يجب أن لا ننخدع بما يقوم به حلف شمال الاطلسي على انه حماية للمسلمين الالبان في كوسوفو. لقد أتاحت هجمات هذا الحلف الفرصة لميلوشيفيتش كي يتابع مخطط التصفية العرقية الذي ينتهجه مع مسلمي كوسوفو. ففي الوقت الذي يتوالى قصف المواقع العسكرية والبنية التحتية في يوغوسلافيا والتي استهدفها الحلف لتقليل خطر يوغوسلافيا على أوروبا، نجد ان عمليات القتل والارهاب والتدمير ومحاولة طرد سكان اقليم كوسوفو المسلمين مستمرة تحت انظار الذين يحاولون خداع الرأي العام العالمي بمحاولاتهم التي لها مغزى آخر غير معلن. ان الظاهر للملأ ان ما يقوم به حلف الاطلسي من هجمات متتالية على الصرب ليس دفاعا عن المسلمين الالبان في كوسوفو الذين لاقوا العذاب من جراء الحرب الاهلية الطاحنة التي تدور رحاها منذ زمن والتي لا تزال قائمة بالرغم من وجود قوات حلف الاطلسي وهجماته المتتالية. والسؤال الذي يجب طرحه هو هل قوات الحلف قد جاءت بالفعل لمنع التصفية العرقية وحماية الانسان المتضرر من هذا العمل؟ إذا كان الجواب بنعم فكيف يكون ذلك والتصفية قد نشطت والهجرة قد اخذت في التزايد بالاضافة الى تضرر ناس آخرين؟. اما اذا كان الجواب بالنفي فما هي الاهداف الحقيقية لهجمات حلف شمال الاطلسي؟ ان قوات حلف شمال الاطلسي تهدف، كما صرح ساسة هذه البلدان وخبراؤها العسكريون، لضرب البنية التحتية التنموية ليوغوسلافيا وتدمير ترسانتها العسكرية المتطورة، تماما كما حصل في العراق. انها لم تأت أبداً لانقاذ مسلمي كوسوفو كما يوهمون الرأي العام العربي والاسلامي. ان ما يفعله ميلوشيفيتش مماثل تماما لما يقوم به نتانياهو إسرائيل، فالأول يقوم بقتل المسلمين وتشريدهم من ديارهم في كوسوفو والثاني يقوم بالعمل نفسه في جنوبلبنان وداخل فلسطينالمحتلة من قتل للابرياء ومحاولة توسيع مشاريع الاستيطان. ولكن معالجة حلف شمال الاطلسي لهذه الظاهرة في يوغوسلافيا غير معالجتها لمثيلتها في اسرائيل التي ضربت بالقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط كقرار 425 واتفاقات اوسلو وواي ريفر. ان حلف شمال الاطلسي بهذا التصرف قد عطل ميثاق الاممالمتحدة والذي يمثل بعض اعضاء الحلف اكبر قوة مشاركة في اعداده. ويقوم به الحلف في يوغوسلافيا مخالف لميثاق حقوق الانسان وسيادة الشعوب في الوقت الذي نجد الحلف ساكنا في اسرائيل بل يعدها بالدعم والتأييد. والعرب والمسلمون، بدورهم، قد وصلوا من التسامح وعدم المبالاة الى متابعة هذه الهستريا دون ان يكون هناك موقف موحد تجاه ما تقوم به أميركا وحلفاؤها، ودون ان يقوم الاعلام العربي والاسلامي بوضع النقاط على الحروف على اقل تقدير. اي انه لا يمكن ان تستعمل كلمة حماية المسلمين في غارات حربية ساعدت في قتلهم ونزوحهم كما حملت اهدافاً اخرى يريد الغرب تحقيقها تحت عنوان: "ردع الظلم والتصفية العرقية"، وهو الذي انكشفت حقيقته عندما زار الزعيم المعتدل ابراهيم روغوفا بلغراد واصدر مع الرئيس الصربي ميلوشيفيتش اعلانا يدعو الى وقف الغارات الجوية الاطلسية. لقد اندفع بعض السذج من وسط الشارع العربي عبر القنوات الفضائية ومحطات الراديو العربية لتأييد ما يقوم به حلف شمال الاطلسي، لأن هذه المحطات الاعلامية لم توضح للانسان العربي المسلم حقيقة وما هية هذه الحرب، التي اخذت تستمر تحت شعار حماية الانسان وهي بعيدة كل البعد عن هذا الهدف النبيل. ان غياب الاعلام العربي والاسلامي، وأخص القنوات الفضائية والاذاعات، عن القيام بواجبه تجاه اظهار خفايا وحقائق هذه الهجمات الحربية وغير الانسانية وما تضمره حكومات العالم الغربي من استعراض للعضلات ومد النفوذ بالقوة على دول اخرى، امر يتناقض مع ما يفعله الغرب تجاهنا عن العرب والمسلمين، من خلال اعلامهم وصحفهم اليومية. ان الامر جدير بالتنديد وشرح الاهداف من جانب الإعلام العربي والاسلامي والتي يحاول حلف شمال الاطلسي اخفاءها والسكوت عنها كما انه قد يوهم الانسان العادي بتصديق شعاراته المزيفة. ان يوغوسلافيا بقوتها الحالية قد اصبحت خطرا يهدد اوروبا وهذا الخطر يتمثل في موقعها الاستراتيجي الذي يربط اوروبا ودول الاتحاد السوفياتي سابقا. وتحقيق هذا الهدف الذي تجلى في ضرب يوغوسلافيا وتحطيم بنيتها التنموية وترسانتها العسكرية هو مكسب ايديولوجي واستراتيجي يجعل اوروبا تعيش بسلام. كما نعرف ان الذي يحاول ان يدافع عن الانسان المتضرر ينزل معه في ارضه وجها لوجه ويدافع عنه، وهذا ما يحاول حلف شمال الاطلسي تجنبه. ان هذه مجرد مناورة سياسية يحاولون من خلالها التعاطف مع اختلافات الرأي العام التي يتحسسونها من خلال الاعلام الذي يقوم بطرح تساؤلات حول هذا الموضوع. التجربة التي تخوضها الولاياتالمتحدة واوروبا بأسلحتها المتطورة ما هي الا تدريب للعضلات والقوى العسكرية ومدى فعاليتها التي سوف تصرف في يوم من الايام على دول اخرى قد يرى حلف شمال الاطلسي ان لها نفس السمات التي تتمتع بها يوغوسلافيا. ان من واجب الدول العربية والاسلامية والمحبة للسلام ان تستوعب خطورة ما تقوم به الولاياتالمتحدة وحلفاؤها وما سوف تقوم به من خلق ذرائع لتدخلها في اي دولة ترى انها سوف تقوم ببناء جهازها الدفاعي وتقليل اعتمادها على الغرب وعدم دخولها في النظام العالمي الجديد الذي يحاول الغرب من خلاله فرض شروطه وتوحيد صفوفه وتمكين سيطرته متمثلا في التكتلات الاقتصادية والاحلاف السياسية التي نراها تتجدد كل يوم وتتقارب لتعزيز مكانتها ومصالحها. * عضو مجلس الشورى السعودي.