كثر الحديث في الشارع الفلسطيني والعربي والدولي حول اهمية تاريخ 4/5/1999 وتأثيره على الواقع السياسي. هذا هو التاريخ الذي اشار اليه اتفاق اوسلو على انه نهاية المرحلة الانتقالية. ان حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي عارضت اتفاق اوسلو منذ البداية ولا زالت تعتبره خطأ تاريخياً في مسار القضية الفلسطينية من حيث كونه يتجاهل الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه ومقدساته ويقبل بوجود الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية وفي الوقت نفسه يتخلى عن خيار المقاومة للاحتلال ويسلك دهاليز المفاوضات. هذه الانتقادات والمواقف من أوسلو لا تدفعنا لتجنب الخوض في بعض معطيات هذا الاتفاق - لا سيما - وانه أوجد واقعاً فلسطينياً هو السلطة الوطنية الفلسطينية على اجزاء من الوطن الفلسطيني. وان تاريخ 4/5/1999 هو علامة مهمة لانتهاء هذا الاتفاق المرحلي. وقد يتبادر الى الذهن سؤال هو: هل اذا كان هذا الاتفاق مرحلياً... ان هناك اتفاقاً دائماً؟ وببساطة، فإن المتتبع لسير العملية التفاوضية خلال ما يسمى بالمرحلة الانتقالية طيلة أربع سنوات يكتشف ان العراقيل التي وضعتها اسرائيل أمام الإيفاء بالتزاماتها ثم التنكر التام للاتفاق من قبل حكومة الليكود واعلان تقديم موعد الانتخابات الاسرائيلية يعكس عدم امكانية التفاوض مع هذا العدو المحتل حول قضايا الحل الدائم وهي القضايا الاساسية للقضية الفلسطينية والتي تتمثل في القدس وإزالة المستوطنات وعودة اللاجئين والحدود... وكل القضايا المهمة المتعلقة بها من الدولة والسيادة واطلاق سراح المعتقلين... الخ. ومن هنا فإن تجربة التفاو ض التي مر عليها أربع سنوات يجب ان تقنع المفاوض الفلسطيني الذي عوّل كثيراً على هذه العملية ان يعيد حساباته ويراجع ذاته ويقف مع نفسه وقفة جادة لاستنتاج العبرة واستخلاص النتائج لا أن يبقى غارقاً في بحر الأوهام يطارد السراب وطواحين الهواء. ويأتي تاريخ 4/5/1999 ليكون موعد الطلاق اللارجعي مع المفاوضات الهزيلة بين القوي والضعيف، التي يمكن معها التخلص من هذا الاتفاق والاعداد لمشروع فلسطيني جديد، يعالج القضية الفلسطينية بشموليتها وأصالتها العربية والاسلامية ويصحح العلاقة مع الكيان الصهيوني على اساس انه دولة محتلة، فهي العدو الأول الذي يجب مقاومته حتى يزول. ويصحح العلاقة الفلسطينية الداخلية بالعودة الى التلاحم النضالي الفلسطيني كما ويصحح العلاقة الفلسطينية والواقع العربي الذي هو حضن القضية الوطنية ودائرتها الاستراتيجية وسندها الرئيسي من أجل تصحيح موازين القوى الفاعلة لصالح القضية، التي اختلفت حين تفردت اسرائيل بالفلسطينيين وفقد الفلسطينيون الدور العربي الفاعل في ميزان القوى مع العدو... وقبل أن أترك هذه النقطة أعلق على سؤال قد يتبادر الى الذهن ألا وهو أين هو الدعم العربي وأين هي موازين القوى العربية التي اختلفت بعد حرب الخليج؟ وحتى لا تتزعزع ثقتنا نحن العرب بأنفسنا فلا بد من التأكيد على ان القضية الفلسطينية كانت وما زالت القضية التي توحد العالم العربي. فهي بحاجة الى قوة العرب لكي تبقى قوية وفاعلة، وفي الوقت نفسه يحتاج العرب الى القضية الفلسطينية لتجمعهم وتوحدهم ضد خطر الصهيونية الذي يهدد جميع المنطقة العربية والشرق الأوسط بأسره. وعودة الى أهمية هذا التاريخ، تاريخ 4/5/1999، فلا بد ان نرى أيضاً الفراغ السياسي والقانوني الذي يجب ان يملأه قرار فلسطيني مستقل بإعلان السيادة الفلسطينية على الأرض التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية حتى وان كانت تمثل جزءاً بسيطاً من الحق الفلسطيني. ويكون هذا القرار بمثابة الانطلاقة الجديدة على صعيد القضية الفلسطينية والواقع الفلسطيني والعربي. انطلاقة تصحح العلاقة مع العدو. وتصحح العلاقة الفلسطينية الداخلية في الواقع الفلسطيني، وتصحح العلاقة مع الدول العربية والاسلامية. وفوق كل هذا تصحح التاريخ ومسار القضية الفلسطينية التي هي لب الصراع في منطقتنا وهي جوهره. وترى حركة المقاومة الاسلامية حماس في هذا العمل حافزاً على النضال اذ هو في جوهره مشروع نضالي في كل خطوة من خطواته اذا كانت ستقبله، اذ ستصطدم بالاحتلال. وسيولد هذا الاصطدام الدافعية للمقاومة والتحدي والمواجهات التي هي اساس العلاقة الذي يجب ان يسود بين الاحتلال القاهر لإرادة الشعب وبين الشعب الذي يتمسك بحقه ويدافع عن نفسه وعن حريته وعن كرامته وسيادته على أرضه. وفي هذه الخطوة توافق بين منهج الحركة القاضي بإقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر يتم تحريره من الأرض الفلسطينية، ولكن دون التنازل عن أي شبر من الحق الفلسطيني. وهذا هو شرط الحركة في حال اعلان الدولة ان تكون ذات سيادة وان تعتبر الأرض التي تسيطر عليها السلطة أرضاً محررة تبسط عليها السيادة الفلسطينية والاستمرار في النضال والجهاد من أجل تحرير باقي الأرض الفلسطينية، واعتبارها أرضاً محتلة يجب السعي الى تحريرها بكل السبل وعلى رأسها سبيل المقاومة. هذه الحال تخرجنا فلسطينياً من مأزق الفرقة والانقسام حول أوسلو وتلغي آثاره الضارة على الوحدة الوطنية وعلى جهاد الشعب الفلسطيني لاسترداد حقه المغتصب وتبقي على حالة الحصار العربي للعدو الصهيوني وتمنعه من اختراق المنطقة العربية وفي الوقت نفسه تفعيل الدور العربي في مقاومة خططه والتصدي لمشاريعه الاستعمارية والاستيطانية. وتنبه المنطقة الى أخطاره واطماعه العدوانية. هذه الرؤية لأهمية هذا التاريخ تبدو تنظيرية وستبقى كذلك ان لم تصاحبها نوايا جادة في هذا السبيل وخطوات عملية على الصعيد الفلسطيني الداخلي وأهمها إعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس من الديموقراطية والتعددية السياسية واحترام الانسان الفلسطيني واعادة الاعتبار اليه كإنسان مجاهد ومناضل وإبراز أهمية دوره في بناء الوطن وإبراز شخصيته والحفاظ على هويته النضالية بعيداً عن المكاسب المادية من جهة، ومن جهة اخرى اعلان المقاومة على أي شبر من الأرض الفلسطينية يبقى تحت السيطرة الصهيونية. هذه ترتيبات مصاحبة لإعلان الدولة في الرابع من ايار، نرى انها ضرورية اذا كانت النية جادة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية لإعلان الدولة وبسط السيادة ووقف التدهور في مسار القضية الفلسطينية. وحتى يتحقق ذلك فإن المقاومة الاسلامية تحمل هذا المشروع وستواصل طريق المقاومة والدفاع عن النفس وعن الأرض الفلسطينيةالمحتلة من الوجود الاستيطاني على أي شبر من أرض فلسطين المقدسة. ولا يضيرها في هذا الطريق ما أصابها من الأذى ولا ما تدفعه من التضحيات، وفي انتظار هذه الخطوة لا زال الطريق مهيأة وان غالبية فئات الشعب الفلسطيني تتطلع الى هذا اليوم على أمل الانتقال الحقيقي من خندق المفاوضات الى خندق المقاومة. * عضو القيادة السياسية لحركة "حماس" - غزة.