اذا اقترن بإجراءات عملية. وأيدت ليبيا واليمن والسودان وجهة النظر هذه، ومال النقاش الى البحث في فائدة العلاقات التي أقامتها دول عربية أخرى مع إسرائيل. وأبدت قطر وتونس والمغرب استعداداً لإلتزام أي موقف تعتمده القمة بالنسبة إلى تجميد العلاقات أو تقليصها أو قطعها، ولم تبدِ موريتانيا الاستعداد ذاته. واتفقت مصادر مطلعة على المناقشات، على القول إن موقف الدول الخليجية كان منسجماً، وهو أيد مبدئياً قطع العلاقات إلا أنه شدد على وجوب التوافق عربياً على أي خطوة. وارتؤي في نهاية المناقشات اعتماد صيغة عامة وترك تحديدها وتوضيحها للقادة، تقول الصيغة ما يأتي: "يؤكد القادة العرب، في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم التصدي الحازم لمحاولات اسرائيل التغلغل في العالم العربي تحت أي مسمى، ويحمّلون إسرائيل مسؤولية الخطوات والقرارات التي تتخذ في صدد العلاقات معها من جانب دول عربية، والتي تستوجبها مواجهة توقف عملية السلام، وما نجم عنها من تطورات خطيرة أخيراً، والتفاعلات التي أدت إليها على الساحتين العربية والإسلامية، وذلك إلى حين التوصل إلى السلام الشامل والعادل". ووصفت مصادر مطلعة مناقشات وزراء الخارجية بأنها لم تتسم بالحدة، كما في السابق، وإنما توزعت حول ثلاث وجهات نظر رئيسية: الأولى دعت إلى قطع كل أنواع العلاقات العربية مع إسرائيل ولم تعارض الاستمرار في عملية السلام بل الاكتفاء باستخدام ورقة العلاقات لتوجيه رسالة إلى اسرائيل. والثانية دعت إلى قطع العلاقات والاتصالات بين إسرائيل ودول عربية غير معنية مباشرة بعملية السلام، وبالتالي إقفال مكاتب الاتصال أو المكاتب التجارية التي أقيمت "تشجيعاً لإسرائيل" على المضي في خطوات السلام. وعلمت "الحياة" أن مصر والأردن وفلسطين لم تمانع في هذا التوجه، كما أن السعودية أيدته. أما وجهة النظر الثالثة فرأت التلويح بقطع العلاقات وإغلاق مكاتب الاتصال، وأن يتم تحذير إسرائيل بأنها إذا استمرت في سياستها الحالية فإن الدول العربية ستقطع العلاقات معها. وقال مصدر وزاري إن الصيغة التي اتفق عليها ستعلن بعد موافقة القادة عليها، وانها ستكون "صيغة عملية تتضمن وقف التعامل الاقتصادي مع إسرائيل والاشارة إلى أنه لن يكون تعامل اقتصادي عربي معها إلا بعد إقرار السلام الشامل والعادل". وعلى رغم غياب "الإجراءات العملية" التي تواكب المواقف السياسية للقمة، فإن وزراء الخارجية أجمعوا على أن أجواء المناقشات جدية، وأن جسامة الأحداث الأخيرة فرضت نفسها على الجميع. وأبلغ مصدر رفيع المستوى "الحياة" أن هناك اتفاقاً واضحاً على وجوب دعم الشعب الفلسطيني لتمكينه من الصمود و"مواصلة الانتفاضة" كونها "الوسيلة الوحيدة التي ستجبر إسرائيل والولاياتالمتحدة على تعديل مواقفهما". وتبعاً لذلك، برز توافق على تقديم أقصى دعم مادي ممكن عبر صندوق خاص تشرف عليه الجامعة العربية اعتماداً على تجارب سابقة لها، خصوصاً في الصومال. وأكد المصدر أن ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز سيأخذ المبادرة خلال القمة لفتح باب المساعدة المالية وإعلان آلية معينة لتقديمها. ووصف مصدر سوري رفيع المستوى القمة العربية بأنها الفرصة الأخيرة ليستمر العرب في تمسكهم بالسلام كخيار استراتيجي وحيد. واستدرك المصدر قائلاً ل"الحياة" إن ذلك لا يعني العودة الى الحرب بل العودة الى "اعتماد أساليب حرب التحرير الشعبية". وأعرب عن أمله بأن يتبلور خلال القمة موقف عربي موحد "ذو أسنان حادة"، مشيراً الى أن المطلوب في هذا الشأن هو خفض العلاقات العربية مع إسرائيل الى أدنى مستويات. وذكّر بأنه عندما أعلنت سورية أنها ستقيم علاقة طيبة مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من الجولان، فإن الدولة العبرية لم تتجاوب مع هذا الاعلان واستمرأت المماطلة، وشدد على ضرورة المساندة الكاملة للفلسطينيين. إلى ذلك وصف مصدر عربي مطلع القمة العربية الطارئة بأنها "قمة تنظيم التضامن العربي الشامل"، واعتبرها ايضاً محكاً لمدى إمكان استمرار تمسك العرب بالسلام كخيار استراتيجي. وكشف المصدر نفسه ل"الحياة" ان الرأي العام العربي "كان الغائب الحاضر" في مداولات وزراء الخارجية العرب أول من أمس، تحضيراً للقمة الطارئة، وأكد أهمية أن تتوصل القمة الى افضل الوسائل لتقديم الدعم العربي الرسمي والشعبي للشعب الفلسطيني. وكشفت مصادر اطلعت على مداولات الوزراء ان مسألة قطع العلاقات الديبلوماسية العربية مع اسرائيل شغلت حيزاً كبيراً من المداولات، إلا أنه جرى ما يشبه الاتفاق على استبعاد أن تصدر القمة قراراً بهذا المعنى، لأنه يعني العودة الى حال الحرب مع الدولة العبرية والعرب ليسوا مستعدين لذلك. وقالت مصادر فلسطينية ل"الحياة" إن الرئيس ياسر عرفات سيلقي "خطاباً بالغ الأهمية" في الجلسة الافتتاحية للقمة، التي ستتحول الى جلسة مغلقة عقب افتتاحها بكلمة الرئيس المصري حسني مبارك مباشرة. واضافت أن عرفات سيضع في خطابه القادة العرب امام مسؤولياتهم، وأكدت ان السلطة الفلسطينية ستكون "جاهزة للمواجهة الشاملة" اذا لم تلتزم إسرائيل ما اتفِق عليه في شرم الشيخ، خصوصاً رفع الحصار الاقتصادي وسحب قواتها، واستئناف المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية. واستطردت: "قدمنا أخيراً أكثر من مئة شهيد ومستعدون لمواصلة النضال". وذكرت أن عرفات سيطالب القادة العرب بتوفير فرص عمل لحوالى 150 ألف عامل فلسطيني يعملون الآن في إسرائيل، وبأن يمدوه "بالرجال والعتاد" عبر فتح أبواب التطوع ليكونوا عوناً للفلسطينيين في "مواصلة الكفاح". وأوضحت أن الرئيس الفلسطيني سيؤكد كذلك أمام القمة حاجته الى "التزام عربي مكتوب" لمساندته في موقفه من الأزمة، كما سيؤكد أنه لن يتنازل عن فرض السيادة الفلسطينية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدسالشرقية، وفي مقدمها الحرم القدسي الشريف وقبة الصخرة والمسجد الأقصى "أما حائط المبكى فلتأخذه إسرائيل". الى ذلك توقع وزير الخارجية الأردني الدكتور عبدالإله الخطيب أن تكون أهم النتائج الايجابية لقمة القاهرة "تحسين العلاقات العربية - العربية واعادة الحياة الى العمل العربي المشترك والتوافق والتكامل في التحركات العربية المقبلة، من أجل ضمان استخدام الخيارات العربية السياسية في مواجهة العدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، وإجبار اسرائيل على التزام الاتفاقات التي تبرمها مع العرب وأولهم الفلسطينيون". وقال إن "المهم أن تتوصل القمة الى قرارات يمكن تنفيذها على أرض الواقع وليس فقط الاكتفاء بإدانة العدوان والسياسات الإسرائيلية". ويكتمل صباح اليوم وصول القادة العرب الى القاهرة، فيما باشر القادة الذين وصلوا أمس اجتماعاتهم الثنائية. وقبل اعلان ناطق اسرائيلي ان رئيس الوزراء ايهود باراك سيجمد عملية السلام بعد انتهاء قمة القاهرة، تمنت فرنسا ان "تساهم القمة العربية في الجهود المشتركة لتهدئة مناخ التوتر واعادة عملية السلام على كل المسارات". واشنطن تستبعد "مفاجآت" في واشنطن الحياة ذكرت مصادر رسمية ان الادارة الاميركية لا تتوقع مفاجآت أثناء القمة لأن "الدول العربية المشاركة عبرت عن مواقفها مسبقاً". وقالت المصادر ان الولاياتالمتحدة "تتوقع مناقشات ساخنة وتصريحات متطرفة لكنها تتمنى الا يصدر عن القمة اي موقف يضر جهود التسوية ولا يساعد في تهدئة الوضع". وتكثفت الاتصالات بين واشنطن والعواصم العربية، وابلغ مصدر مأذون له في الخارجية الاميركية "الحياة" ان الولاياتالمتحدة "تواصل الاتصالات بالقادة العرب وسمعت منهم ما يدعو الى الارتياح". ولفت الى تأكيد الرئيس مبارك ان خيار الحرب غير وارد. وتابع المصدر ان "القادة العرب الذين اجرت واشنطن اتصالات بهم يجمعون على ضرورة وقف العنف ويدركون حساسية المرحلة". واعتبر وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد ان ليس من مصلحة العرب الآن استخدام سلاح النفط "لأننا يمكن ان نجوع أكثر من الآخرين". لكنه لم يستبعد كلياً استخدام الكويت هذا السلاح "كوسيلة لاسترجاع الحق العربي". وأشارت تصريحات له امس الى تطبيع محتمل مع السلطة الفلسطينية قريباً. وفي لندن ارتفع سعر برميل خام القياس "برنت" من 30.92 دولار الى 31.19 دولار في عقود كانون الأول ديسمبر التي جرت بعد الظهر في بورصة النفط الدولية. وربط محللون بين ارتفاع اسعار النفط و"انتظار معرفة نتائج القمة العربية".