ليست المساعي القطرية لتحسين العلاقة بين اريتريا والسودان هي الأولى، إذ سبقتها محاولات ليبية وقبلها كان هناك حديث عن مساع لدول عربية أخرى. اريتريا هي التي بادرت بقطع علاقاتها بالسودان بعد أن اتهمته بدعم حركة "الجهاد الإسلامي الاريتري" وبالعمل على نشر الاصولية الاسلامية في المنطقة. ثم اتبعت اريتريا أقوالها بالأفعال، فأعلنت تبنيها للمعارضة السودانية، وجاهرت بسعيها من أجل اسقاط نظام الخرطوم. ووجدت الاتهامات الاريترية للخرطوم وسعيها من أجل اسقاط النظام السوداني مساندة اقليمية ودولية، نتيجة للمشاكل التي كانت لهذا النظام مع الجيران والدول الغربية. ووضع الدور الاريتري الجديد السودان أمام موقف صعب، إذ تصاعد النشاط العسكري للمعارضة الشمالية بشكل ملحوظ، كما أن الدعم الاريتري زاد من قدرات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق، لكن السودان لم يتبن، كما فعلت أسمرا، المعارضة الاريترية، بل اكتفى بالسماح لها بالعمل العلني من أراضيه، على أمل ان تراجع اريتريا مواقفها وتكف عن دعم المعارضة السودانية. لكن التحسن النسبي في العلاقة بين اريتريا والسودان لا يتم الآن بسبب تغيير الخرطوم لسياساتها. فما هي إذن أسبابه الحقيقية، وما هي فرص استمراره وتطوره؟ يأتي التقارب بين أسمرا والخرطوم في أسوأ توقيت بالنسبة للأولى، فالحكومة الاريترية لن تستطيع الدخول في مقايضة مع نظيرتها السوادنية على أساس معارضة بمعارضة، لأنها واقعة تحت ضغط آخر أكثر خطورة، هو المسعى الاثيوبي الهادف إلى كسب الخرطوم من أجل تحسين موقف اثيوبيا في النزاع مع اريتريا. وبسبب الانفراج السياسي الحالي في السودان الذي يقلل من دون شك من فرص اريتريا في الدخول في مثل هذه المقايضة. اعتقدت الحكومة الاريترية بأنها، ومن خلال منع أي تأثير للسودان على مجريات الأمور في اريتريا، ستتمكن من تنفيذ مشروعها الهادف إلى عزل اريتريا عن محيطها العربي والمحافظة على الاختلال القومي والديني للسلطة في اريتريا، لذا فهي لم تقصد من قطع علاقاتها الديبلوماسية السودان السياسي فقط، بل عملت على عزل اريتريا عن السودان الطبيعي أيضاَ، لأنها ارادت ان تمنع أي تأثير له وبالذات في مرحلة بناء الدولة الاريترية. ولا تستطيع الحكومة الاريترية الآن ان تقول بأن قطع علاقاتها الديبلوماسية مع السودان أضعف حركة "الجهاد الإسلامي الاريتري" توجد حركتان، لأن هذه الحركة صارت أقوى مما كانت عليه عندما قطعت علاقاتها بالسودان، إذ وفرت لها القطيعة بين البلدين فرصاً أفضل للعمل والنمو. ومن جانب آخر، أدى انقطاع العلاقات بين اريتريا والسودان إلى عودة نشاط تنظيمات أخرى كان السودان منع نشاطها من أراضيه بعد نيل اريتريا لاستقلالها. إن اريتريا الآن في نزاع مع كل جيرانها الذين ترتبط معهم بحدود برية. ولأن نزاعها مع اثيوبيا هو الأخطر، وكما سعت لتحسين علاقاتها مع العرب الآخرين تحت ضغطه، فإنها مضطرة الآن للتقارب مع السودان بسببه، لكن هذا التقارب يبدو مستحيلاً إذا لم تتخلص أسمرا من أجندتها التي اعتمدت العزلة كفضاء للتنفيذ. دمشق - ياسين محمد عبدالله كاتب اريتري