يتكررالمشهد العام امام زائري موقع عين التينة في أي من أيام الجمعة، لكنه يختلف في تفاصيله يوماً عن يوم، ويختزل تفاصيل الاحتلال الاسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية ل32 سنة. في هذا الموقع يلتم شمل العائلات التي فرقها الاحتلال. بعضهم بقي في إحدى القرى الخمس في القسم المحتل، في حين نزح آخرون الى احدى ضواحي دمشق أو يعيشون في القرى المقابلة للاسلاك الشائكة التي تشق الهضبة من الحدود اللبنانية في الشمال الى الحدود الاردنية في الجنوب. واعتاد الاقارب على التوجه الى هذه التلة مع صباح كل يوم جمعة، لتبادل الاخبار والمناسبات الحزينة والسعيدة مع اقاربهم في الطرف الآخر... ولا بد من التزود بوسيلتي الاتصال: المنظار المقرب ومكبر الصوت. لكن احداث كل نهاية أسبوع تختلف عن الأخرى. والحدث الأبرز يوم الجمعة الماضي، كان تجمع عدد من أهالي بلدة جرمانا، احد اكبر مواقع النزوح في ضواحي دمشق، في عين التينة للاطمئنان الى صحة قريب لهم بعد خروجه من المستشفى. إذ رفع مدحت الفاعوري 42 عاماً صوته :"خليك قاعدة يا عيني، لا تعذّبي نفسك لأننا نراك". ولم ير مدحت عمته منذ احتلال اسرائيل الجولان في العام 1967، في حين ان معظم ابنائه لايعرفون قريبتهم التي تقيم في بلدة مجدل شمس، كبرى القرى السورية تحت الاحتلال. ويفصل بين عين التينة ومجدل شمس "وادي الصراخ" بعرض 500 متر، الذي يتصل عبره نحو عشرين ألف سوري تحت الاحتلال ونصف مليون آخرين نزحوا بعد حرب 1967. قبل ثلاثة اسابيع، جلس أفراد عائلة أخرى مرتدين الاسود ليقدموا التعازي عبر "وادي الصراخ" الى أقاربهم في الطرف الآخر من الهضبة. والى هذه الطريقة، فإن الاقارب يتبادلون الاخبار ويؤدون واجباتهم الاجتماعية عبر الالتقاء في الاردن قبل ان تسمح اسرائىل ل"اللجنة الدولية للصليب الاحمر" بترتيب الانتقال الاستثنائي إقامة الطلاب الجولانيين للدراسة في الجامعات السورية في نهاية الثمانينات. إذ يدرس حالياً نحو 250 طالباً. وتساهم اقامة هؤلاء الشباب في بلدهم في التعرف على أقاربهم وتعزيز الروابط الاجتماعية التي تؤدي غالباً الى الزواج، إذ يتعرف الطرفان على بعضهما بعضاً مباشرةً أو عبر تبادل ارسال اشرطة الفيديو. وشهدت السنتان الأخيرتان نحو 40 حالة زواج انتقلت فيها العرائس... إلى منطقة الاحتلال للإقامة الدائمة. كما عبر الأسبوع الماضي 216 شيخاً درزياً مدينة القنيطرة باتجاه الوطن الام في اطار اجتماع سنوي يعقد لمدة اسبوعين في جرمانا، بترتيب من "الصليب الاحمر". وكانت سورية وإسرائىل وقعتا في أيار مايو 1967 اتفاقاً لفك الاشتباك بين الجيشين بعد حرب تشرين الأول اكتوبر 1973، قضى بانسحاب اسرائىل من القنيطرة واقامة منطقة عازلة بعرض عشرة كيلومترات وثانية مخففة السلاح بعرض 25 كيلومتراً. واقام السوريون في طرفهم من المنطقة العازلة بوابة للعبور تؤدي الى بوابة إسرائيلية في القسم المحتل، وتفصل بين البوابتين نقطة تابعة للأمم المتحدة تسمى "تشارلي غيت" تجري فيها حفلات الزواج وعملية التدقيق في الوثائق قبل الانتقال إلى أي من الاتجاهين.