من يكتب الرواية الأميركية الجديدة؟ ان استعراضاً سريعاً لأهم الروايات الأميركية الصادرة في التسعينات يبرز اسماء روائيين معظمهم معروف منذ الستينات والسبعينات، فجون ابدايك، مثلاً، الذي اصدر "الأرنب يرتاح" عام 1990، ونال عنها اشهر الجوائز الأميركية للرواية بوليتزر، بدأ الكتابة في اواخر الخمسينات، وعرف الشهرة ابتداء من 1964، وحاز "بوليتزر" عن "الأرنب تري" عام 1981. الى ذلك فإن روايته "برازيل" الصادرة عام 1994 تشكّل ما يشبه بداية جديدة له، عبر انطلاقه نحو "رواية المغامرات". وهنا نفكر في جون ايرفنغ الذي، مثل ابدايك، اختار في آخر رواياته "ابناء السيرك" الصادرة عام 1995 مسرحاً غير اميركي لروايته. ابدايك يختار البرازيل، اما ايرفنغ فيختار الهند. والاثنان في الحقيقة يختاران في العمق بلداً خيالياً. فالهند في رواية ايرفنغ، هي الهند كما هي في رأسه، لا فوق الأطالس. انظر مقدمة ايرفنغ لروايته المذكورة، إن تشابهت مع الهند الحقيقية. هذا البحث عن "مكان خيالي" للوصول الى بداية جديدة نجده ايضاً عند توماس بينشون في روايته "مايسون وديكسون" الصادرة عام 1997. هذا ايضاً كاتب معروف منذ الستينات. ايرفنغ نشر روايته الأولى "تحرير الدببة" عام 1969، بينشون نشر "V" عام 1963. لم يكتب بينشون سابقاً الا عن العلاقة بين الحضارة والتكنولوجيا والانسان. كتب اذن عن "دمار الانسان الذاتي"، غياب التواصل، والاقتراب من "القيامة". في "جاذبية قوس قزح" 1973 استعان بفيليب ك. ديك، وكل الموسوعات وكتب التاريخ، ليقول اننا اقتربنا من النهاية. في "فانيلاند" 1990 عاد الى حقبة ريغان ليصوّر اميركا المفكّكة واضطهاد جيل الستينات، او من بقي منه. اما في "مايسون وديكسون" فإن بحثه عن "مكان خيالي" أتى جميلاً ومعبّراً: انه يرجع في الزمن الى القرن الثامن عشر، ليكتب عن اميركا القديمة، اميركا البدايات، اذن، القاسم الأساسي بين التجارب الاخيرة لابدايك وايرفنغ وبينشون يتلخص في البحث عن مكان وزمان جديدين، مكان وزمان خياليين ربما اتاحا ل"اميركا" ان تتنفس مجدداً. ننتقل الى ثلاثة كتّاب آخرين بدأت الشهرة تأتي اليهم في السبعينات والثمانينات، منذ اعمالهم الأولى. توني موريسون الحائزة على نوبل للآداب سنة 1993 ترحل في "جاز" 1992 الى عالم الموسيقى الزنجية. هذه الكاتبة التي نشرت روايتها الأولى عام 1970، ونالت "بوليتزر" عن روايتها الخامسة "محبوبة" عام 1987، تجد جذورها في "العالم الأسود" لرالف اليسون وريتشارد هايمز، اما تقنياتها فتأتي من فوكنر، ابن الجنوب الأميركي، ومن ماركيز، ابن اميركا الجنوبية. منذ البدايات اذن لا تكتب موريسون عن "المجتمع الزنجي" في اميركا. فإن "الزنوجة" هنا تتغذى من عالم الخيال أيضاً انظر "اغنية سليمان" مثلاً. وقد لا تحمل موريسون الموهبة التي يحملها بعض معاصريها الاميركيين الذين لم يحظوا بنوبل، لكنها تبقى العلامة الفارقة" في الأدب الاميركي الأسود الحديث. وبالحديث عن معاصريها نأتي الى بول اوستر، الذي نشر في منتصف الثمانينات "ثلاثية نيويورك". 1985، 1986، 1987. هذا كتاب مكوّن من ثلاث روايات، نُشرت أولاً مستقلة في نيويورك، ثم جُمعت في كتاب واحد في اصدارها البريطاني. اننا هنا امام عمل يستلهم ريموند شاندلر، ورواية اميركا البوليسية، كما يستلهم انجازات بورخيس والسرد الحديث، ليقدم لنا رواية بوليسية - فلسفية - ميتافيزيقية، قد تكون من اهم انجازات الأدب الاميركي في العقدين الاخيرين. وللأسف فإن اوستر التسعينات هو غير اوستر الثمانينات. فأعماله الاخيرة من "موسيقى الصدفة" 1990، الى "ليغياتون"، الى "السيد فيرتيكو" 1994 لا ترقى الى مستوى ثلاثيته. وهنا نتذكر ريتشارد فورد، الذي على رغم نيل روايته "عيد الاستقلال" جائزة بوليتزر لعام 1996، يظهر قدرة اقل في شد القارئ اليه، من القدرة التي اظهرها سابقاً في "حياة وحشية" 1990 او في "قطعة من قلبي" 1976، وهي روايات يبدو فيها تأثير ريموند كارفر، اشهر قصاص اميركي منذ همنغواي، بصورة جلية قارن الحوارات مثلاً. مع ريتشاد فورد نأتي الى مصطلح "الواقعية القذرة"، الذي اطلقه بيل بوفورد عام 1983. آنذاك، وضمن عدد واحد من مجلة "غرانتا" الانكليزية، قدم بوفورد مجموعة من روائيي اميركا الصاعدين، فجمعهم تحت لافتة واحدة، وأبرز بطريقة غير مباشرة تأثير ريموند كارفر في اعمالهم. نذكر من هؤلاء جين آن فيليبس، التي لا تتمتع بغزارة انتاج فورد نسبياً، وصاحبة الرواية الجميلة "آلة الحلم". رواية عن اميركا ما بعد حرب فيتنام، وقصة عائلة تتمزق تدريجاً. تعدد الكاتبة رواتها، تستفيد من دروس "الصخب والعنف" لفوكنر، وتقدم لنا رواية تفوق في قيمتها الفنية معظم روايات موريسون. وبعيداً عن بيل بوفورد وتنظيراته نستطيع القول ان الرواية الاميركية الجديدة، اي رواية اميركا الثمانينات والتسعينات، لا تزال تجد اهم كتّابها في تجارب شديدة الخصوصية لا يجوز جمعها تحت لافتات محددة. فقارئ فورد وفيليبس لا يستطيع جمعهما في خانة واحدة مثلاً. ومن جهة اخرى فإن بعض اهم الروايات الاميركية الصادرة في العقدين الاخيرين كتبها روائيون من "الجيل القديم". نضرب مثلاً فيليب روث، هذا كاتب من مواليد 1933، روايته "وداعاً كولومبوس" نالت احدى اهم الجوائز الاميركية، عام 1960 National Book Award، ومنذ ذلك الحين بات الكاتب اليهودي الاميركي الأشهر منذ سول بيلو. اصدر فيليب روث آخر رواياته عام 1995 تحت عنوان "مسرح السبت". رواية بائسة الى حد ما، خصوصاً اذا قارناها بالرواية الجميلة التي سبقتها. نقصد "أبوّة" الصادرة عام 1992، وهي القصة الحقيقية لمرض والد روث بالسرطان، وربما جاز لنا اعتبارها اجمل ما كتبه روث. هناك فصل يتيم فيها لا ضرورة له، ويتعلق بالمسألة اليهودية، وفيه تهبط كتابة روس الى مستوى تعيس. مثال آخر اساسي من الجيل القديم: نورمان مايلر. فمنذ 1948 تاريخ صدور روايته الأولى "العراة والموتى" استطاع مايلر ان يفرض حضوره على الأدب الاميركي. كتب روايات، وتظاهر ضد حرب فيتنام امام البيت الأبيض، وتمكن من اظهار صور ادبية لليسار الاميركي: "جيوش الليل" 1968، او "لماذا نحن في فيتنام؟" 1967 تعتبر علامات أساسية في تاريخ الرواية الاميركية. انظر المجلد الرقم 20 من موسوعة أميركانا. وآخر انجازاته كانت في "شبح هارلوت" 1992، وفي عمله الأرشيفي - الروائي عن مقتل جون كينيدي اغتيالاً عام 1963، وعن اتهام اوزوالد بالجريمة ثم قتله. يعود مايلر اذن الى عام 1963، والعودة الى بداية الستينات لها دلالة اساسية في تاريخ تطور الرواية الاميركية. فبين 1961 و1962 حدثت ثلاثة امور مهمة: 1- انتحر همنغواي اثر خروجه من مستشفى للأمراض العصبية. 2- مات فوكنر اثر نوبة قلبية. 3- صدرت ترجمة "متاهات" بالانكليزية وهي مجموعة من أهم قصص الكاتب الارجنتيني خورخيه لويس بورخيس 1899 - 1986. ان موت عملاقي الرواية الاميركية همنغواي حاز نوبل 1954، وفوكنر حاز نوبل 1950 كان مؤشراً الى "نهاية مرحلة". وكذلك الأمر فان صدور قصص بورخيس في اميركا عن انطلاقة جديدة ل"السرد الاميركي"، على ايدي كتّاب مثل دونالد لارثليم وجون بارت وروبرت كوفر وتوماس بينشون وجون غاردنر الخ... من المفيد هنا العودة عشر سنوات اخرى الى الوراء. ففي عام 1952 صدرت ثلاث روايات اميركية كبيرة. 1- "الحارس في حقل الشوفان" ل ج. د. سالنجر. 2- "الرجل الخفي" لرالف اليسون. 3- "الشيخ والبحر" لإرنست همنغواي. وبعد هذا التاريخ، اي 1952، دخلت الرواية الاميركية في ما يشبه السبات. الاستثناء الوحيد قد يكون اعمال سول بيلو المنشورة في تلك الفترة. هذا السبات الذي استمر حتى اوائل الستينات كان في صورة اساسية نتيجة لدخول التلفزيون الى حياة الطبقة المتوسطة في اميركا. فكتب التاريخ تخبرنا ان "التلفزيون" في اميركا الخمسينات شكّل ظاهرة مخيفة. والطرفة تقول ان كنيدي لم يصل الى رئاسة اميركا الا بواسطة من موهبته الفطرية في الظهور امام الكاميرا. الطرفة نفسها قد تنطبق على الممثل رونالد ريغان. هذا الموت للرواية الاميركية الذي شاع الحديث عنه في بدايات الستينات دفع جون بارت الى صياغة مقالته الشهيرة حول ضرورة تحويل الأدب الى هدف الأدب، عبر الاستعانة بصاموئيل بيكيت وخورخيه لويس بورخيس وفلاديمير نابوكوف، لكتابة ادب جديد يفكر في نفسه اولاً. ذلك كان يعني بداية عصر ما بعد الحداثة. فان حداثة فوكنر وهمنغواي حسب بارت كان لا بد من تجاوزها للدخول في مرحلة جديدة، ولبعث الرواية من موتها. هكذا كان انطلاق بيشون في تجاربه نحو ادخال العلوم الى الأدب، وصناعة متاهات من الفيزياء، فيما انجز هيلر روايته المخيبة عن الحرب، وأصدر بارت اولى رواياته المهمة عام 1966، مقدماً "ميتا - رواية". ان العاب بورخيس حول المرايا، وتبادل الهويات، والضياع في الزمن، والانعكاس الذاتي، ومزج الخيالي بالهوامش التاريخية، تجد هنا مسرحاً اساسياً لظهورها في اشكال جديدة. في تلك الفترة ذاتها كان فيليب روث يعلن عجزه عن فهم الحياة الاميركية بكل تعقيداتها. انظر "قاموس السيرة الادبية" الذي تصدره جامعة بيل، المجلد الرقم 30. اننا نتحدث هنا عن الستينات الاميركية. عن رئيس - تلفزيوني يتم اغتياله تحت عدسات الكاميرات. عن حرب في فيتنام تتنقل جثثها ومذابحها الى كل بيت اميركي عن طريق الشاشة الصغيرة. وعن رجل اميركي يدعى ارمسترونغ يدعس فوق سطح القمر. ففي الستينات بدأت الرواية الاميركية الجديدة. والى جانب الاسماء السابقة نجد دون ديليللو، صاحب التجربة المشابهة لتوماس بيشون. هناك ايضاً بول تيرو، الذي بات يفضل في رواياته الأخيرة اختيار هونغ كونغ مثلاً مسرحاً لرواياته، بعدما كانت أحداث رواياته السابقة تدور في افريقيا. ولا بد من ذكر تيم اوبراين ورواياته الصادرة في السبعينات عن حرب فيتنام. وهناك راسل بانكس وهارولد برودكي الذي بعد صمت 25 سنة، أصدر في التسعينات روايته العملاقة "الروح الهاربة". وهناك جيل ألبيتس، والشهير جاك كيرواك، وترومان كابوت الذي مثل مايلر، تمكن من "فهم الحياة الأميركية وتعقيداتها" عبر مزج الأرشيقي بالروائي، وأحياناً عبر إلغاء "الروائي" لمصلحة "الارشيفي". تحاول الرواية أن تفهم مجتمعها، سالنجر استعان بالزن - البوذية ثم ركن إلى الصمت. رالف اليسون كتب "الرجل الخفي"، عام 1952، وظل حتى عام 1994 يقول إنه يكتب رواية "تتفوق على جميع رواياتي السابقة". كان يفكر تحديداً في تكرار تجربته مع مجلة "لايف" الشهيرة التي نشرت له "الشيخ والبحر" في عدد واحد من أعدادها. تحاول الرواية أن تفهم مجتمعها، لكن الروائي يفشل أحياناً في الحفاظ على نفسه، أو بالأحرى: في الحفاظ على قدرته على الكتابة هنا السبب الأساسي لانتحار همنغواي. لم يكتب رالف اليسون تتمة "الرجل الخفي"، لكن توني موريسون فعلت شيئاً يشبه ذلك. الأمر ذاته حصل مع همنغواي فهو صاحب اسلوب لا يزال طاغياً على الكتابة الأميركية. هكذا نرى أن التواصل مستمر في الرواية الأميركية على صعيدين، أولاً: استمرار اسماء من "الجيل القديم" في انتاج روايات مهمة. وثانياً: مواصلة اسماء جديدة لتجارب بدأها الرواد. لكن المشاكل التي تواجهها الرواية الأميركية حالياً كثيرة، أهمها مشكلة "السوق". فالروايات الجيدة قد تضيع في فوضى الاصدارات السيئة. وكذلك فإن التجارب الجديدة قد لا تحظى بالاهتمام الكافي لعدم توافر الناشر المهتم أحياناً. جون ايرفنغ مثلاً لم تحظ أولى رواياته بالاهتمام الذي تستحقه، ولا روايته الثانية أيضاً. فعمد إلى تبديل ناشره بناشر آخر يثق به، وهكذا انطلق مع "العالم حسب غارب" ليصبح أحد أهم الكتّاب الأميركيين. على رغم أن روايته السابقة على هذه أجمل بمراحل. نقصد رواية "رجل العلاج المائي". وللتغلب على مشكلة "السوق" هذه، وللوصول إلى كتاب بسعر منخفض نسبياً وبقدرة على جذب الاهتمام الاعلامي اللازم، عمد غاري فيسكتجون المحرر في دار "فانتج" وهي فرع من راندوم هاوس إلى إصدار سبعة كتب عام 1984، ضمن سلسلة اطلق عليها اسم VC84 "فانتج" لعام 1984، وكانت عبارة عن ست روايات كتاب شباب، ومجموعة قصصية واحدة لريموند كارفر أصدرها في غلاف - ورق، وضمن تصميم موحّد، وذلك في خطة شديدة الذكاء: كان يراهن على نجاح كتاب واحد - من الكتب السبعة - جماهيرياً، على أساس أن نجاج كتاب واحد منها يؤدي إلى تسويق بقية اصدارات السلسلة. وبالفعل نجحت خطته، إذ أصابت رواية من روايات السلسلة، هي "أنوار مشعة، مدينة كبيرة" لجاي ماكينري وكانت الرواية الأولى له، نجاحاً هائلاً أدى إلى تسويق السلسلة برمتها. واللافت هنا ان غلاف رواية "أنوار مشعة، مدينة كبيرة" جاء شديد الشبه بغلاف رواية سالنجر الشهيرة الصادرة عام 1952، أي "الحارس في حقل الشوفان" حسب بعض الخبراء في سوق الكتب، فإن هذا التشابه لعب أيضاً دوراً أساسياً في الإقبال على شراء الكتاب". هكذا، وبفضل رواية ماكينري أقبل جمهور القراء على ابتياع روايات "دب راقص" لجيمس كراملي، و"الرقص في العتمة" لجانيت هوبهاوس... الخ. بعد هذا المسح السريع لأبرز الروايات الأميركية الصادرة في العقود الأخيرة، هل نستطيع أن نصدر حكماً ما على رواية أميركا التسعينات؟ ربما نستطيع أن نطرح هذا السؤال بطريقة أخرى: هل انتجت أميركا التسعينات رواية قادرة على منافسة روايات الثمانينات أو السبعينات أو الستينات أو...؟ الجواب، على الأرجح، غير ايجابي. وهنا نأتي إلى سؤال آخر: أتكون الرواية الأميركية مشرفة على غيبوبة جديدة، أم مرحلة جديدة؟ اننا نلمس في أعمال بينشون وتيرو وأبدايك وإيرفنغ الأخيرة محاولة للبحث عن أميركا أخرى، عن مسرح جديد لرواياتهم. هذا البحث يشبه أيضاً بحث اوستر في ثلاثيته. ذلك ان أبطال "ثلاثية نيويورك" لا يعيشون في نيويورك إلا بمقدار ما عاش دون كيشوت في اسبانيا، فأوستر عمد إلى الروايات والكتب، إلى حيل بورخيس، ليصنع أميركا ونيويورك خاصة به. في الجهة المقابلة يقف كاتب مثل ريتشارد فورد. فعنوان روايته الأخيرة وحده يكفي لإظهار إصراره على الارتباط ب"التاريخ الأميركي". وقد عاش أبدايك حياته يكتب عن هذا التاريخ في تفاصيله الصغيرة، تفاصيل حياة العائلات الأميركية. إنها خريطة معقدة بالتأكيد. ولا بد من تعليق الاجوبة. لكن طرح الفكرة بحد ذاته فكرة البحث عن أميركا أخرى لا بد أن يذكرنا بفيليب ك. ديك، أحد أشهر رواد الخيال العلمي في أميركا. وربما كان ستيفان كينغ أبرز ممثلي هذا الاتجاه حالياً. مراراً وتكراراً حاول فيليب ك. ديك ان يصنع أميركا أخرى. أميركا لم تربح الحرب العالمية الثانية بل خسرتها أمام هتلر، مثلاً. انظر روايته "الرجل في القلعة العالية". وفي روايات أخرى عمد إلى البحث عن كوكب آخر. بعض أبطاله عاشوا فترة من حياتهم على سطح المريخ. عن كوكب غير الأرض. كي تبدأ الاشياء من جديد. المريخ هو جوابنا هنا. فإذا كان التلفزيون في أميركا الخمسينات، ومن ثم التطور التكنولوجي السريع الذي أوصل ارمسترونغ إلى القمر، إذا كانت هذه العناصر ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بدخول الرواية الأميركية في مرحلة جديدة ابتداء من بداية الستينات، فإن الصور الأولى التي وصلتنا من المريخ قبل أشهر قد تشكّل في المستقبل مؤشراً ونقطة تحوّل مرتبطة بتاريخ الرواية الأميركية المشرفة على القرن الواحد والعشرين. يشبه المريخ الصحراء. هكذا رأيناه في صور المركبة التي تجولت فوق سطحه. أتكون الصحراء هي أميركا الأخرى؟ وعندئذ فأي رواية ننتظر ان تمنحنا أميركا في القرن المقبل؟