علّق مازن الرفاعي لوحاته المائية، ملونة وبالأبيض والأسود، في بهو البناء الجديد لفندق بالميرا في بعلبك بينما تعلقت في البهو الآخر للفندق القديم رسوم للشاعر الفرنسي الكبير جان كوكتو، وعنوان معرض الرفاعي "تحية لباخوس" كناية عن ضربات ماهرة بالريشة الغريقة التي تجانب البلل في حذق ورهافة. تدعوك أعماله الى أنواع متباعدة من التأمل، فلو عبرت بها مسرعاً، من دون وعي تتبدى أقرب الى انعكاسات غائصة في الضوء للحجارة المجاورة في معبد الشمس الروماني. اكتشف سعيد عقل أن باني القلعة مهندس من بعلبك، لكنك تستطيع أن تتمهل لتسأل: ثم ماذا؟ نعم، هنا مهندس داخلي درس في ايطاليا ويشغل مناصب استشارية في عدد من الهيئات المحلية والدولية، لكنه أيضاً تشكيلي يحمل همّاً مرهقاً هو مشقة الحفاظ على بعلبك التاريخ واستشراف بعلبك الغد. هذا الشاب النحيل بوجهه الدراميّ ونظرته النائية، وبصفته عضو في بلدية بعلبك، وضع دراسة تمهيدية بهدف تصويب مسيرة التطوير المديني، ولديه تصوّر طموح للحفاظ على معبد باخوس. فهو يرى المدينة منطلقة، مثل قطار، على خطين، الأول يتعاطى مع "خصوصية تاريخية يجب المحافظة عليها"، والثاني "تكييفها مع الحاضر والعمل على التخفيف من العوامل الهدامة، من عمران عشوائي وتلوّث بيئي". ولعلّ الرائي الى بعلبك في الوقت الراهن يكتشف من دون صعوبة الى أي حدّ هي بحاجة الى رؤيويين مثقفين يبذلون الوقت والجهد خارج النأورات السياسية الضيقة لاستتخراج المدينة من عشوائية التفكير والتصرّف على جميع المستويات. يقول مازن الرفاعي ان بعلبك "مدينة تتمدد بالتاريخ منذ أكثر من ألفي عام، ومدينة موازية حالية تتطور وتتمدد عشوائياً بسرعة ومن دون أي رادع وتحت ضغط ديموغرافي واقتصادي هائل". ويضيف أن المدينتين مهددتان. "الحديثة بسبب النقص في التخطيط والتناقص في التطبيق والعشوائية في الاتساع. والقديمة مهددة بمواجهة هذا التمدد، اضافة الى ما يهددها من الداخل بفعل العناصر والتلوث والتبدلات المناخية". ويكشف الرفاعي ل"الحياة" بكثير من القنوط والألم أن فريديريك ماير أرسل من الأونيسكو الخبير الفرنسي في الآثار هنري فونكنري ليدرس أوضاع القلعة ويضع توصياته للمحافظة عليها. "التقرير والتوصيات" يقول الرفاعي موجودان لدى مديرية الآثار ووزارة الأشغال العامة منذ أكثر من ثلاث سنوات وفيهما أن معبد باخوس مهدد بالانهيار بسبب تهرؤ الجدران وتفسخها. وقد ارتأى الخبير الفرنسي علاجات عملية على مراحل للحيلولة دون وقوع الأذى. ويرى الرفاعي أن إعادة بناء السقف فوق باخوس بالطريقة المعمارية نفسها ممكن وأساسي ومن شأنه حماية المعيد والحفاظ على ما تبقى من المعالم الزخرفية التي تتفتت وتتهاوى بفعل المناخ القاسي، خصوصاً الجليد في الشتاء والشمس القوية في الصيف. أما المنطقة الخضراء المحيطة بالقلعة فيمكن تحويلها الى منطقة سياحية مثلى بدلاً من اهمالها على النحو الراهن. ويدعو الرفاعي الى وقف سريع وحازم للتطور العمراني العشوائي وغير القانوني في المدينة، واجراء عملية مسح شاملة للأبنية في المدينة السكنية والتجارية، كذلك أن يطال المسح المدارس والمستشفيات والسراي وقصر العدل وغيرها من المباني الرسمية، لتحديد حاجاتها. ويحتوي تقريره على مجموعة مقترحات للشقين المديني والخدماتي هدفها التوصل الى تأهيل شامل للطرق والأرصفة والأسواق والمداخل والساحات العامة والمنطقة الأثرية، داعياً الى "التعاطي مع بعلبك بروحية جريئة خلاقة تنطلق من المحافظة على هذا الأرث الإنساني بعيداً عن المشاكسات السياسية والشخصية". كما يضم صوته الى الداعين لإشراك المدينة عضوياً وشعبياً في المهرجانات السنوية". ولا ينكر الرفاعي أن البدء باستنهاض طاقات التغيير منطلقه بعلبك الأهالي أولاً والوعي المطلوب لتقديم مصلحة المدينة على كل شيء آخر خصوصاً الخلافات السياسية. كما لا يخفي احباطه حيال استمرار العقلية القصيرة المدى في التحكّم بالخطوات الشمولية المجدية، خطوات المستقبل.