تنقّل الرئيس الروسي من مقراته الريفية إلى المستشفى ومنها إلى المصحات ودور النقاهة لم يعد نبأ مثيراً، بل الخبر - الصرعة أن يباشر بوريس يلتسن عمله في الكرملين. فمنذ تجديد ولايته قبل أكثر من سنتين نقل الرئيس إلى المستشفى خمس مرات وأمضى على سرير المرض زمناً أطول مما قضى في مكتبه الرسمي. والاعلان عن اصابته بنزف في القرحة أخيراً فتح صفحة جديدة في ملف العلل الطويل، إلا أنه لم يغد نبأ - صاعقة فقد اعتاد المواطن الروسي ان يسمع الناطقين باسم الكرملين يتحدثون عن "اعتكافات" يلتسن لمراجعة وثائق لا يعرف أحد لها صلة بالواقع الروسي. وغدا يلتسن "قرحة" لروسيا تنزف بين الحين والحين وتؤلم دائماً ولكن لا فكاك منها. فالدستور المفصّل على مقاسات الرئيس الحالي لا يتضمن أي نص يسمح باقصاء رئيس الدولة لأسباب صحية، ويترك له الحق في تحديد قدرته على أداء المهمات الرئاسية أو عجزه عنها. وخلافاً للسنوات الماضية، فإن مراكز القوى الرئيسية لا تبدو متحمسة هذه المرة للدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. فاليسار يرى في انتقال الصلاحيات، رسمياً أو فعلياً، إلى رئيس الحكومة يفغيني بريماكوف عنصراً ايجابياً يحد من فرص اليمين وقدرته على التحرك تحت "مظلة" يلتسن. وبريماكوف، إذا كان طامحاً إلى الكرسي الأول، بحاجة إلى فترة زمنية لإثبات جدارة حكومته وقدرتها على الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية الذي بدأ يضيق، وقد يسبب حالاً من الاختناق بعد أشهر. أي أن الانتخابات التي يجب أن تجرى بعد تسعين يوماً من استقالة يلتسن، يمكن ان تتزامن مع ذروة الأزمة، ما يقلص حظوظ بريماكوف... وحظ روسيا في التغلب على مشاكلها. وفي ظل تراجع الدور الرئاسي، سوف يتعاظم دور الديوان الرئاسي الذي يشرف عليه قائد قوات الحدود السابق نيكولاي بورديوجا الذي كان "زميلاً" لبريماكوف في جهاز المخابرات. وهذا الرجل - اللغز يمكن أن يعقد تحالفاً مع رئيس الحكومة للحد من آفاق التعاون بين الأخير والشيوعيين، وبالتالي للتخفيف من الضغط الغربي المتزايد على موسكو. فالولايات المتحدة تستخدم الأداة الاقتصادية، عبر صندوق النقد الدولي، وسلاح المقاطعة والأساليب السياسية والديبلوماسية لتضييق الخناق على بريماكوف ووضعه أمام خيارين: إما الاستقالة أو الرضوخ للشروط الأميركية. ورفض الخيارين قد يدفع روسيا إلى التقوقع على نفسها مجدداً والعودة إلى الاقتصاد المبرمج وتأميم جزء من الممتلكات التي حولت إلى القطاع الخاص. إلا أن هذه السيناريوهات قد تتغير في صورة مفاجئة إذا قام يلتسن من وعكته، فهو عوّد مواطنيه على "صرعة" بعد كل نوبة مرض. فإثر اجراء عملية جراحية في الانف بدأت الحرب الشيشانية، وبعد "نزلة برد" في ربيع العام الماضي سقطت حكومة فيكتور تشيرنوميردين، وفي أعقاب "وعكة خفيفة" طاحت وزارة سيرغي كيريينكو. ولذا، فإن سرير المرض يمكن ان يغدو أكثر خطورة على مصائر روسيا من مكاتب الكرملين وأروقته