تختلط الوقائع الراهنة في الوضع الفلسطيني مع بعضها بعضاً، فهناك استحقاقات مقبلة تنتظرنا جميعاً، وهناك المصائد المنصوبة لحقوق شعبنا على يد حكومة بنيامين نتانياهو، والمبادرات الأميركية المتتالية تحت عناوين "تحريك المسار التفاوضي" و"إعادة الانتشار" وفق نسب متواضعة تقع ما دون حتى اتفاق أوسلو. كما يبدو أن استحقاق التغيير الوزاري قد تم قذفه إلى فترات لاحقة بعد مماطلة طويلة من قبل السلطة الفلسطينية. المسألة الأهم من كل ذلك هي الموضوع المتعلق بالجانب السياسي الوطني والقومي، والاستحقاقات المقبلة المترتبة علينا كفلسطينيين، بعد أكثر من خمسة أعوام على توقيع اتفاق أوسلو، وبعد اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية في أيار مايو 1999. الاستعداد الفلسطيني لمتطلبات المرحلة المقبلة يجب أن ينطلق من إعادة النظر بكل المرحلة السياسية السابقة، بوقائعها الصاخبة، ومن حسابات الربح والخسارة داخل صفوف شعبنا، والمصير الوطني/ القومي، كما في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية. وفق هذه الرؤية توجهنا في مشاوراتنا مع السلطة في قطاع غزة، وعقد وفد "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" تيسير خالد، قيس عبدالكريم، صالح زيدان لقاءه مع الرئيس ياسر عرفات وبمشاركة الطيب عبدالرحيم، وتم ابلاغه اعتذارنا عن عدم المشاركة في أي سلطة في ظل الأوضاع السلبيبة القائمة الآن. كما أبلغنا أبو عمار بأن المسألة الأهم على جدول أعمالنا تتمثل في ضرورة البحث وبذل الجهد المشترك لإنقاذ الوضع الفلسطيني من حال التفكك والانقسام، والعمل على التوحد من جديد على قاعدة وطنية ائتلافية جامعة، والاستعداد لإعلان بسط سيادة دولة فلسطين على كامل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس العربية، عملاً بالشطر الآخر من قرار الأممالمتحدة الرقم 181، والسيادة السياسية المعطلة منذ عام 1947، إذ قضى القرار الأممي 181 بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على 5،44 في المئة من أرض فلسطين التاريخية إلى جوار الدولة العبرية على 5،55 في المئة من الأرض وتدويل القدس الغربية والشرقية، كما دعت إلى ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي بالاجماع 605 و607 و608 بعد احتلال القدس والضفة والقطاع في حزيران يونيو 1967. أما الغرق في متاهات وزواريب جبنة وكعكة السلطة، فلن يقود إلا إلى تثبيت حال المراوحة للوضع الفلسطيني كله، إن لم يكن يقود نحو الأسوأ، ف "الوزارة" تحت سقف قيود أوسلو ورقابة "الغرفة الخلفية الإسرائيلية". ولذا فإنها لا تقدم ولا تؤخر. أما مداخل وبوابات إعادة الوحدة الائتلافية بين كل الفصائل والقوى الفلسطينية، استعداداً للاستحقاقات المقبلة، فتكون بمباشرة عقد قمة فلسطينية - فلسطينية تهيئ الأوضاع لحوار فلسطيني - فلسطيني حقيقي وشامل في عمّان أو القاهرة أو الجزائر أو الرياض أو تونس أو الإمارات، أو أي عاصمة عربية أخرى. وقبل ذلك على السلطة الفلسطينية أن تؤكد مصداقيتها في التعاطي مع فصائل العمل النضالي ومقاومة الاستيطان والاحتلال، ومع الشعب. وعليها أن تقوم بخطوات ملموسة على هذا الصعيد، باطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين من سجونها ومحاربة الفاسدين والمفسدين في أجهزة السلطة واحالتهم على المحاكم، إذ سبق أن دين سبعة وزراء بتقارير مقدمة من السلطة ذاتها وتقرير المجلس الفلسطيني "الاشتراعي" بالاجماع منذ حزيران 1997 وحتى الآن لم تتم خطوة صغيرة واحدة في الاتجاه الصحيح. نحن لا نقدم شروطاً مسبقة، أو نضع شروطاً تعجيزية، بل اننا نقدم المداخل والخطوط والرؤية التي يشاركنا بها الطيف السياسي الواسع، من قوى وأحزاب داخل بلادنا وفي الشتات، بما فيه من صفوف حركة "فتح" والسلطة ذاتها. فإذا كانت الغاية هي الوزارة أو اقتسام كعكة السلطة، فهذا غير وارد اطلاقاً في برنامجنا، عدا ان هكذا غاية تقع تحت خانة المكاسب الفئوية الضيقة على حساب المسألة الوطنية. ونحن في مسار ائتلاف منظمة التحرير والمقاومة والانتفاضة وضعنا دائماً برنامج القواسم المشتركة أولاً. وكنا قدمنا مبادرة شباط فبراير 1997 لحوار وطني استراتيجي شامل، وعلى رغم ان الكل يدعو للحوار الآن، من المعارضة والسلطة، إلا أن المسافة واسعة جداً بين حوار وطني استراتيجي شامل ندعو له، ينتج وحدة الشعب والقوى المناضلة ضد الاحتلال والقمع والاستيطان، ويضع قواعد استراتيجية نضالية جديدة محورها انتفاضة شعبية متطورة وجديدة، واستراتيجية سياسية جديدة للسلام الشامل المتوازن، وبين حوار تكتيكي محدود بوظائف استعمالية قصيرة النظر للتلويح به إلى حكومة نتانياهو، لا يغير ولا يبدل من واقع الحال، بل يترك قضيتنا وحقوقنا الوطنية تدوخ في دوران الحلقة المفرغة التي يمارسها نتانياهو منذ حزيران 1996، بينما يجهد لتهويد القدس ويزحف بالاستيطان ساعة بساعة نحو إسرائيل الكبرى، لتثبيت ذلك كأمر واقه بسقف العام 2000. وحددنا في شباط فبراير الماضي قضايا ومحاور قمة فلسطينية - فلسطينية، ثم تقدمنا في أيار الماضي بمبادرة جديدة لبسط سيادة الدولة الفلسطينية حتى حدود 4 حزيران 1967 مع نهاية مدة اتفاق أوسلو في 4/5/1999، وشرط نجاح المبادرة، بما فيه شرط نجاح تصريح عرفات أنه سيعلن الدولة في أيار مايو 1999، وهو بناء ائتلاف منظمة التحرير على برنامج قاسم مشترك يستند على قرارات الشرعية الدولية وصولاً إلى السلام الشامل المتوازن، ومن دون هذا لا يمكن أن يكتب النجاح لهذه المبادرة ولا نجاح دعوة عرفات. وحتى الآن، تبدو "السلطة الوطنية" غير مكترثة لنداء الوحدة الوطنية الائتلافية، وما زالت تعلق الأوهام على دور أميركي واقليمي لصالح "فوزها" بالموافقة الإسرائيلية على إعادة الانتشار وفق الخطة الأميركية، والتي إذا وصلت إلى سقفها لن تتجاوز 1،13 في المئة من المنطقة ج، وتقف تحت سقف 1،16 في المئة من مساحة الضفة في مربع أ في 4/5/1999، فيما يبقى تحت الاحتلال العسكري والأمني 84 في المئة من مساحة الضفة الفلسطينية، إضافة إلى القدس الكبرى، و37 في المئة من قطاع غزة. لذا، لم يتم تحديد موعد أي لقاء أو قمة فلسطينية - فلسطينية. فالحديث لا يزال يدور حول ضرورة عقدها وضرورة الحوار الشامل. كما اننا نعتقد أن القمة الفلسطينية - الفلسطينية ليست غاية بحد ذاتها، بل المرجو أساساً منها امكان تحقيق اختراق كبير للسير نحو إعادة بناء الحال الفلسطينية من جديد. لذا، لا يمكن الحديث الآن عن توصلنا لاتفاق في شأن أرضية الحوار والقمة المرتقبة أو حتى موعدها. ونحن في "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" نقدم برنامجاً وحلولاً ومبادرات شباط 1997، أيار 1998 ولا نكتفي ب "الدعوات الصالحات" أو "الشعارات العامة" للحوار، ونشير إلى أن الجبهة الديموقراطية القوة الرئيسية الوحيدة التي تقدمت بمبادرات حلول ملموسة لتصحيح مسار العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، وتجاوز مظالم مسار أوسلو، وتصحيح مسار العلاقات الفلسطينية - العربية. ويبدو أن بعض مراكز القوى في السلطة غير معني على ما يبدو بحوار فلسطيني - فلسطيني حقيقي، فهو لا يزال يراهن ويعلق الأوهام على دور أميركي اقليمي مساند له بالضغط على حكومة نتانياهو، ويضع آماله في السلة الأميركية، بينما يتجاهل كل عوامل إعادة بناء عناصر القوة الفلسطينية، لذا فإن السلطة لا تتعاطى حتى الآن مع دعوتنا إلى إعادة بناء عناصر القوة الفلسطينية وتطوير وتفعيل التضامن العربي، بالجدية المطلوبة، وتتعاطى معها فقط من موقع استعمالي استهلاكي لا أكثر ولا أقل، كما حصل في حوارات نابلس وغزة ورام الله شباط، نيسان/ابريل، أيلول/ سبتمبر 1997. كثيرة هي العواصم العربية التي تقول لا نعرف ماذا يريد الفلسطينيون، فهم منقسمون. وهذا صحيح. ولذا علينا تجاوز الانقسام بالحوار الاستراتيجي الشامل، وانتاج برنامج القواسم المشتركة التي تقود إلى وحدة الشعب وحركتنا الوطنية. إن إعادة الوحدة الوطنية الائتلافية في صفوف الشعب والمنظمة، وبين الداخل والخارج، وحدها يمكن لها أن تعطي الجواب الواضح والقوي مع ديناميكية الأحداث وتقلب التوازنات التي لا يزال البعض، من فلسطينيين وعرب، يعتقد بأنها ستبقى قدراً جاثماً على صدر شعبنا. ونضيف ان ترميم التضامن العربي على قاعدة القاسم المشترك بين مصالح الدول العربية هو السلاح الأبرز في ظروفنا الراهنة لإعادة تصحيح وتصويب كل العمليات السياسية العربية - الإسرائيلية - الأميركية. وهذا بدوره يقود حتماً، كما حصل اثناء الانتفاضة والقمم العربية، إلى تداعي أميركا وأوروبا وروسيا واليابان والصين والعالم للضغط على التوسعية الإسرائيلية الصهيونية، وملامسة قرارات الشرعية الدولية. * الأمين العام ل "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين".