شكل الخلاف الفرنسي - الأميركي عقبة رئيسية أمام تبني الحلف الأطلسي مفهوماً استراتيجياً جديداً، ففيما كانت الولاياتالمتحدة تصر على استبعاد أي دور للأمم المتحدة في عمليات الحلف المقبلة ل"حل النزاعات الاقليمية"، تمسكت فرنسا بموقفها الداعي إلى استخدام المنظمة الدولية غطاء لأي تدخل عسكري للحلف، واعتبرت الغارات على يوغوسلافيا استثناء للقاعدة. وكان هذا الخلاف محور اللقاء الذي جرى أول من أمس بين الرئيسين الأميركي بيل كلينتون والفرنسي جاك شيراك. واتفق الطرفان على حل للخلاف يقوم على قاعدتين: "إدارة الأزمات الاقليمية"، و"اقامة تعاون وشراكة وحوار"، وهو المفهوم الذي تبناه الأطلسي منذ العام 1991 إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. أفادت مصادر أميركية في حلف شمال الاطلسي أمس السبت أن الولاياتالمتحدةوفرنسا توصلتا ليل الجمعة - السبت الى اتفاق على "القواعد القانونية" لعمليات الحلف الأطلسي مستقبلاً. وأوضح مسؤول في الاطلسي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن الاتفاق الذي تم التوصل اليه لا يبتعد كثيرا عن المفهوم الاخير لعام 1991 الذي يشدد على ان الحلف يجب ان يتحرك "في اطار مبادئ الاممالمتحدة". لكن اعتماد مفهوم استراتيجي جديد للحلف يبقى أمراً مرهوناً بالاتفاق مع تركيا وفق ما أكدت مصادر ديبلوماسية. وأشارت هذه المصادر الى ان انقرة تعارض أي صيغة تتعلق بما يعرف ب"الهوية الاوروبية في الدفاع والامن"، وهو مفهوم يفترض ان يسمح للأوروبيين مستقبلاً بالتدخل مستخدمين وسائل الحلف من دون مشاركة أميركية مباشرة. وأكدت الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية كاترين كولونا نبأ الاتفاق الفرنسي - الأميركي. وكان مقرراً أن يقر رؤساء الدول الاعضاء ال19 في الاطلسي رسميا مساء أمس في قمة واشنطن مفهوماً استراتيجياً جديداً سيحدد دور الحلف للقرن المقبل. وتركز القسم الاكبر من محادثات الجمعة على الحرب في يوغوسلافيا التي يصر الحلفاء على المضي فيها حتى استسلام الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش واذعانه لارادة المجتمع الدولي. ويعود آخر مفهوم استراتيجي إلى عام 1991. وتجاوزته الاحداث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وقيام الحلف بمهمات جديدة خلال السنوات العشر الماضية. وألغى الحلفاء كل المواد التي تشير الى الاتحاد السوفياتي، وإلى حلف وارسو الذي تم حله منذ بضع سنوات. واتفقوا على إلغاء جميع الاهداف التي طالبت بضرورة الحفاظ على "توازن استراتيجي في اوروبا". وتم بالمقابل تحديد هدفين جديدين للحلف لمرحلة ما بعد العام الفين وهي: إدارة الازمات خارج اراضي اعضائه في المنطقة الاوروبية، والعمل على اقامة "تعاون وشراكة وحوار". والهدف من المهمة الاخيرة هذه تعزيز العلاقات التي اقيمت مع روسيا منذ عام 1997 ودعم الشراكة التي بدأت منذ 1994 مع اوروبا الشرقية والدول المحاذية، وتعزيز الحوار القائم منذ 1994 مع ست دول متوسطية هي مصر واسرائيل والاردن والمغرب وموريتانيا وتونس. وتسبب العمل على وضع مفهوم استراتيجي للحلف في ظهور خلاف بين فرنساوالولاياتالمتحدة حول الاساس الشرعي الذي يبرر تدخل الحلف الاطلسي في المستقبل. وتريد باريس ان يعطي نص المفهوم الجديد الأولوية للأمم المتحدة على حساب الحلف الاطلسي بينما تريد الولاياتالمتحدة الحد قدر الامكان من الاشارة الى الاممالمتحدة لكي لا يصبح الحلف "مكبل اليدين". وعاد الخلاف بين البلدين الى الظهور مع بدء الغارات على يوغوسلافيا من دون الرجوع الى الاممالمتحدة. وفيما تعتبر واشنطن ان هذه الحرب هي سابقة لا بد من تكرارها، تعتبر باريس انها خروج عن القاعدة. وعلى رغم الخلافات التي استغرقت حتى ساعة متأخرة من مساء الجمعة واجبرت الرئيسين الاميركي والفرنسي بيل كلينتون وجاك شيراك على الالتقاء بشكل مفاجئ على انفراد الجمعة، فإن فرنسا والاطلسي أكدا انه سيتم بالتأكيد التوصل الى اتفاق على المفهوم الجديد للحلف. وفي مفهوم الحلف لعام 1991 يشدد النص على ان الهدف الاساسي للحلف هو "الحفاظ على الحرية والامن لجميع اعضائه عبر الوسائل السياسية والعسكرية طبقا لمبادئ شرعة الأممالمتحدة". وإضافة الى الموافقة على المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي لن يتضمن أي تغيير في استراتيجية الحلف النووية اقترح الحلفاء أمس السبت على الدول التسع التي لم تقبل عضويتها التوقيع على "خطة تحرك" للانضمام الى الحلف. وتم التطرق بالاسم الى هذه الدول في اعلان صادر عن الحلف حسب الترتيب التالي: رومانيا ثم سلوفينيا ودول البلطيق وبلغاريا وسلوفاكيا وأخيراً مقدونيا والبانيا. وتهدف خطة العمل إلى ابقاء هذه الدول في "الاتجاه الصحيح"، ومساعدتها على تكييف جيوشها مع معايير الحلف الاطلسي. ويعد الحلفاء المرشحين بدرس موضوع انضمامهم مجددا خلال "قمة قريبة".