أنهى السودان في آب اغسطس الماضي العام الأول من تصديره خام النفط المنتج عبر كونسورتيوم من أربع شركات صينية وماليزية وكندية وسودانية، وبلغ حجم النفط المصدر من ثلاثة حقول في جنوب غربي البلاد 64 مليون برميل حققت عائداً قدره 1.16 بليون دولار، كان نصيب الشركة الوطنية الصينية للنفط والغاز الطبيعي 320 مليون دولار و12.25 مليون برميل من النفط الخام، فيما بلغ نصيب الحكومة السودانية والشركتين الماليزية والكندية 680 مليون دولار و25 مليون برميل. وكانت شركة "شيفرون" الاميركية حصلت في عهد الرئيس السابق جعفر نميري على امتياز التنقيب عن النفط في جنوب غربي البلاد، لكنها انسحبت لأسباب أمنية، وتمكنت شركة "كونكورب" التي يملكها السوداني محمد عبدالله جار النبي من اقناع "شيفرون" بالتنازل عن امتيازها الذي آل الى الحكومة السودانية، فوقعت عام 1997 عقوداً مع كونسورتيوم شركات "الصينية الوطنية" و"تالسمان" الكندية و"بتروناس" الماليزية للتنقيب في حقول هجليج غرب كردفان وأبو جابرة في الوسط الغربي، وعقداً مع شركات اخرى في حقل عدراييل في جنوب البلاد. وبدأ انتاج النفط عام 1999 بمعدل 150 ألف برميل يومياً ارتفعت الى 200 ألف برميل ويتوقع ان تصل بنهاية السنة الجارية الى نصف مليون برميل يومياً. وينتقل النفط من حقوق الانتاج الى ميناء التصدير في بشائر على البحر الأحمر عبر خط انابيب بطول 1600 كيلومتر. وشرعت الشركة السودانية للنفط في اعداد دراسة لمد خط أنابيب لنقل مشتقات النفط من محطة تكرير في شمال الخرطوم انشئت بشراكة بين الحكومتين السودانية والصينية وافتتحت في شباط فبراير الماضي الى اريتريا واثيوبيا، وخط آخر من حقول عدراييل في الجنوب الى مدينة أصوصا الاثيوبية بطول 521 كيلومتراً. ويتوقع ان ينقل هذا الخط ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً ما يوفر طاقة انتاجية كبرى في الحقول الجديدة. وبدأت البلاد منذ تموز يوليو الماضي عمليات تصدير البنزين بمعدل 40 ألف طن يومياً، يتوقع ارتفاعها قريباً الى 60 ألف طن. وشحنت الناقلة الأولى الى مالطا بواسطة شركة "ماكرتش" البريطانية التي رست عليها العطاءات بالنسبة الى الشحنتين الأولى والثانية، كما بدأ في آب الماضي تصدير الغاز بمعدل 550 طناً في اليوم، في حين تستهلك البلاد 120 طناً من الغاز يومياً. وتروج الخرطوم حالياً لثلاث مناطق جديدة بينت الدراسات وجود مخزون ضخم من النفط في جوفها في شمال وغرب البلاد وحوض النيل الأزرق والبحر الأحمر والنيل الأبيض في جنوب وسط السودان. ويعتقد ان 15 في المئة من مساحة البلاد مرشحة لانتاج النفط، كما اكتشف الشهر الماضي عن موقع جديد للنفط في حقل أبو جابرة غرب كردفان اطلق على البئر التي حفرت فيه اسم "الغولة". وذكرت مصادر ان الدراسات والاختبارات اظهرت ان البئر يمكنها انتاج نحو 2400 برميل يومياً. ويقع هذا الاكتشاف ضمن امتياز الشركة الصينية للنفط التي سجلت أخيراً في بورصة نيويورك. ويبلغ احتياط الحقول الخمسة التي منحت لشركة "تالسمان" الكندية نحو 600 مليون برميل وفقاً لتقديرات الشركة. اما الاحتياط المتوقع فيفوق ذلك كثيراً حسب تقارير رسمية، ويقدر بنحو 900 مليون برميل فضلاً عن المناطق المجاورة التي تنقب فيها شركات اخرى. وقال وزير الطاقة والتعدين السوداني الدكتور عوض الجاز ان كلفة الانتاج في البلاد من بين الأقل في العالم. واضاف ان الشركات العاملة حققت أرباحاً مقدرة، مؤكداً ان الشركات العالمية المختصة في قياس الجودة شهدت بجودة النفط السوداني. وأفاد ان الحكومة تتعامل في الصناعة النفطية بما يسمى قسمة الانتاج بين الشركات العاملة والحكومة وتغطية كلفة الانتاج وارباح المستثمرين بما يؤدي الى رفع نصيب الحكومة بعد ثلاث سنوات الى 80 في المئة من الانتاج و20 في المئة للمستثمرين، مشيراً الى ان الاتفاقات الموقعة مع الشركات النفطية تلزمها المساهمة في تنمية المناطق المحيطة بحقول الانتاج وتقديم خدمات الى مواطنيها ما انعكس انتعاشاً في هذه المناطق بعدما كانت توصف بالمهمشة. ويأمل السودان بأن يؤدي انتاج النفط وتصديره الى دفع عملية التنمية وزيادة الانتاج وتطوير الخدمات واحداث نقلة اقتصادية واجتماعية. وعملياً تمكنت البلاد خلال عام واحد من بدء ضخ النفط من اعادة التوازن الى ميزانها التجاري بعد تحقيق فائض سنوي قدره 400 مليون دولار كانت تستخدم في استيراد المحروقات. وانخفض مستوى التضخم من 164 في المئة الى تسعة في المئة، اضافة الى انتعاش السوق الاقتصادية واجتذاب الاستثمارات والالتزام بسداد المديونيات لدى صندوق النقد ومؤسسات التمويل الاقليمية والدولية. كما فتح النفط مجالات استثمارات جديدة خلقت فرص عمل واستثمارات واجتذبت رؤوس أموال وطنية واجنبية، فنشأت شركات لخدمات النفط والتنمية المساعدة. وقال المدير العام لشركة هجليج لخدمات البترول يوسف احمد يوسف ان شركته التي أسست عام 1997 هي الأولى في هذا المجال، وتضم مجموعات من الشركات الهندسية، وتعمل في مجال الخدمات المصاحبة لاستكشاف النفط وانتاجه وتصديره من حفر آبار وتوصيل انابيب ونظافة الحقول وخدمات الكهرباء ومحطات الضخ والنقل وانشاء الطرق داخل الحقول، كما ساهمت في تنمية المناطق المحيطة بمناطق الانتاج عبر انشاء مستشفيات ومدارس ومد خدمات المياه والكهرباء والطرق، وتولت أخيراً تعاقدات لحفر آبار مع شركة ماليزية وشركات اخرى. لكن الحكومة تواجه اتهامات من بعض المنظمات الانسانية باستخدام عائدات النفط في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية والعتاد الحربي ما يزيد من اذكاء نار الحرب في جنوب البلاد. كما واجهت شركات "تالسمان" و"الصينية للبترول" و"بتروناس" اتهامات وتهديدات من منظمات كندية واميركية، وضغوطاً بتجميد أرصدتها، وطردها من البورصات العالمية. الا ان هذه الشركات أفلحت عبر مجموعات ضغط وشركات علاقات عامة في تجاوز محاولات حصارها، وأقنعت الرأي العام العالمي بحيادها ومساهمتها في تنمية المناطق المتخلفة وتقديم خدمات انسانية.