قالت مصادر ديبلوماسية في نيويورك امس ان من غير المستبعد ان يجري مسؤولون اميركيون وليبيون محادثات وجهاً لوجه في اطار وضع الترتيبات المتعلقة بتنفيذ تعهد طرابلس وضع المواطنين الليبيين المشتبه بتورطهما بتفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي، تحت تصرف الامين العام للامم المتحدة لنقلهما الى هولندا للمثول امام المحكمة بموجب القضاء الاسكتلندي قبل 6 نيسان ابريل. وليس مستبعداً، بحسب هذه المصادر، ان يعقد الامين العام، كوفي انان، اجتماعاً يضم ديبلوماسيين اميركيين وليبيين وبريطانيين وهولنديين هذا الاسبوع لبلورة الاجراءات والتفاهمات التي ستسفر عن ازالة العقوبات المفروضة على ليبيا، لدى وصول المشتبه فيهما الى هولندا برفقة فريق دولي يضم مساعد الامين العام للشؤون القانونية هانز كوريل. والأكيد، بحسب السيناريوات الموضوعة لطريقة حل ازمة لوكربي، ان الفريق الدولي القانوني هو الطرف الذي سيتوجه الى ليبيا حيث "يتطوّع" المشتبه فيهما، الامين خليفة فحيمة وعبدالباسط المقرحي، بالتوجه معه الى هولندا للمثول "طوعاً" امام محكمة تنعقد استثنائياً بموجب القضاء الاسكتلندي. وحينذاك يغادر المشتبه فيهما ليبيا برفقة قانونيين ليبيين ومحامين والفريق القانوني الدولي، على متن طائرة تحصل لها الاممالمتحدة على إذن من لجنة العقوبات يستثنيها من حظر الطيران المفروض على ليبيا. ومن طرابلس تتوجه الطائرة الى لاهاي، حيث "يتطوع" المشتبه فيهما بسليم نفسيهما الى السلطات الهولندية التي تضعهما فوراً تحت سلطة القضاء الاسكتلندي لاجراء المحاكمة. والأكيد ايضاً، بحسب هذا السيناريو، ان الامين العام يبلغ مجلس الامن بوصول الليبيين الى هولندا، ويتم حينذاك "تعليق" العقوبات بصورة اوتوماتيكية. وفي هذه المرحلة تتولى الامانة العامة للامم المتحدة تفعيل الاجراءات التي اتفق عليها القانونيون منذ فترة، والتي بقيت مجمّدة حتى الاسبوع الماضي عندما نجحت جهود جنوب افريقيا والسعودية بإقناع ليبيا بتجديد موعد محدد لنقل المشتبه فيهما الى هولندا. وبعث وزير خارجية ليبيا السيد عمر المنتصر برسالة، خلت من اي شروط او مفاجآت غير متوقعة، سجلت الاستعداد لوضع المشتبه فيهما في عهدة الامين العام بحلول 6 نيسان ابريل. وابلغ الامين العام رئيس مجلس الامن الرسالة، وبدأت الاستعدادات العملية لتنفيذ التفاهمات والاجراءات. واعربت ليبيا، من جهتها، عن امنيتها بأن تُسجل التفاهمات والاجراءات في قرار لمجلس الامن. واوضحت في الوقت ذاته ان هذا مجرد تمنٍ وليس شرطاً. ويُعتقد ان مجلس الامن يستطلع الاجواء حالياً، وقد يعتمد احد هذه الخيارات: اصدار بيان رئاسي في جلسة رسمية علنية، او تخويل رئيس المجلس إما اصدار تصريح باسم المجلس للصحافة او بكتابة ردّ على رسالة الامين العام تبارك الاجراءات والتفاهمات. كل هذه الافكار قيد الدرس حالياً، علماً ان اصدار قرار رسمي قد يكون امراً معقداً نظراً الى اهمية كل فاصلة ونقطة في مثل هذه القرارت الا ان كل الاحتمالات يبقى مفتوحاً. لكن ما يهم الجميع في هذا المنعطف، بما في ذلك الولاياتالمتحدةوبريطانيا وليبيا، ان تسير الامور بعيداً عن التعقيدات كي لا تؤثر سلباً على ما تحقق حتى الآن. والكل يبدو على استعداد لحراسة الاتفاق من اي تأثيرات سلبية، ولتلبية ما من شأنه ان يعزز ما اتُفق عليه ويساهم في اغلاق ملف لوكربي. ويبدو ان المسؤولين الاميركيين لا يعارضون مبدأ اللقاء مع المسؤولين الليبيين على رغم انقطاع العلاقات بين البلدين. وهناك من يشير الى امكان اللقاء على انه "واقعي" في مرحلة ما. وقد يكون مثل هذا اللقاء بمثابة بذور لبدء حوار، او قد يتوقف عند الاجتماع لاسباب عملية. الا ان عقد اللقاء، في حال حصوله تطور جديد لا يمكن تجاهله، وفي هذه الحال، سيكون على الارجح عبر الامين العام. ويقول المسؤولون الاميركيون ان لا مانع لديهم من اللقاء اذا كان "مفيداً" لاسباب "عملية". وتود بريطانيا، في المقابل، ان يحدث مثل هذا اللقاء علماً انها بذلت جهداً مميزاً لطمأنة ليبيا الى حسن النيّات وعدم وجود اية "أجندة خفية" لديها او لدى الطرف الاميركي. وقد تم الاتفاق على تعزيز العلاقات البريطانية - الليبية الثنائية واقامة علاقات قنصلية ورفع التمثيل الديبلوماسي نتيجة التفاهم على "لوكربي". وليس مستبعداً ان تكون التفاهمات قد شملت تصوراً على صعيد العلاقة الاميركية - الليبية يخرجها من حال العداء والقطيعة. ويُعتبر عامل حسن النيات فائق الاهمية في موازين ازمة "لوكربي"، بدءاً بالمثول امام المحكمة وانتهاء بإزالة العقوبات. وتعهدات رئيس جنوب افريقيا نلسون مانديلا الى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في مسألة العقوبات ليست تعهدات شخصية، ولم يكن مانديلا ليتقدم بها لو لم يكن مقتنعاً بدعمها من بريطانياوالولاياتالمتحدة. وهذا ما أسفر عن نجاح زيارته الاسبوع الماضي لليبيا يرافقه الوسيط السعودي الأمير بندر بن سلطان. وتفرض العقوبات على ليبيا منذ 1992 حظراً للطيران وحظراً على شراء المعدات اللازمة لصيانة وتطوير القطاع النفطي. وجاءت بموجب قرار لمجلس الامن نص على اوتوماتيكية "تعليق" العقوبات لدى تسليم المشتبه في تورطهما بتفجير طائرة بان اميركان عام 1988، الذي اسفر عن مقتل 270 شخصاً الى العدالة. وينص القرار على "التعليق" الاوتوماتيكي لدى ابلاغ الامين العام الى مجلس الامن ان المشتبه فيهما وصلا الى هولندا. الا ان هناك من يعتقد ان لا بد لمجلس الامن من اصدار موقف رسمي، بقرار او ببيان، ينص على "تعليق" العقوبات. ولا تزال المحادثات مستمرة في صدد هذه الناحية. المهم ان "تعليق" العقوبات، عملياً، يبقى حجر الاساس في خلاص ليبيا من العقوبات. ذلك ان "التعليق"، عملياً، يعني "ازالة" العقوبات التي فرضها مجلس الامن على ليبيا. واي محاولة لاعادة فرض العقوبات تستلزم قراراً جديداً من مجلس الامن يحصل على موافقة 9 دول اعضاء ولا يلاقي الفيتو من اي دولة دائمة العضوية. وهذا امر مستحيل علماً ان روسيا والصين وفرنسا دول دائمة العضوية في المجلس. وترى ليبيا ان "التعليق" ليس نهاية المطاف وان المجلس سيتخذ لاحقاً القرار ب "رفع" العقوبات رسمياً. وهذا وارد علماً ان ما يتطلبه "الرفع" هو ان يتقدم الامين العام بتقرير يبلغ فيه المجلس ان ليبيا نفّذت كل طلبات القرارات، من "لوكربي" الى "الكفّ" عن دعم الارهاب. وبريطانيا، بحسب المؤشرات ستشهد لها بذلك. وعلى اي حال، ينطوي السيناريو على قيام انان بتقديم تقرير الى المجلس في غضون 90 يوماً من وصول المشتبه فيهما الى هولندا. واذا صدقت النيات ولم تحصل مفاجآت، فالارجح ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا لن تعارضا قرار "رفع" العقوبات. واذا عارضتا، على اي حال، تكون العقوبات زالت عملياً عبر تعليقها. يبقى ان التاريخ المحدد لوصول المشتبه فيهما الى لاهاي لن يُعلن الا عند تسلّم السلطات الهولندية لهما، وذلك لاسباب امنية. انما الارجح الا تتم العملية هذا الاسبوع علماً بأن هناك اجراءات عملية لا بد من اتخاذها قبل وصولهما، مثل تواجد القضاة الاسكتلنديين وغيرهم من المعنيين بالقضاء الاسكتلندي في هولندا، ومثل اجراءات حصانة المشتبه فيهما اثناء المحاكمة. واذا دينا، سيقضي المتهمان العقوبة في سجن في اسكتلندا تحت اشراف الاممالمتحدة ورعاية قنصلية ليبية. وفي واشنطن "الحياة" بدت ادارة الرئيس بيل كلينتون امس متشجعة من امكان تسليم ليبيا المتهمين بحادث تفجير طائرة بان اميركان فوق لوكربي بعد الرسالة التي بعثت بها طرابلس الى الامين العام للامم المتحدة والتي حددت السادس من نيسان المقبل موعداً اقصى لوصول المتهمين الى لاهاي. وكان الرئيس كلينتون اتصل هاتفياً الاحد الماضي بمانديلا وتداول معه في الموضوع. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية جيمس فولي ان الادارة تنتظر تسليم المتهمين ونقلهما الى هولندا. ولاحظ ان ليبيا حددت للمرة الاولى موعداً للتسليم في رسالتها الى الاممالمتحدة وهو السادس من نيسان او ما قبل ذلك. واشاد الناطق بالجهود التي بذلها الامين العام انان والرئيس مانديلا والمملكة العربية السعودية لاقناع الزعيم الليبي معمر القذافي التقيد بالتزاماته في هذا المجال. وفي كيب تاون أ ب قال الرئيس مانديلا امس ان قرار ليبيا تسليم المقرحي وفحيمة "غير مشروط". وقال للصحافيين: "سيُسلمان في 6 نيسان ابريل او قبل ذلك … التسليم غير مشروط".