شهدت الساعات الاربع والعشرون الماضية، تحركات واتصالات دراماتيكية بين السلطة الفلسطينية وبعض الشخصيات والفصائل المعارضة المقيمة في دمشق، وكانت عمان مركزاً لهذا النشاط. وما كان يبدو محرماً ومحظوراً في السابق، تحول في الساعات الاخيرة امراً عادياً وطبيعياً. وبدأ السؤال السياسي الكبير يطرح نفسه: هل نحن على ابواب تحالف فلسطيني جديد، يضم المؤيدين والمعارضين لاتفاق اوسلو، شعاره مواجهة مشكلات مفاوضات الحل الدائم الحل النهائي، ام ان الاتصالات والحوارات الجديدة قد تتعثر بسبب شروط يضعها هذا الطرف او ذاك؟ راجع ص3 بدأ السؤال يطرح نفسه منذ اشهر، حين نقلت الانباء احتمال لقاء بين الرئيس ياسر عرفات والامين العام ل"الجبهة الديموقراطية" نايف حواتمة، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق. ثم راجت انباء عن لقاء محتمل بين عرفات والامين العام ل"الجبهة الشعبية" الدكتور جورج حبش، وظهر ان الانباء سابقة لأوانها. لكن السؤال عاد ليطرح نفسه من جديد، بعدما تسربت انباء عن لقاء سوري - فلسطيني جمع نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام وثلاثة مسؤولين فلسطينيين معارضين هم: عصام القاضي الامين العام لمنظمة "الصاعقة"، وطلال ناجي القيادي البارز في "الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، وخالد الفاهوم رئيس "جبهة الانقاذ الفلسطينية" التي تضم عدداً من الفصائل المعارضة المقيمة في دمشق. وتسرب عن هذا اللقاء ان خدام نصح الفصائل الفلسطينية بالتركيز اكثر على العمل السياسي في المرحلة المقبلة، وضرورة احداث تغيير في الخطاب السياسي الرافض الذي يمارسه عدد من الفصائل. ودارت في هذا اللقاء وما تسرب عنه اقاويل عدة بعضها مصيب وبعضها خاطئ، الى ان حدثت لقاءات عمان امس، فكان لها دوي سياسي في اكثر من مكان، وستكون لها نتائج سياسية على اكثر من صعيد. "الحياة" واكبت نشاطات الفصائل المعارضة، واتصالاتها الجديدة مع قيادة السلطة الفلسطينية، وتجمعت لديها الصورة الآتية: "الجبهة الديموقراطية" تقدمت "الجبهة الديموقراطية" بمبادرة لتوحيد الصفوف الفلسطينية حول خطة عمل سياسية في شهر ايار مايو من العام الماضي 1998، اساسها الاتفاق على ضرورة انهاء المرحلة الانتقالية واعلان الدولة الفلسطينية حين يحل موعد ذلك، كما نص اتفاق اوسلو في 4/5/99. وحين انعقد الاجتماع الفلسطيني لبت هذه المسألة تقرر تعليق القرار، ولا يزال معلقاً حتى الآن، ولم تحرز مبادرة الجبهة نجاحاً لكن الاتصالات بين الطرفين تواصلت في رام اللهوغزة، على قاعدة ضرورة التوصل الى ورقة عمل سياسية مشتركة تكون اساساً لتلاقي "الجبهة الديموقراطية" وحركة "فتح"، كما تكون اساساً لفتح حوار شامل مع الفصائل المعارضة الاخرى. وفي سياق هذا الحوار اقترحت "فتح" لقاء بين عرفات وحواتمة في القاهرة يوم 1/7/99 او في الجزائر يوم 8/7/99 لمناسبة انعقاد القمة الافريقية، لكن حواتمة ارتأى تأجيل اللقاء الى ان يصل الحوار الدائر في الداخل الى نتيجة يتضمنها برنامج سياسي واضح، ثم يأتي اللقاء تتويجاً للحوار التحضيري. وعقد آخر اجتماع بين الطرفين في رام الله يوم 18/7/99، حضره عرفات وقيس عبدالكريم ابو ليلى وتيسير خالد من"الديموقراطية"، وتكرر فيه الربط بين انجاز البرنامج السياسي والتنظيمي وعقد لقاء بين عرفات وحواتمة، ويجري حالياً صوغ هذا البرنامج. "الشعبية" تناقش "الجبهة الشعبية" منذ فترة فتح باب الحوار بينها وبين "فتح" والسلطة الفلسطينية. وعقدت الجبهة قبل شهر اجتماعاً لمكتبها السياسي في دمشق، وناقشت موضوع الحوار اللقاء بين حبش وعرفات، واستقر الرأي على عدم اتخاذ قرار واحالة الموضوع لنقاش موسع في اللجنة المركزية للجبهة، واجتمعت هذه وشهدت موقفاً تمثله الغالبية يؤيد فكرة الحوار واللقاء، واقلية تعارض ذلك. وعلى الاثر سافر عبدالرحيم ملوح عضو المكتب السياسي للجبهة وممثلها في اللجنة التنفيذية الى رام الله، وابلغ عرفات الموقف الجديد للشعبية، واتفق على عقد اللقاء في القاهرة يوم 31/7/99. وفي انتظار ذلك الاجتماع، وتحضيراً له، ارسل الرئيس الفلسطيني من غزة الامين العام للرئاسة الطيب عبدالرحيم يرافقه اكرم هنيّة عضو المجلس الثوري ل"فتح" للقاء مع ابو علي مصطفى نائب الامين العام للشعبية وعبدالرحيم ملوح. وعقد اللقاء في عمان، التي شهدت ايضاً اجتماعاً للمكتب السياسي للجبهة. وقبل ان ينهي المكتب السياسي للجبهة اجتماعه في عمان، ويصدر قراره النهائي بالموافقة على اللقاء مع مندوب عرفات، تسرع عباس زكي عضو قيادة "فتح" واعلن ان حواراً سيبدأ، وصدرت على الاثر بيانات نفي للقاء من اوساط الجبهة في دمشق، لأنها لم تكن تبلغت قرار المكتب السياسي. وهذا هو سبب البيانات المتضاربة الصادرة باسم الجبهة في الساعات الاخيرة. الفاهوم لا يمثل خالد الفاهوم تنظيماً سياسياً، لكنه يتمتع بمصداقية لدى كل الفصائل، ويحتل بينهم مكانة معنوية. وهو حين يتحرك لا يمثل طرفاً بعينه، لكنه يمثل بالتأكيد حالة سياسية قائمة تعبر عن فهم عميق لتوجهات السياسة السورية ولتوجه داخل الفصائل المعارضة كذلك. وحين يصل الفاهوم الى عمان، يصل حاملاً هذه المواصفات. ابلغ الفاهوم يوم السبت 17/7/99 بعض قادة الفصائل في دمشق انه ينوي التوجه الى عمان، وانه قد يلتقي عرفات، وقد أجرى اتصالاً هاتفياً به إثر وصوله الى الاردن. وقالت أوساط الرئيس الفلسطيني في رام الله، انه ركز في مكالمته الهاتفية على أهمية الحرص على منظمة التحرير، وضرورة تفعيل مؤسساتها، وأنه مع الحل السلمي من خلال التفاوض، الذي يجب ان يتم على قاعدة قرارات الشرعية الدولية. وأضاف الفاهوم انه مستعد للقاء عرفات لمناقشة هذه القضايا، فأوفد له الرئيس الطيب عبدالرحمن للقائه في عمان وناقلاً اليه رسالة. وكذلك عقد لقاء آخر بينه وبين سليم الزعنون ابو الأديب للغاية نفسها. ويقول المقربون من الفاهوم، انه يتبنى توجهاً يدعو الى اعادة تشكيل اللجنة التنفيذية للمنظمة لينضم اليها قادة الفصائل المعارضة حبش وحواتمة واحمد جبريل، وعصام القاضي، وتتولى هذه القيادة الجماعية مسؤولية التفاوض حول الحل النهائي. ويختلف موقف بعض الفصائل المعارضة بعض الشيء عن اتصالات الحوار الجارية. ويبرز في هذا الصدد موقف "الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، و"فتح الانتفاضة"، و"الصاعقة". فهذه الفصائل لم تذهب حتى الآن الى حد الحوار، ولكنها تعمل باتجاه بلورة برنامج سياسي مع دعوة الى مناقشته أولاً. وشكلت لجنة تضم طلال ناجي القيادة العامة ومحمد خليفة الصاعقة وخالد عبدالمجيد جبهة النضال لصوغ هذا البرنامج، وسيناقش في صيغته النهائية بعد يومين 24/7/99.