العنف وليس البارود هو الرائحة الطاغية في روسيا اليوم، رغم ان الانفجارات تحصد العشرات في اوسيتيا، وحرائق الجوع والمرض تأتي على عشرات الآلاف في سائر انحاء الدولة التي كانت يوماً ما عظمى. ومن المؤكد ان شخصاً مثل يوري سكوراتوف يترأس النيابة العامة المكلفة السهر على حماية القانون والاخلاق لا يليق به ان يمضي اوقات فراغه مع فتيات الليل. ولكن المصيبة ان الكاميرات المخفية واجهزة استراق السمع صارت جزءاً من الحياة الاعتيادية، وغدت تسجّل كل شاردة وواردة على كبار المسؤولين وتحفظ هذه "الثروة" لكي تعرض على شاشات التلفزيون الحكومي في عملية ابتزاز واضحة لاقصاء يوري سكوارتوف الذي ارتكب الاثم مرتين: حينما ضاجع فتيات الليل، والأنكى من ذلك عندما بدأ ينقب عن اموال تقدر بمئات الملايين من الدولارات تسرّبت الى جيوب عدد من المرتبطين بقمة الهرم السياسي. وهو في ذلك عبر الخط الاحمر وغدت تعريته، بالمعنيين المباشر والمجازي، مطلباً اساسياً للكرملين. واصحاب "العفّة" الذين تقززوا من مظهر القيّم على الاخلاق في عريه سكتوا عن فضائح اكبر ترتكب كل يوم ويعرف بها القاصي والداني، ابتداء من انفاق مئات الملايين من الدولارات لبناء اجنحة جديدة في الكرملين، وانتهاء بتسرب مئات اخرى الى حسابات في سويسرا واسرائيل وقبرص. وبدلاً من "تعطير" الدولة وازالة العطن الذي يتخلل كل مساماتها يعمد رئيسها الى تغيير كبار المسؤولين وكأنهم قفازات يد. فخلال سنوات حكمه غيّر يلتسن ستة مديرين للديوان الرئاسي وسبعة وزراء امن وعدداً لا يحصى من وزراء المال والداخلية، ناهيك بالناطقين الرسميين الذين يتساقطون كأوراق الخريف كلما ارتكب رئيسهم "هفوة كلامية" وعجزوا عن تصويبها. والتحق بهذا الركب مدير الديوان الرئاسي سكرتير مجلس الامن القومي نيكولاي بورديوجا الذي لم يمض على تعيينه سوى بضعة شهور وكانت نزاهته اكبر خطيئة اقترفها، الى جانب ان هذا الرجل الذي كان قائداً عاماً لقوات الحدود أراد ان يتحاشى دسائس البلاط التي لم يبدِ مهارة في حبكها او استباق عواقبها الوخيمة عليه. والارجح ان إقالة بورديوجا هي "تمهيد مدفعي" لعملية اوسع قد يكون هدفها الاساسي رئيس الحكومة يفغيني بريماكوف الذي ارتكب إثماً لا يغتفر، اذ انه لم يتورط في فضائح مالية ولم يعرف عنه ولعه بالسهرات الماجنة حيث يمكن ان ترصد حركاته وتعرض على الملأ كدليل على ان الاستقرار السياسي النسبي الذي حققه لا قيمة له. ورئيس الحكومة الحالية يغرّد خارج سرب الكرملين، ولذا فإن الرصاصة القاتلة لا بد ان تترصده، ويمهد اسقاطه لعودة "الاصلاحيين الأقحاح" الى السلطة لتعود عمليات النهب الى مجراها "الطبيعي" ولتذهب روسيا الى الف جحيم.