استبعد مسؤول سوداني احتمال انعكاس آثار الازمة المالية في آسيا وتجدد اعمال القتال في الجنوب سلباً على مشروع نفطي كبير يجري تنفيذه وسط البلاد بالتعاون مع تحالف شركات آسيوية وكندية التزم تمويل عمليات الاستكشاف والتنقيب وانشاء بنية تحتية لنقل النفط الخام مايمكن السودان تحقيق الاكتفاء الذاتي ودخول سوق التصدير قبل نهاية العام المقبل. وأكد مندوب الحكومة السودانية لدى التحالف محمد زايد عوض جدية ما التزمته الشركات المساهمة في المشروع وهي "شركة النفط الوطنية" احدى مؤسسات القطاع العام الضخمة في الصين وشركة "بتروناس كاريغالي" التابعة لمؤسسة النفط الوطنية في ماليزيا فضلاً عن المتعهد الرئيسي شركة "اراكيس انيرجي" الكندية. وأضاف في مقابلة هاتفية مع "الحياة" من مقر "أراكيس انيرجي" في كالغاري منتصف الاسبوع الجاري: "احتمالات التأثر بالازمة الآسيوية على رغم خطورتها مستبعدة كلياً لا سيما ما يتعلق بتمويل مرحلة التصدير حيث يتعامل تحالف الشركات مع المشروع بجدية وهو متمسك بالتزاماته ولا اعتقد ان هناك مشكلة". وكان التحالف، الذي تشارك فيه الحكومة السودانية بحصة اقلية، اجاز الاسبوع الماضي عقوداً بقيمة 1.2 بليون دولار اميركي بغرض انشاء شبكة انابيب لربط الآبار المنتجة في منطقة الامتياز ومد خط انابيب بطول 1610 كلم لنقل النفط الخام الى مرفأ التصدير في ميناء بورسودان على البحر الاحمر بطاقة قصوى تبلغ 250 ألف برميل يومياً. وستبني "الشركة الصينية للانشاءات الهندسية" شبكة تجميع النفط ومد خط الانابيب فيما تم اختيار شركة الانشاءات الارجنتينية "تكنيت انترناشونال" لبناء مرفأ التصدير بموجب عقود الانشاءات الهندسية التي بلغت قيمتها 850 مليون دولار وشملت توريد مضخات ومولدات من قبل الشركة الاسكوتلندية "ويير" والشركة البريطانية "آلان باور". وطبقاً لمسؤولين في شركة "اراكيس انيرجي" يُتوقع البدء في بناء منشآت التصدير حال استكمال الاستعدادات في وقت لاحق من السنة الجارية وستقوم شركة صينية ثالثة هي "بتروليوم تكنولوجي اند ديفلبمنت" ونظيرتها الالمانية "مانسمان هاندل" بتوريد انابيب بقطر 28 بوصة حسبما نص عليه عقدان منفصلان بقيمة 335 مليون دولار. ويعتبر تلزيم عقود منشآت التصدير وخط الانابيب المرحلة الاكثر اهمية في مشروع بدأته الشركة الكندية اواخر 1993 وذلك بعدما توصلت شركة "ستيت بتروليوم" المملوكة من قبلها الى اتفاق مع الحكومة السودانية للتنقيب عن النفط في منطقة امتياز مساحتها نحو 50 ألف كلم مربع وتقع على بعد 600 كلم في الجنوب الغربي من العاصمة السودانية الخرطوم. الا ان "ستيت بتروليوم" وهي شركة خاصة اسسها رجال اعمال كنديون من اصل باكستاني لم تبدأ نشاطاتها من الصفر اذ شمل اتفاقها مع الحكومة السودانية تطوير حقول نفطية شكلت جزءاً رئيسياً من امتيازات حصلت عليها شركة "شيفرون اوفرسيز" الاميركية في السبعينات وحققت فيها اكتشافات نفطية مهمة لكنها تخلت عنها سنة 1992. وتضم منطقة امتياز الشركة الكندية حقل الوحدة الذي تم اكتشافه عام 1980 ويعتبر في حد ذاته اكبر اكتشاف نفطي منفرد في السودان ويقدر انتاجه بنحو 35 ألف برميل يومياً ويجاوره حقل اصغر حجماً هو حقل "هجليج" الذي اكتشف عام 1982 ويبلغ معدل انتاجه اليومي نحو 25 ألف برميل لكنه محاط بسبعة حقول صغيرة. وخلال الفترة الماضية قامت "ستيت بتروليوم" بنشاط مكثف لتطوير حقلي الوحدة وهجليج شمل حفر 45 بئراً اعطت كلها نتائج ايجابية وحققت في الوقت نفسه اكتشافات جديدة في سلسلة من الحقول من بينها النور وتوما الجنوبي والنار وذلك طبقاً لمسؤولين في شركة "اراكيس انيرجي". وأكد العضو السوداني المنتدب اهمية العمليات التطويرية والاكتشافات التي حققتها "ستيت بتروليوم" في منطقة الامتياز وأرجع ذلك جزئياً الى العمليات الاستكشافية والمسوحات الزلزالية التي قامت بها شركة "شيفرون اوفرسيز" في السابق، وقال: "قدمت شيفرون معلومات دقيقة وجيدة لكن اراكيس نجحت في توظيف هذه المعلومات بجدارة". في الوقت نفسه اعترف لطف الرحمن خان مؤسس شركة "ستيت بتروليوم" ان مشروع النفط السوداني اكتسب زخماً قوياً عقب انشاء التحالف في أواخر شباط فبراير الماضي بمبادرة من شركته التي نجحت اخيراً في اجتذاب شريكين قويين بعد محاولات متعثرة مع اطراف اخرى من بينها احدى مجموعات الاستثمار العربية. وقال لطف الرحمن الذي يرأس ايضاً مجلس ادارة "أراكيس انيرجي" ان انضمام لاعبين دوليين مثل شركة "النفط الصينية" وشركة "بتروناس كاريغالي" الى التحالف وفر للمشروع امكانات فنية ومالية ضخمة ما سمح برفع وتيرة العمل على صعيد عمليات التنقيب والتطوير في منطقة الامتياز وتسريع الخطوات الخاصة بانجاز مرحلة خط الانابيب. ويشار الى ان مشاركة الشركة الصينية تصل الى نحو 40 في المئة من التزامات التحالف وتليها نظيرتها الماليزية بحصة نسبتها 30 في المئة وبلغت مساهمة "اراكيس انيرجي" 25 في المئة بما فيها المبالغ التي انفقتها منذ تسلمت منطقة الامتياز، واقتصرت التزامات الحكومة السودانية على الحصة الباقية 5 في المئة. ورأى لطف الرحمن ان شريكيه الاسيويين يملكان قوة سياسية لا تقل اهمية عن الامكانات الفنية والمالية، وقال في رسالة غير معدة للنشر وموجهة الى حملة اسهم الشركة "مع استمرار الحكومات الغربية في مراقبة الوضع السياسي في السودان وتقويمه يغدو من الضروري عدم تعرض الشركات المساهمة الى التدخلات السياسية الا في اضيق الحدود ضماناً لاستمرارية المشروع وصدقيته". وعلى الجانب الامني، يُلاحظ ان المسؤولين في شركة "اراكيس انيرجي" يمتنعون عن التعليق على مجريات الاحداث في جنوب السودان لكن العضو السوداني المنتدب، الذي قام اخيراً بجولة في منطقة الامتياز، استبعد انتشار رقعة اعمال العنف شمالاً وقال: "ان الحكومة السودانية تعطي مسألة حماية آبار النفط اولوية قصوى بالنظر الى اهميتها لاقتصاد البلاد". وقال محمد زايد: "ان بدء الانتاج التجاري للنفط في الفصل الرابع من السنة المقبلة سيمكن السودان من تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط الخام والمشتقات البترولية وتصدير الفائض الى الاسواق الخارجية واعتبر هذا الحدث تطوراً كبيراً حيث يضطر السودان في الوقت الراهن الى انفاق القسم الاعظم من عائدات صادراته لتمويل وارداته من النفط والمشتقات". ويخطط التحالف لبدء الانتاج التجاري من منطقة الامتياز بمعدل 150 ألف برميل يوماً في المرحلة الاولى. وطبقاً لمحمد زايد يُقدر ان تصل حصة السودان الى نحو 83 في المئة من اجمالي الانتاج وهو ما يكفي لسد الاحتياجات المحلية المقدرة بنحو 60 ألف برميل يومياً وتأمين مصادر جديدة للدخل من عائدات التصدير. ولفت المسؤول السوداني الى ان بدء الانتاج سيتزامن مع تدشين مصفاة تبنى في الخرطوم وتصل طاقتها التصميمية الى 50 ألف برميل يومياً، وستنضم المصفاة الجديدة التي سيتم تغذيتها بواسطة خط الانابيب الرئيسي الى مصفاتين صغيرتين تقع احدهما في بورسودان وتبلغ طاقتها 25 ألف برميل وتقوم الاخرى في منطقة "اميض" غرب السودان وتبلغ طاقتها 10 آلاف برميل. ويأمل السودان زيادة اجمالي انتاج النفط الخام من اراضيه الى نحو 250 ألف برميل يومياً خصوصاً ان منطقة امتياز التحالف هي واحدة من أربع مناطق امتياز نشطة ثلاث منها قادرة فعلياً على الاستفادة من الطاقة الاستيعابية الاضافية التي يوفرها خط الانابيب وتضم الرابعة آباراً منتجة يتم حالياً تصريف انتاجها بواسطة الصهاريج. وتنشط في احدى مناطق الامتياز شركة النفط الصينية التي تنتج حالياً 25 ألف برميل يومياً وتتوقع تحقيق زيادة تراوح بين 10 و20 ألف برميل يومياً في المستقبل القريب فيما تعهدت المنطقة الثانية شركة "انترناشيونال بتروليوم" الكندية، وتعهدت المنطقة الثالثة التي تنتج حالياً نحو 5 آلاف برميل يومياً، شركة "الخليج" القطرية.