يخوض المرشحون الجزائريون إلى الرئاسة معاركهم الدعائية للوصول إلى قصر المرادية على جبهات عدة، وكل منهم يملك برنامجاً لوضع الجزائر على طريق جديدة نحو السلم الأهلي والإجتماعي، فماذا عن برامجهم الإقتصادية؟ سؤال واسع تصعب تغطيته بمقال تحليلي واحد أو حتى ببضعة مقالات، فالأوضاع الإقتصادية الجزائرية بعد عشرة أعوام على انطلاق عملية الانتقال المتعثرة من اقتصاد شبه اشتراكي تسيره الدولة إلى اقتصاد شبه رأسمالي تحت رعاية أوساط متنفذة ومنتفعة في بعض السنوات في الدولة نفسها، هذه الأوضاع مضت بالجزائريين من مطب إلى آخر ومن فشل إلى غيره، وكادت نتائجها الكارثية أن تقضي نهائياً على الطبقة الوسطى التي تعتبر في كل المجتمعات ضامناً للتوازن الإجتماعي. لكن كيف يمكن الكلام على توازن إجتماعي واقتصادي في ظلّ حرب أهلية دامية عمرها هو من عمر "عملية الإصلاح الاقتصادي" نفسها، بحيث بات يخيل للبعض هنا أن انتهاء حالة الحرب الأهلية يجب أن يحمل معه بالضرورة نهاية لعملية الإصلاح المذكورة والتي تملك بالنسبة إلى الطبقات الجزائرية المستفقرة وجهاً قبيحاً لما أدت إليه من فساد وتهدم وإفقار للناس، وإلى "انفتاح" أين منه حسب أحد المحللين السياسيين هنا "عملية الانفتاح" المصرية في السبعينات. لغة واحدة ولكن؟ على أن الملاحظ اليوم من خلال ما تطرحه برامج المرشحين أن اللغة الإقتصادية التي يتكلم بها الجميع واحدة، أو هي متقاربة كثيراً. أما الصدقية فهي ليست كذلك. من هنا فإن الجولة على تلك البرامج لا تكفي، ولا بد من الاستعانة بالمواقف منها. من هنا على الأرجح انفرد وزير خارجية بومدين السابق المرشح اليوم للرئاسة السّيد عبدالعزيز بوتفليقة بدعم أوسع القوى العمالية والشعبية إلى جانب دعم الجيش له. وقد صدرت مذكرات مكتوبة بذلك ملأت الصحف. ويقدم بوتفلية نفسه بصفته صاحب برنامج إقتصادي إصلاحي جديد بلسان ووجه قديمين لا ينكرهما أبداً. فهو الأكثر انتماء بين مرشّحين بومدينيين إلى بومدينية يظنها الجزائريون اليوم طريقاً للخروج من الفخ الدموي والانهيار الإقتصادي معاً. ويتفق جميع المرشحين المشاركين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، بمن فيهم الأوفر حظاً السيد بوتفليقة على أن الأوضاع الاقتصادية الجزائرية متأزمة إلى درجة كارثية، وأن الحلول التي يحتاجها الإقتصاد الجزائري حتى يقف على قدميه تتطلب من الدولة الجزائرية الارتقاء بمشروعاتها إلى وضعية "غرف طوارئ" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وإذا كان كل من طالب الابراهيمي والمرشح المنسحب بلعيد عبدالسلام وجها سهام النقد مراراً إلى الأسلوب الذي أديرت به عمليات إعادة تنظيم الاقتصاد الوطني على مدار سنوات التراجع عن "الشعبوية" و"شبه الاشتراكية" الاقتصادية والاجتماعية، فإن بوتفليقة الذي نال دعم المركزية النقابية الجزائرية التي تضم نحو مليون صوت يملك تشخيصاً للأزمة الاقتصادية في البلاد، ومشاريع حلول تهدف إلى "تحقيق الوثبة الوطنية الجديرة بالتمكين لإنجاز التقويم الوطني". والالتزامات الواردة في برنامج المرشح بوتفليقة تهدف على الصعيد الاقتصادي إلى إعادة الاعتبار للخدمة العمومية والقطاع العام، وبالتالي تحمل تصوراً لإمكان العودة إلى البرامج البومدينية في التنمية وصولاً إلى تحقيق ما يسميه بپ"العدالة الاجتماعية". وهذه السياسة البومدينية المستعادة ستوجّه في حال وصول بوتفليقة إلى قصر المرادية ضربة قوية لعمليات استيلاء نخبة من الخواص على القطاع العام ومؤسساته التي تعتبر إنجازاً لكل الجزائريين. وكانت هذه العمليات بدأت كما هو معروف إثر أحداث شتاء 1988 تحت دعاوى تحرير الاقتصاد الوطني والانتقال به من رأسمالية الدولة إلى رأسماليات الأفراد. واعتبرت المركزية النقابية أن الموعد الانتخابي في 16 الجاري سيضع حداً للمحن والمصائب والمآسي سواء تلك المتولدة عن وحشية الإرهاب أو المتولّدة عن التلاعب بقوت الناس وأقدارهم الاجتماعية عبر الظلم والجور الإقتصادي المتسلّط على رؤوسهم من قبل جيش جرار من اللصوص والمستغلين الذين هبت بهم على الجزائر عاصفة التغييرات العشوائية التي رافقت العواصف السياسية والأمنية التي ضربت البلاد على مدار الأعوام العشرة الماضية والسؤال الآن في أوساط النخب الاقتصادية الجزائرية هو هل يمكن إعادة ضخ الدّم في شرايين القطاع العام ومؤسساته التي ضمرت من خلال مشروع سياسي وطني يطرحه الرئيس المقبل؟ التقويم الوطني المحللون الاقتصاديون الجزائريون يلاحظون أن بوتفليقة الذي صعدت أسهمه كثيراً بعد تبني المركزية النقابية لمشروعه الإقتصادي الاجتماعي، ودعوتها العمال إلى التصويت له، لم يكن وحده الذي يطرح التزامات اقتصادية "ثورية" كالتي يجري الحديث عنها. فبرامج المرشحين الآخرين تنحو المنحى نفسه الذي يشكّل أنصاره والداعون إليه اليوم في الجزائر غالبية متضررة من "الإصلاحات". فتعبير "التقويم الوطني" ورد في بيان المرشح المنسحب بلعيد عبدالسلام الذي يرى أن البلاد تحتاج إلى مثل هذا التقويم نظراً للأوضاع الاقتصادية السيئة. و"التقويم الوطني" هو الشعار الذي رفعه الرئيس اليمين زروال في انتخابات 16 تشرين الثاني نوفمبر 1995. وبدوره فإن المرشح أحمد طالب الابراهيمي يطالب بالتقويم نفسه لكنه يصطلح عليه بالدعوة إلى "نهضة وطنية". وإذا كان الإسلامي المعتدل محفوظ نحناح الذي أُخرج من سباق الرئاسة نادى بدوره بتعديل "الإصلاحات الإقتصادية" تحت شعار "لا للإبقاء ولا للإلغاء، ونعم للتعديل والإثراء"، فإن المرشّح سيّد أحمد غزالي يرفض في برنامجه الاقتصادي كلاً من "الليبرالية المتوحشة والاشتراكية العقيمة". ويضعه موقفه الوسط هذا في منطقة الاستقطاب نفسها. وعلى رغم الخلاف في المصطلحات بين المرشحين، وهو خلاف ثقافي "قِشري"، فإن هناك اتفاقاً بينهم على كبح الاندفاعة الجنونية لباعة القطاع العام، والمحافظة على حد أدنى معقول لتدخل الدولة لمصلحة مواطنيها، في بلد أكثر من نصف سكّانه هم من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الپ25 عاماً. وحسب أحد المحللين الاقتصاديين، فإن الفوارق في المصطلحات سرعان ما تذوب لدى التطرق الإجراءات العملية المعلن عنها لتطبيق هذه البرامج. فالمرشح بوتفليقة يدعو في الشق الاقتصادي من برنامجه إلى محاربة الغش الجبائي وإصلاح المنظومة المالية والمصرفية، والاعتماد على الذات في تمويل الاقتصاد الوطني وحماية السلع الوطنية، والاهتمام بالفلاحة والري، إلخ من مهامات وأعباء يرى أن الدولة أقدر من المواطن على القيام بها. وإذا كان وزير خارجية بومدين يتجنب "الشعار الاشتراكي" بحيث يسوّق نفسه كصاحب مشروع إصلاحي إقتصادياً وإجتماعياً شعاره "جزائر قويّة وأبية"، فإن أحمد طالب الابراهيمي وهو ويا للمفارقة! وزير خارجية الشاذلي، يلتقي في الوسط مع بوتفليقة الذي يتجنب "الشعار الاشتراكي" بينما يتجنب الإبراهيمي "الشعار الرأسمالي" وهو من أنصاره، فيقف بدوره إلى جانب تطبيق الاصلاحات الإقتصادية التي يرى أن لا مجال للتملص منها، إلى جانب العمل على إصلاح المنظومة المالية والمصرفية بما يؤدي إلى ما يسميه بپ"التوزيع المنصف لأعباء الانتقال إلى نظام اقتصاد السّوق". وهو لا يخفي رأيه في أهمية استمرار الإصلاحات، ويدعو برنامجه الاقتصادي إلى "احترام الفعالية الاقتصادية والالتزامات الدولية للجزائر". ويلحظ هذا البرنامج ضرورة تحسين أوضاع العمال ورأب التصدّعات والتهدّمات التي ألحقتها الفوضى الإقتصادية والاجتماعية بالطبقة الوسطى التي تعتبر الضامن الأساسي للتوازن الاجتماعي في الجزائر. وهو في هذا الهدف الأخير يلتقي ليس مع بوتفليقة وحده، وإنما مع بقية المرشحين، أيضاً. فبلعيد عبدالسلام، أعلن في برنامجه الانتخابي قبل انسحابه عن ضرورة "عدم المساس بالطبقات المتوسطة والعمال" ويزداد بلعيد قرباً من بوتفليقة عندما يدعو برنامجه إلى عدالة إجتماعية للجزائريين مبنية على سياسة تنمية إقتصادية تراعي القدرات الذاتية للبلاد وطموحات أبنائها. استقطابان إننا نجد أثراً قوياً في برامج المرشحين للنقاش الدائر بين أطراف النخب الجزائرية الثقافية والسياسية والاقتصادية، لا سيما حول دور الدولة في حياة المجتمع. ويكشف طبيعة النقاش في الشارع وأثرها في برامج المرشحين الاستقطابان الكبيران اللذان يضمان كلاً من أنصار انسحاب الدولة والحد من تدخلها في الميدان الاقتصادي، من جهة، ومن يدعون إلى عودة الدولة للإمساك بزمام الأمور وإعادة الروح إلى القطاع العام الذي بدأ يتلاشى لصالح من يسميهم الجزائريون المستفقرون بپ"حيتان الانفتاح" على الطريقة المصرية من أثرياء الغفلة ومتلاعبين باالمال العام وفاسدين مرتشين على مستويات رفيعة ممن لهم حلفاء إقليميون ودوليون، ولديهم مصالح كبرى مع شركات دولية أميركية وأوروبية متنافسة على السوق الجزائرية. وهكذا فإن المرجعية الفعلية لتشابه البرامج الاقتصادية للمرشحين إنما تكمن في الواقع الجزائري الراهن الذي لم يعد محتملاً. وبالتالي فإن الضغط الذي تمارسه الحالة الإقتصادية الجزائرية الراهنة أثمر برامج تتوسط كل شيء فلا هي ضد تدخل الدولة الكلي في الإقتصاد، ولا هي مع انسحابها نهائياً، ولا هي مع إنهاء الاصلاحات الاقتصادية ووقف عمليات تحرير السوق، ولا هي مع الفلتان الإقتصادي المخيف بدعوى الحرية الاقتصادية، والذي أدى من جملة ما أدى إليه إلى تدمير أوضاع الطبقة الوسطى وتعرّضها إلى الهلاك. من هنا على الأرجح حفلت البرامج الاقتصادية للمرشحين بملاحظات على عملية تنشيط "الإنعاش الاقتصادي"، التي تتضمن بين ما تتضمنه تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التقليدية، فضلاً عن تطوير قطاع الخدمات باعتباره ميداناً مهماً للتشغيل، إلى جانب دعم سياسة المحروقات، وحماية قطاع موظفي الإقتصاد الوطني، واتّباع سياسة اقتصادية تحاول بناء "التكامل بين الجزائريين" والتعبير للغزالي الذي يشترك في هذه الأفكار مع غيره من المرشحين بمن فيهم المستبعد من المشاركة محفوظ نحناح الذي يمثل حركة حماس. وهذا يقترح مجتمعاً جزائرياً ينهض اقتصاده على تنمية ما يسميه بپ"القطاع الثالث" وهو قطاع متخيل يقع بين القطاعين العام والخاص، انطلاقاً من محاربة الفقر وتوزيع الثروة بعدالة والعمل الخيري، بما يؤدي في النهاية إلى حماية الطبقة الوسطى، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم إهمال الدور الاجتماعي للدولة. خلفيات أخرى بعض المحللين لا يكتفي باعتبار الواقع الجزائري الراهن المرجع لتشابه المحتوى في البرامج الاقتصادية للمرشحين، ويذهب إلى اعتبار الخلفية الفكرية والتاريخية للأشخاص عنصراً أساسياً إلى جانب الارتباطات السياسية لهم. فثلاثة من المرشحين الأقوياء، على الأقل، هم بوتفليقة والابراهيمي والمرشح المنسحب بلعيد، يمكن وصفهم بكونهم بومدينيين، وهم، بالتالي، وللسبب نفسه يلقون تأييد المؤسسة العسكرية الجزائرية التي ظلّت بطريقة أو أخرى مؤسسة بومدينية، ما دامت لم تنحت لنفسها عبر عهدين لاحقين صورة أخرى. من هنا أيضاً يمكن اعتبار زروال نسخة معدّلة وواقعية من "الأفكار القديمة" التي حاولت مرحلة الشاذلي الإيهام بإمكان الهرب منها إلى الأمام، فإذا بهذا "الهروب الكبير" يفضي إلى حرب أهلية دامية أضعفت جميع القوى السياسية والاجتماعية وأبقت على قوة واحدة هي الجيش. لذلك فإن المشروع الإقتصادي للمرشح الرئاسي الأوفر حظاً اليوم بعد سقوط التجربة الإسلامية المحبطة وأفكارها الشعبوية، هو ذاك الذي يتبنى طروحات إقتصادية تبقي للدولة/ الجيش حيّزاً أوسع كثيراً في التدخل مما يتوهم جميع الإقتصاديين، من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، تحسناً فعلياً في أوضاع الفئات الإجتماعية الأكثر تضرراً من الأوضاع الإقتصادية الراهنة، وعلى رأسها فئات العمال المزارعين وأهل الطبقة الوسطى الضامن الحقيقي لمستقبل الجزائر. مثل هذا المرشح لن يختلف في طروحاته وممارساته عن الرئيس زروال الذي جاء به الجيش، ومقولته حول "التقويم الوطني" كما بات واضحاً هي المعتمدة، على رغم شتى الملاحظات والانتقادات التي وجهها إليه المرشحون للرئاسة خلال الأسابيع الماضية. وهذا ما يستوجب طرح السؤال حول ما إذا كان التقويم النهائي يجب أن ينطلق من البرامج الإقتصادية للمرشحين أم من أشخاصهم وقدراتهم على تنفيذ ما يعدون به؟! مرشّحُ الجزائريين! وحسب المركزية النقابية في الجزائر، وهي قوّة ضخمة تضم حوالي المليون صوت فإن المرشح الذي سيختاره الجزائريون هو ذاك الذي ينتظر منه أن يدرج العمال في البرامج الرئيسية المتمثلة في الحل العادل والدائم والتدرجي لمشكلات التشغيل، والقدرة الشرائية، والأجور. أيضاً هو ذاك الذي يمكنه أن يعتمد تطبيق سياسة تنموية وطنية جديدة تتوجه من حيث هيكلتها نحو تشجيع وترقية الإستثمارات العمومية والخاصة والأجنبية المحدثة لمناصب العمل والثروات الإضافية والمبنية في الوقت نفسه على توظيف ملائم للقدرات والكفاءات والإمكانات الوطنية. ولعل النقطة الأهم التي حددتها النقابات في شروط دعمها لبوتفليقة هي "الوقف الفعلي والنهائي لعمليات هدم النسيج الصناعي الوطني والحل الآلي والمباغت واللامبرر للمؤسسات العمومية وإضعاف القطاع العام. ومن ثم إعادة فتح ملف التخصيص بهدف وضع حدّ نهائي لما وصفته ب"الممارسات المتسمة بالارتجال والتسرع والغموض والضبابية والخلط والهروب إلى الأمام" وهي مسائل رأت فيها النقابات إساءة إلى عملية التخصيص نفسها. ودعت في المقابل الرئيس المقبل إلى تبني سياسة تنموية تفعل عملية التنمية عن طريق تنشيط استثمارات عمومية في قطاعات البناء والأشغال العامة والزراعة، وإعادة بعث القطاع العام في تفرعاته وفضاءاته المعترف لها بأنها ذات منفعة عامة وذات طابع استراتيجي، وإلى اتباع سياسة جديدة في مناقشة قضايا "دخول الجزائر مسار عولمة الاقتصاد، وفي ما يخص أيضاً المفاوضات الجارية والمقبلة تأهباً لإنضمام الجزائر إلى منظمة التجارة الدولية وفي إطار الشراكة الأورومتوسطية" وأيضاً في ما يتعلّق بمعالجة وتسيير المديونية الخارجية للجزائر سياسياً ومالياً ودبلوماسياً. وإذا كان المنحى العام المطلوب جزائرياً اليوم يتمثل في الدعوة إلى الإتجاه نحو ما يمكن تسميته "إصلاح ْعملية الإصلاح، وإصلاح المجتمع من الأضرار الكارثية الذي ألحقتها به وبالإقتصاد الوطني"، فهناك من يفسره بأنه تنام للعودة إلى البومدينية التي غدرت بها المرحلة الشاذلية التي انطلقت معها "عملية الاصلاح الإقتصادي". وأياً يكن الحال أو التفسير، فإن ما يحاول الجزائريون العثور عليه في برامج المرشحين على مستوى إصلاح الإقتصاد الوطني، إنما يكرّسُ نزوعاً جديداً عبّرت عنه أصوات قوية ارتفعت أخيراً في البلاد من جانب كل من المركزية النقابية وبعض القوى السياسية المؤثرة موجهة انتقادها للمرشحين الذين انتقدوا في برامجهم المرحلة البومدينية. ويرى المنتقدون على هذا الميل أن "هناك من يحاول بشراسة كبيرة محو وقبر مراحل صعبة وثقيلة حقاً من بعض جوانبها، لكنها كانت تتسم بالعدالة الاجتماعية والعزة والحماسة والشوق للعمل والجهد والإزدهار والعظمة في جزائر كانت تحظى بالاحترام والتقدير والاصغاء وتثير الإعجاب من وراء حدودنا". وقد ترافقت هذه المرافعة عن الماضي بهجوم عنيف على المرحلة الشاذلية باعتبارها "مرحلة مشؤومة" وسنجد هذا تحديداً في المذكرة النقابية التي دعت إلى دعم عبدالعزيز بوتفليقة، والتي لخصتها بأنها تميزت بپ"قبر مراحل حافلة بالعزة والعظمة والأمل وسط ديكور مشؤوم تكالبت فيه الانحرافات السياسية والأطماع الشرسة والمراهنات والابتزازات على حساب الجمهورية...". هذا التوصيف على ما فيه من انعكاس للألم الجزائري من جراء الانهيار الاقتصادي الفادح الذي عرفته البلاد في الأعوام المنصرمة لن يبدو كافياً عندما يتحدث الإقتصادي الجزائري بلغة الأرقام عن مستويات العجز في مختلف الموازين التجارية وغيرها وعن المديونية الخارجية وأرقام البطالة وتعثر عملية التنمية في الميادين المختلفة، وتراجع الزراعة وتدهور أوضاع طبقات اجتماعية بأكملها، في وقت حولت عملية الإصلاح، عبر التخصيص الإقتصاد الجزائري إلى حالة من التشوه التي لم تبق له أي معالم يمكن تحديدها وتسميتها والإطمئنان إلى مصطلحها على سبيل خلق موقع لهذا الإقتصاد في أذهان المستثمرين داخلاً وخارجاً، الذين ادّعى أرباب عملية الإصلاح أنهم سيتهافتون ليرفعوا من مستوى المستقبل الإقتصادي للبلاد. تلك هي بعض موضوعات الجدل في الجزائر اليوم على المستوى الإقتصادي من برامج المرشحين عشية الانتخابات الرئاسية. وإذا كان يوم 16 نيسان المقبل هو يوم الكلمة الفصل في ما يتردد ويقال عن أوسع المرشحين حظاً فإن صناديق الاقتراع التي يريد الجزائريون من نتائجها أن تكرس فصلاً جديداً من حياة الجمهورية هي التي ستحمل عنوان المرحلة المقبلة من اقتصاد الجزائر.